بَذَلَ المجلسُ الأعلى للجامعاتِ جَهدًا كبيرًا لتشكيلِ اللجانِ العلميةِ الدائمة، استجابَ للشكاوى من أخطاءٍ عدة في كشوف أعضائها، ووضعَ بقَدرٍ حدًا لتأبيدِ عضويةِ تلك اللجان، وحددَ وفق المستطاعِ معاييرًا لتقويمِ الوزنِ العلمي للدوريات والمؤتمراتِ العلميةِ، كما مَدَ سنةً انتقاليةً لتطبيقِ القواعدِ للجديدةِ للترقياتِ على المتقدمين لها. الكمالُ مستحيلٌ، لكن المحاولةَ لازمةٌ. لكن ما لا تستطيعُ أي قواعدٍ تغييرَه هو ما في النفوسِ، مع الأسفِ.
من أعضاء هيئاتِ التدريسِ بالجامعاتِ، ليس كلُهم، من يرون أن كِبَرَ السنِ ومرورَ الزمنِ على الأستاذيةِ يضفي عليهم قداسةً تعصمُهم من الخطأ، فما يضعون عليه أسماءهم من مقالاتٍ لا يجوزُ تحكيمُها ولو تدنى مستواها، وحتى لو نُشِرَت في دورياتٍ ضعيفةِ القيمةِ. مسلكٌ لا علمَ فيه ولا مراعاةً لوقارٍ يفرضُه العلمُ والسنُ، على حدٍ سواءٍ، مع أنهم يتقبلون بمنتهى رحابةِ الصدرِ رفضَ أعمالِهم خارج مصر ولو تدنى مستوى المجلةِ أو المؤتمرِ الذي تقدموا له. وستقودُنا العصمةُ التي ُيريدُ البعضُ فرضَها على نفسِه بما يجافي العلمَ إلى نقطةٍ سنعرضُها لاحقًا. لذا فإنه من غير المقبولِ أن يؤدي تصورُ العِصمةِ إلى أن تكونَ أسماءٌ بعينِها، على مقالاتٍ يتقدمُ بها محتاجو الترقيةِ، جوازًا لمرورِ أعمالِهم، من منطقِ لي ذراع اللجانِ العلميةِ ومُحكمي تلك الأبحاثِ. نحن في فترةٍ تغيرَت فيها النظرةُ للأكبرِ، وواجبُه أن يتعِظَ ويجعلَ سِنَه كابحًا له حمايةً من نظرةٍ أو كلمةٍ لن تُكبَحَ، ولن تَرحَم؛ وقد نَصحَ عمر بن العزيز من هو أكبر أن يُعِينَ الأصغرَ على توقيرِه، بالتواضعِ في المقامِ الأولِ. لا حَرجَ في العلمِ ولا في ابتغاءِ المصلحةِ، فالبحثُ العلمي مستقبلُ بلدٍ يئنُ من ممارساتٍ خاطئةٍ أشعلَت ثورةً ويستحيلُ أن تستمرَ على خطئها في أي مجالٍ.
هل من الضروري أن يكونَ هناك ميثاقُ شرفٍ يُقسمُ عليه أعضاءُ اللجانِ العلميةِ؟ الآن، القضاءُ يُحاسَبُ ويطورُ نفسَه، بضغوطٍ من كل اتجاهِ، واللجانُ العلميةُ ليست بالمعصومةِ. البحثُ العلمي لا يعرفُ إنت مش عارف أنا عندي كم سنة أو انت ناسي أنا مين، أنه لا يعرفُ أسماءًا توضع "فِردةً" على مقالاتٍ، إنه لا يعترفُ إلا بالتعبِ والسهرِ، لا عصمةَ فيه، فيه التواضعُ.
بالمناسبةِ، لكلِ من افترضَ في نفسِه العصمةَ لمرورِ الزمنِ، هل كل أغاني عظماءِ الفن، أم كلثوم وعبد الوهاب، على نفسِ المستوى؟ مستحيل، منها ما لم يُقبلْ، عادي ..
الآن، ليس في مصر معصومين، ولو كان هناك من توهَمَ وادعى،،
Twitter: @albahary