الاثنين، 8 يونيو 2009

مصر .. مغلوبةٌ بالثلاثةِ


طفحَ فريقُ كرةِ القدمِ المصري ثلاثةَ أهدافٍ في مباراةِ الجزائر، ليست عقدةً ولا غيرَه لكنها خيبةُ أملٍ كبيرةٍ. مباراةُ كرةِ قدمٍ لا تحكمُ علي شعبٍ أو بلدٍ أو نظامٍ، صحيحٌ إلي حدٍ، ومؤشِرٌ جدُ مؤكدٍ واضحُ الدلالةِ. الرياضةُ من مرايا الحكمِ علي الشعوبِ والأنظمةِ، شأنُها شأنُ السياسةِ والزراعةِ والصناعةِ والتربيةِ والتعليمِ وحقوقِ الإنسانِ. المقدماتُ واضحةٌ، الهزيمةُ منطقيةٌ وما عداها صدفةٌ في زمنٍ لا مكانَ فيه لخزعبلاتٍ وتفاؤلاتٍ وتبارُكاتٍ.
أكدَت الهزيمةُ علي عشوائيةِ التفكيرِ والتحليلِ ورؤيةِ الأمورِ، علي الفهلوةِ والفتاكةِ والنصاحةِ، صفاتُ شعبٍ ونظامٍ، علي قدمِ المساواةِ. الفريقُ تجمدَ عند كأسِ الأممِ الأفريقيةِ، لا إحلالَ ولا تجديدَ ولا ابتكارَ، لاعبون اغتنوا وكَبِروا واغتروا، قلََ حافزُهم، إعلامٌ وهميٌ يستبشرُ ببدلةِ إداري، يتحدثُ عن شوطٍ أولٍ بتفاؤلٍ وكأن المباراةَ حُسِمَت، ودخلَت الجيبَ، نظرُه محدودٌ كالمعتادِ. لا دراساتٍ بالمعني العلمي المتعارفِ عليه، كلُها تجلياتٌ، وارتكاناتٌ علي نظريةِ المؤامرةِ من شاكلةِ تسممِ الفريقِ وخيانةِ جوزيه وكأن الأهلي اشتراه واستعَبدَه.
المناخُ العامُ يقومُ أساساً علي الخداعِ والادعاءِ، تمثيلُ العلمِ والتعليمِ، الصناعةِ والانتاجِ، الإدارةِ والتطويرِ، الديمقراطيةِ وحقوقِ الإنسانِ، اختيارِ الأفضلِ للكراسي، أكاذيبٌ في أوهامٍ في تدليسٍ. الجالسون علي الكراسي يفهمون اللعبةَ ويدركونها، يُسرفون في التصريحاتِ واحتلالِ الشاشاتِ وتعليقِ اللافتاتِ، قرونُ استشعارِهم موجهةُ صوبَ ما يُطيلُ بقاءهم، يحاربون أساتذةّ الجامعاتِ، يرفعون جودَتَهم الوهميةَ، يطورون الثانويةَ العامةَ للخلفِ، يفتتحون المشاريعَ التي تُغلَقُ بعد افتتاحِها. الشعبُ نفسُه يَبغَضَ ذاتَه، مصرُ مفككةٌ، كلُه يكرَه كلَه، لا طائفيةَ معلنةً، لكنها في كلِ المعاملاتِ، هذا مسلمٌ وهذا مسيحي، مسلمٌ بذقن ومسلمٌ بدونِها، محجبةٌ وسافرةٌ، مؤمنٌ وعلماني، أهلاويٌ وغيرُه، نظامٌ وإخوانٌ، إخوانٌ ومعارضةٌ، غنيٌ وفقيرٌ، صعيديٌ وفلاحٌ، رجلٌ وامرأةٌ؛ لم يبقْ تقسيمٌ إلا وفرَقَ ومزَقَ وخرَبَ ودمَرَ.
في لبنان المنقسمِ إلي طوائفٍ تمكنوا بديقراطيةٍ واعيةٍ من التعبيرِ عن رأيِهِم؛ في مصر من الطبيعي أن يفوزَ الإخوانُ وحدُهم، لا حباً فيهم ولا في برامجِهم الهلاميةِ، لكن كُرهاً في من لعقودٍ داسوا علي الرقابِ وكتموا الأنفاسَ وداسوا علي الصدورِ، انتحارٌ يدفعُ إليه زلُ العيشِ، هروبٌ وراءَ سراويلٍ بيضاءٍ قصيرةٍ وأرديةٍ سوادءٍ قاتمةٍ، كأن الخلاصُ فيها، وما فيها إلا القبليةَ القائظةَ الجافةَ الغليظةَ.
مبارةُ كرةِ قدمٍ أيقظَت المواجعَ، فريقُ الأهلي الكروي، أداةٌ حكوميةٌ للتخديرِ وأفيون شعبٍ بائسٍ بفعلِه، أغفلَهم الطبلُ له والنفخُ فيه ومجاملتُه عن حقيقتِنا، عن مستوانا الصفري.
مصرُ مختنقةٌ، محتقنةٌ، مكتئبةٌ، مغلوبةُ بالثلاثةِ،،

ليست هناك تعليقات: