الدكتوراة أعلي مراتب البحث العلمي، تتطلبُ باحثاً ذا امكاناتٍ ذهنيةٍ وعلميةٍ متميزةٍ، إضافةً إلي إلمام عالٍ باللغة الإنجليزية في حال إجراء أبحاثٍ في المجالات الحديثة كالحاسبات والاتصالات. لا بدَ للبحث العلمي المحترم أن يعملَ الباحثُ في جامعةٍ تتيحُ له المناخ العلمي المتكامل من معامل ومكتبات وهيئة إشراف علي كفاءةِ، بحيث يخرج منها حاصلاً علي الدكتوراة، منفتحاً علي العالم، قادراً علي الإضافةِ وتقبل كل ما هو جديدِ.
مع هذه المقدمة لا بد من إعادة الإطلاع علي الترتيب العالمي لجامعات العالم والذي لم يتضمن أيةَ جامعةٍ عربيةٍ، باستثناءِ جامعةِ الأسكندرية في أحد التصنيفات التي رفعتها في بند وأنزلتها في كثير. من واقع هذه التصنيفات تبدو الجامعاتُ المصريةُ، علي تأخرِها، متقدمةٌ علي كافةِ الجامعاتِ العربيةِ، ولا زالت حتي يظهر ما يُثبت غيرَ ذلك. لم تشترْ الأموال مكانةً ولا ترتيباً علمياً ولن، طالما لم ولا يوجد ما يشي بإمكانِ توفرِ المناخِ الذي يضعُ العلمَ في المرتبةِ الأولي بما يفرضُه من انفتاحٍ، في المقام الأولِ.
مع هبوبِ نوباتِ الإنغلاقِ القائظةِ علي المجتمع المصري من ناحية، والاستسهالِ من ناحيةٍ أخري، ومع سُباتِ الأقسامِ العلميةُ والكليات في المقام الأول، جنح بعض المدرسين المساعدين بالجامعات، خاصة في المجالات العلمية المتقدمة، إلي الهروب للحصول علي الدكتوراة من المملكة العربية السعودية. كان الحصولُ علي الدكتوراة من أوروبا الشرقية نَدبةً تلحقُ بصاحبِها طوال حياته الأكاديمية. الآن استفحلَ بسرعةٍ النزوحُ إلي جامعاتٍ سعودية بعينها، يتوجه إليها انتهازيو الشهادات بلا اختبارات لغة ولا غيره، يُشرف عليهم حاصلون علي دكتوراة من جامعات غربية قبل أن ينضج عودُهم العلمي ودون أن يشغلوا مكانةً علميةً في بلادِهم، جاءوا إلي الخليج من أجلِ حفنةِ أموالٍ، ارتزاقٌ في ثوبٍ من أثوابِه.
مستقبل جامعات مصر يزدادُ إظلاماً، لا حياءَ ولا مجاملةَ ولا سياسةَ في العلم، لا دكتوراة بدون مناخ علمي في مجتمع يحترم العلم ويعترف به. هل هانت جامعاتنا إلي حد حصول من يُعَدون ليكونوا أعضاءَِ هيئاتِ تدريسِ بها علي دكتوراة منقوصة؟! أين المجلس الأعلي للجامعات الذي يتدخل في كل صغيرة وكبيرة؟! الكليات فقدت الكثير، ألهتها اختيارات القيادات الجامعية ولقمة العيش عن الأساسيات، الفرصة علي البحري لمن يلعبون في الظلام، وهاهي الدكتوراة آتية من السعودية ومعها الجلباب القصير والشبشب، والتدريس الانتقائي، أي لمن يستوفي شروطاً بعينها، تماماً كما شاهد هناك وعاش.
جزء ٌ كبيرٌ من المعاناة العامةِ التي نعيشُها يكمن في معرفة أسبابها، ثم التخاذلِ والتكاسلِ في مواجهتها إلي أن تخرج عن السيطرةِ وتفرضُ نفسَها كأمرٍ واقعٍ. لم تخجلْ دولُ الخليجِ من رفضِ الاعترافِ بخريجي كلياتٍ ومعاهدٍ مصريةٍ، مصلحتُها أولي من أية اعتبارات هلامية، الدورُ علينا، ومن حقِنا بعين واسعة.
أركانُ الجامعاتِ المصريةِ تنهارُ ركناً ركناً، بدءاً من كيفيةِ اختيار القياداتِ الجامعيةِ، مروراً بالجودةِ الورقيةِ الارتزاقيةِ وانهيارِ السلوكياتِ الجامعيةِ الواجبةِ علي مستوي أعضاءِ هيئات التدريسِ والطلبةِ، وصولاً إلي تسللِ الدكتوراة السعودية في العلوم المتقدمةِ، لا الفقهَ،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق