القيادةُ صفاتٌ شخصيةٌ ومهاراتٌ تُكتسَبُ بالممارسةِ، لا جدالَ في أنها متوفرةٌ في المشير السيسي. فقد أثبتَت الأيامُ والأحداثُ أنه لها، وأنه قادرٌ على اتخاذِ القرارِ الصعبِ وتحملِ تبعاتِه، وهو ما أكسَبَه رصيدًا جماهيريًا من محبةِ الشعبِ وتقديرِه. ولأننا شعوبٌ قدريةٌ فإن الارتكانَ على الغيبياتِ والقائدِ البطلِ المخلصِ يحتلُ مساحةً شاسعة ً في الوجدان الشعبي المحبِ للشاطرِ حسن وأبو زيد الهلالي وعنترة بن شداد وأدهم الشرقاوي وأحمد عرابي وعبد الناصر، وضُمَ لهذه القائمةِ المشيرُ السيسي. السيسي إذن دخلَ في قائمةِ الُمنقذين المُخَلصين.
زمنُ اليومِ مُختلفٌ عن زمن الأساطيرِ والأزمنةِ التي ولَت ومضَت، لم تعدْ الدولُ منغلقةً داخل حدودِها، ما فيها يراه العالمُ، ويتدخلُ فيه، ولو صَغُرَت، ما بالك لو كان لها من المكانةِ والموقعِ. البطلُ قد يكونُ موجودًا، لكنه غيرُ مُخَلِصٍ، غصبًا عنه، هذا هو الواقعُ، لا أساطيرَ ولا حكاوي. لكلِ بطلٍ دورُه، يؤديه خلال فترةٍ، لو تجاوزها قد ينمحي ما أداه من حسنٍ وينقلبُ حبُ النَّاسِ له غضبًا وثورةً. لا أريدُ أن أتسبَبَ في إحباطٍ لمحبٍ للسيسي ولا للسيسي نفسِه، لكنها قراءتي لما أرى، دون غرضٍ ومصلحةٍ إلا لهذا البلدِ.
المناخُ الداخلي الآن فيه من النفاقِ ما يحجبُ الحقائقَ ويضعُ غشاواتٍ تمنعُ الرؤيةَ. مصر مُنقسمةً، السيسي أدى عملًا عظيمًا مُنقذًا، لكن مع هذا الإنقسامِ أصبحَ جزءا من المشكلةِ لا الحلَ، فوجودُه على رأسِ المشهدِ يؤكدُ على استمرارِ العداءِ لما يمثلُه السيسي من إنهاءِ حقبةِ الإخوانِ، وهو ما يُصَعِبُ من أيةِ محاولاتٍ لإجادِ حلولٍ سياسيةٍ، مع التسليمِ التامِ بتعذرِ الحل الأمني. ومن ناحيةٍ أخرى يستحيلُ أن يبقى السيسي وزيرًا للدفاع، فما عادَ مقبولًا أن يكونَ الرجل الثاني، لا بمنطقِ الأشياءِ، ولا بطاقةِ النفسٍ البشريةِ داخله. أيضًا، فإن كَمَ المشاكلِ ضَخمًا بما لا يستطيعُ أبطالُ الأساطيرِ التغلُبَ عليه، وهو ما سيضعُ الجميعَ أمام واقعٍ، غَضَبٌ عامٌ من ناحيةٍ، وعدَمُ ُقدرةٍ على الحلِ عند رأسِ السلطةِ من ناحيةٍ أخرى، وهو ما ينقلِبُ على ما اكتسَبَه السيسي من محبةٍ.
خارجيًا، فوبيا السيسي أصبَحَت مرضًا نفسيًا قبل أن يكونَ سياسيًا. مصر ليست الدولةَ التي تقومُ على رجليها وحدَها، على الأقلِ الآن، من السهلِ التأمرُ عليها؛ في فتراتِ ضعفِ المناعةِ قد تُصيبُ لسعةُ الذبابةِ بالحمى. ولنتذكرُ أننا شعبٌ يشتكي أكثر مما يعملُ، يبحثُ عن الحوافزِ بالحدِ الأدنى من الجَهدِ، أي ضغطٍ في الأسعارِ والخدماتِ يُغَيرُه من الضدِ للضدِ، وهو ما يلعبُ عليه متآمرو الخارجِ وشركاؤهم من مرتزقةِ ومتلوني ومتآمري الداخلِ. من الطبيعي أن تزدادَ وتيرةُ التأمرِ إذا أصبحَ السيسي رئيساً.
العيبُ ليس إذن في السيسي، على العكسِ، الزمنُ سيقسو عليه، وطبيعةُ الناسِ، جوه وبَره. من أقدارِ الأبطالِ أن يؤدوا دورَهم وينسحبوا ولو قبل الفصلِ الأخير من العرضِ،،
Twitter: @albahary
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق