العِلمُ حقائقٌ مُجردةٌ، ونتائجٌ مبنيةٌ على أبحاثٍ علميةٍ، ثم نشرُها في مجلاتٍ علميةٍ عالميةٍ أو مؤتمراتٍ دوليةٍ. الطريقُ معروفٌ لمن يبحثُ بأمانةٍ والعقوباتُ مُشددةٌ على النصابين علميًا، في العالمِ طبعًا. عندنا، وآآه من عندنا، الحالُ هزليٌ، أبحاثٌ فشنك في مَناخٍ زائفٍ، لعيبٍ في الأشخاصِ بحجةِ قلةِ الإمكاناتِ، ذاتُ عُذرِ من يَسرقُ ويُحَلِلُ ويُبيحُ السَرقةَ لأنه لا يجدُ قوتَه.
بعد المقدمةِ، يجبُ الإيضاحُ. المجلاتُ العلميةُ والمؤتمرات العالميةُ المحترمةُ معروفةٌ في كلِ تخَصُصِ، ولكن هناك مَجلاتٍ ومؤتمراتٍ هجاصي، بمعنى أي كلام، بمعنى إدفع ننشر لك، ولا تحكيم ولا غيره، وطبعًا يدخل فيها المجلاتُ المنشورةُ على الإنترنت بأسماءٍ تبدو محترمةً وما هي إلا تحريفٌ لأسماءٍ علميةٍ مَعروفةٍ. هل تذكرون الماركة الشهيرة Panasonic و تقليدُها Panasinic وPinasonic و Panisonic وNivea وتقليدُها Nivia؟ استبدالُ حَرفٍ وكأن العالمَ أعمى. هناك مجلاتٌ ومؤتمراتٌ تخصَصَت في النصبِ والدَجَلِ باسمِ العلمِ، وهناك من تَخَصَصوا في إصدارِ مجلاتٍ وتنظيمِ مؤتمراتٍ باسمِ العلمِ، وهي سَبوبةٌ مُربِحَةٌ جدًا، وزبائنُها كُثرٌ ومنهم مصريون من الجامعاتِ ومراكزِ الأبحاثِ بأعدادٍ ما شاءَ الله. المهم، إذا رُفِضَت هذه "الأشياءُِ" المنشورةُ فيما لا يُقرأ ولا يُحترمُ يَعلو صراخُهم عن اِضطهادِ وظلمِ اللجانِ العلميةِ للترقياتِ لتلك المواهبِ العلميةِ الفذةِ!!
ولا يخرجُ عن هذا الزيفِ الدورياتُ التي تصدِرُها الجامعاتِ وتنشرُها بمقابلٍ عند ناشرٍ عالمي، َيكتبُ صراحةً في مكانٍ ظاهِرٍ أنه غيرُ مسؤولٍ عن مُحتوى الدوريةِ، وظيفتُه طباعتُها بشكلٍ جيدٍ مقابل قرشين، ليس إلا. العجيبُ أن هناك من يروجُ أن تلك الدورياتِ عالميةٌ حقًا!! وإذا كانت كذلك لماذا لا يُسندُ تحكيمُها للناشرِ الأجنبي المعروفِ؟ وإذا كانت مُحترمةً فعلًا، كيف يُتركُ المسؤولون عن تحريرِها ومزاجُهم في اختيارِ مُحَكِمي أبحاثِهم المنشورةِ في تلك الدورياتِ؟! الدورياتُ الفشنك تَنشرُ عشرات المقالاتِ في العددِ الواحدِ، كلُه بالفلوسِ.
من الزيفِ في مَناخٍ كاذبٍ مع الأسفِ، ما إِدُعِىَ أبحاثًا وعليها أسماءٌ لم تُشارِكُ فيها، مجاملةٌ بمقابل، كيف يكونُ المقابلُ؟ وضعُ اسمِ أستاذٍ أكبرٍ أو شاغلٍ لمنصبٍ، على البحثِ كي يكونُ جوازًا لقبولِه، وحتى تَنكسِفُ اللجنةُ العلميةُ للترقياتِ على دمِها وتُمرِرُه، أو تبادلُ وضعِ الأسماءِ على المُدَّعاةِ أبحاثًا، وشَيِلني واشيِلك؛ ليست أبحاثًا علميةً، هي شؤونٌ اجتماعيةٌ، ومنتهى الهزلِ فيما لا هزلَ فيه!! لكن من الزيفِ الفادحِ والمُدَمرِ أن توضعَ أسماءُ بعضِ أعضاءِ اللجانِ العلميةِ "فِردةً" على مقالاتٍ، حتى تفوتُ حلاوة، وكأنهم كَهنةُ العلمِ، أيًا كان ما وُضِعَت عليه أسماؤهم وأيًا كان مكانُ نشرِه!!
ما سبَقَ كانَ عن العلم كده وكده عند الكبارِ، وطبيعي ألا يخرجُ عن هذا الإطارِ عند الصغار. الإعلامُ "التنويري" يتبارى كعادته في نشرِ أخبارٍ عن اختراعٍ طبي شافٍ لطالب في ثانوي، وعن سفنٍ لا تغرقُ، وعن سياراتٍ تطير، وعن فوزِ الكليةِ الفلانيةِ بالجائزةِ الدوليةِ العلانيةِ، وكلُه في الهجايص. يجبُ تشجيعُ المناخِ العلمي، تمام، لكن من الضروري أن يكون بجد وبصحيح وبحق وحقيقي، أما التهييضُ والدعاية الفشنك فلا ينتجُ عنها إلا غرسُ الفهلوةِ والفتاكةِ ودهان الهوا دوكو!! هل هذا هو المطلوب؟ إذا كان كده ماشي وعشرة على عشرة. هناك من يَتعَيَشون على الفشنك وبه يَعلون وتَنفَتِحُ أمامهم الأبوابِ، ويظهرون علماءً وخبراء وأهل رأي في كلِ شئ، لا تخصص ولا ديالو، عادي.
والجوائزُ؟ حكايةُ الحكاياتِ، مش وقته ...
هل يُمْكِنُ أن نتقدَمَ والعيبُ فينا؟ ليتنا عرضنا خطايا الأقلِ تعليمًا، مع الأسفِ إنهم أهلُ الدكتوراة والأستاذية، كلام يزعل، ويؤلم، حاجة تقطع القلب،،
Twitter: @albahary
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق