مع الفوضى التي استشرَت بعد الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ ولم تنته بعد، تغيرَ شكلُ التعاملاتِ بصورةٍ ما لها من سابقاتٍ. النمطُ السائدُ هو الاستهتارُ بكلِ ما هو قانون وأمن، بسلطةِ الدولةِ، وأكَدَ على هذا المفهومِ ضَعفُ الدولةِ فعلًا وانهيارُ عزيمتِها، فبُوِرَت الأراضي الزراعيةِ إلى غيرِ رَجعةٍ، وبُني في الممنوعِ وبارتفاعاتٍ مُظلمةٍ خانقةٍ. فَرضَت الفوضى سطوتَها على الدولةِ وكَرَسَت سياسةَ الأمرِ الواقعِ بِلي الذراعِ، بالبلطجةِ. وإذا كانت فترة السبعينات معروفةً بالانفتاحِ اللصِوصي الضلالي، فإن فترةَ ما بعد الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ هي الفوضى الفاجرةُ في كلِ شئ، لننظر ونرى البجاحةَ والتناحة وقلة الأدب، لنتحسر على الحالِ المائلِ الخائبِ.
موضوعُ هذا المقالِ هو أحدُ مظاهرِ الفوضى المستشريةِ منذ الخامس والعشرين من يناير بلا رادعٍ، بكلِ ما في النفوسِ الوضيعةِ من كذبٍ وأنانيةٍ وجشعٍ وطمعٍ. تفتقَ زهنُ لصوصِ هذه الفترةِ عن حيلٍ وألاعيبٍ حقيرةٍ للإثراءِ بسرعةٍ وبلا مجهودٍ، كيف؟ تحويلُ شُققِ الطوابقِ الأرضيةِ المخصصةِ للسكنى حسب عقودِها إلى معارضِ سياراتٍ ومقاهٍ ومحالٍ، الشقةُ التي لا يتجاوزُ سعرُها ٣٠٠،٠٠٠ جنيه تُباعُ بمليون جنية، كده، ولا ضرائب ولا غيره، لا حي مدينة نصر يتدخلُ عند الاستغاثةِ، ولا الشرطةَ سريعةَ الاستجابةِ. أمثلُ شققٍ هي الشققِ التي تبنيها الشركاتُ العامةُ وبنكُ الإسكان والتعمير. لماذا؟ لأنها بلا صاحب يراقبُ ويحاسبُ.
تبدأُ الحكايةُ بمالكٍ جشعٍ يبيعُ شقتَه سرًا لأحد أعضاءِ عصاباتِ تحويل تلك الشققِ من سكني إلى تجاري بالعافيةِ والبلطجةِ، تُباعُ كشقةٍ سكنيةٍ بأعلى من سعرِها ودون التغييرِ في أساسِها وحوائطِها، الشركةُ بانيةُ العمارةِ أو بنكُ الإسكانِ خارج الصورةِ، آخر من يعلم. بعدَها يبدأ تنفيذُ المخططَ الدنئ، يظهرُ شخصٌ أمامَ السكانِ كمخلبِ قطٍ، يدعي أنه مشتر للشقةِ، وأنه لن يفعلَ ما يَضرُ بالعمارةِ والسكانِ، حتى تهدأ شكوكُهم ومخاوفُهم، ثم يفصحُ عن نيته الحقيرةِ في تحويلِ الشقةِ إلى تجاريةٍ بسبب غلاءِ المعيشةِ وارتفاع سعرِ الوقودِ، لكن مع استمرارِ التأكيدِ الكاذبِ على الحفاظِ على العمارةِ والسكانِ. وفجأة، في يوم جمعة أو يوم عيد يتمُ تنفيذُ مخططِ هدمِ حوائطِ الشقةِ والنزول بمستوى أرضيتِها لمستوى الشارع، ولو كانت الشقةُ سابقةَ التجهيزِ لا يمكن إزالةُ حوائطِها أو النزولُ بأرضيتِها. عصابةٌ من عشرين أو ثلاثين عواطلي يتمُ جلبُهم للهدمِ وتركيبِ الأبوابِ الجرارةِ في أقلِ من ساعتين، اعتمادًا على بطءِ الشرطةِ وانعدامِ حي مدينة نصر في أيامِ العملِ فما بالك في أيامِ الأجازة. بعد تركيبِ الأبوابِ الجرارةِ والاستيلاء على الأرض المواجهةِ للعمارةِ والموجودةِ خلفَها، يتمُ فورًا جلبُ الكراسي والمناضد إذا كانت لمقهى، أو السيارات إذا كانت لمعرضٍ!! الشقةُ التي بيعَت بثلاثمائة ألف جنيه أصبَحَت الآن تساوي مليون جنيه!! حتى لو كانت ستنهارُ على رؤوسِ سكانِها الذين يموتون قهرًا من عدم الاستجابةِ لاستغاثاتِهم ومن الرعبِ من طقطقةِ الحوائطِ.
أين الدولة؟ مغلوبٌة على أمرِها من العجزِ ومن فسادِ الأحياءِ. إذا حدَث ووصلَ الأمرُ إلى الشرطةِ، فإن الشخصَ مخلب القط، الذي قامَ بدورِ المشتري، يتنصلُ من كلِ ما قالَ، لم يشترْ، والشقةُ لا يَعرفُ مالكُها؛ الوحيدُ الذي يَعلمُ به بنكُ الإسكانُ أو الشركةُ هو المشتري الأولُ من أي منهما، أولُ طماعٍ في سلسلةٍ من كذبٍ لا نهائي، لا صراحةَ في الكلامِ ولا الممارساتِ ولا في الأشخاصِ. هذا هو حالُ مدينةِ نصر في حيِها الثامن بجوارِ النادي الأهلي، عماراتٌ ستنهارُ على أدمغةِ السكانِ وممارساتٌ غيرُ أخلاقيةٍ من تجاراتٍ أُقيمَت بالبلطجةِ في مساكنٍ غيرِ مُعَدةٍ. لها وفي وسطٍ المفترضُ أنه سكنيٌ!!
مثلما غرَقَت العبارة السلام على مرآي من الجميع، فإن مساكنَ بنك "الإسكان والتعمير" بالحي الثامن من مدينة نصر تنهارُ على أدمغةِ من فيها، عيني عينك.
لما يفرضُ الجشعُ والكذبُ والانتهازيةُ إرادتَهم، لما تنعدمُ الأخلاقُ، لما يُداسُ القانونُ، تنهارُ الدولةُ كُلُها، وجوبًا، من غير فصال ،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق