خيرُ الأمورِ أوسطُها، والاعتدالُ من التعقلِ والاتزانِ، نهجٌ سليمٌ قويمٌ مع الأسفِ لا محلَ له عندنا. الإتكاءُ على شعارٍ هو صكُ الصلاحيةِ، تُبَدَلُ الشعاراتُ وتُكَرَرُ حتى المللِ مثل لبانةٍ مُرةٍ ومع ذلك لا يلفُظَها الفمُ. لبانةُ هذه الأيامِ هي تمكينُ الشبابِ، حتى العجائزُ يلوكونَها من بابِ المودرنيزم، مثل صباغةِ الشعرِ ودَهنِه جل. أيامُ ما قبل ٢٥ يناير ظَهَرَ شعارُ تمكينِ الشبابِ لتأهيلِ الجو العامِ في البلدِ لتقبلِ فكرةِ وريثِ الحكمِ، وبالفعلِ عُيِّنَ من شبابِ الأربعيناتِ عددٌ لا بأسَ به في مواقعٍ مرتباتُها ما شاءَ الله. والآن الشعارُ يتكررُ، كما هو، بهدفٍ مختلفٍ، إعطاءُ الشبابِ ثمنِ ما بعد ٢٥ يناير، إسكاتُهم.
فيما قبل ٢٥ يناير هيمَنَ على الدولةِ لعقودٍ من كانوا في أوسطِ العمرِ وهَرِموا في مواقعِهم، اِستَولوا على كلِ المفاتيحِ وأضاعوا أجيالًا بعدَهم لم تأخذْ فرصتَها بعد أن حجَبَها هؤلاء المؤبدون المستديمون؛ أُزيحَ السياسيون منهم بعد ٢٥ يناير وبَقى غيرُ السياسيين ولجانُ المجلسِ الأعلى للجامعاتِ شاهدةٌ على استمرارِ هيمنتِهم على الجامعاتِ، حكوميةً وخاصةً، بأدمغةِ تسلطِ طولِ البقاءِ وتحكماتِه. من طُلِبَ منهم الظهورُ كشبابٍ قاموا بأدوارِهم وقبضوا الثمنَ من مرتباتٍ وأضواءٍ، لكن القرارَ كان للمؤبدين المستديمين.
والآن، بعد ٢٥ يناير، وُضِعَ أربعينيون على كراسي هنا وهناك، في الجامعاتِ والمحلياتِ والوزاراتِ، استيفاءً لشكلٍ ومراضاةً قبلَ الاقتناعِ والملاءمةِ، لم يكنْ لهم في ٢٥ يناير ولا في ٣٥ ولا حتى٩٥، استفادوا لأن الرزقَ من الله، ولأن الفرصَ بالمعرفةِ والزقِ والحشرِ؛ وزراءٌ ومحافظون أُجلِسوا وانكَشَفَ سوءُ الاختيارِ وضَعفُ حُجَتِه. إذا كان تمكينُ الشبابِ ضرورةً في كلِ موقعٍ بغضِ النظرِ عن الصوابِ، هل يُمْكِنُ أن يتولى وزارتي الدفاعِ والداخليةِ روادٌ أو نقباءٌ؟ الإجابةُ واضحةٌ؛ الملاءمةُ لا تقتصرُ على الجيش والداخلية، هناك مواقعٌ كثيرةٌ، وعلى رأسِها الجامعاتِ، أُغفِلَ منها وجوبُ تسلسلِ الأجيالِ وتعايُشِها وحُجِبَت أجيالٌ أقدمُ من أجلِ شعارِ تمكينِ الشبابِ ولو كان أجوفَ المضمونِ، غيرَ مُتسقٍ مع أخلاقياتٍ جامعيةٍ وعلمٍ، خاصةً مع تلهفٍ متأصلٍ على السلطةِ والمناصبِ.
التعسُفُ في شعارِ تمكينِ الشبابِ ظَلَمَ من هم أكبرَ منهم ليس سنًا فقط، ولكن أيضًا كفاءةً، وكأن ما قبل ٢٥ يناير وبعدَه سواءٌ، هما على حسابِ جيلٍ من كبارٍ طَمسَهم أكبرُ منهم، ثم جيلٍ آخرٍ من كبارٍ طواهم أصغرُ منهم؛ كبارٌ هم خَيلُ الحكومةِ غصبًا عنهم، رغم قدرتِهم وأحقيتِهم، ليموتوا بحسرتِهم ولتستمرَ الدولةُ للخلفِ دُر.
مازالَ النفاق والارتزاقُ واستغلالُ اللحظةِ، فقط صَغُرَ سنُهم. لم تُبنْ دولةٌ باللبانِ، العزاءُ الوحيدُ لخيلِ الحكومةِ، وحدِهم، وعجبي.
بعد عامين ستخوض هيلاري كلينتون البالغة الآن سبعة وستين عامًا انتخابات الرئاسة بالولايات المتحدة الأمريكية، ستكون وقتها على أبواب السبعين عامًآ؛ في أمريكا ممكن لأنها دولة عجوز ومتخلفة، لكن في مصر مستحيل، لا بد من النعانيع النغانيغ الضاربين صبغة وجل ومسرسعين هنا هناك، الفضائيات على قفا من يشيل !!
نُشِرَت بجريدة روزاليوسف يوم الخميس٣٠ ابريل ٢٠١٥
نُشِرَت بجريدة السبورة يوم الإثنين ١يونيو ٢٠١٥
Twitter: @albahary
نُشِرَت بجريدة السبورة يوم الإثنين ١يونيو ٢٠١٥
Twitter: @albahary
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق