البحث العلمي أمانة ودقة وكد، والترقية للدرجة الأعلى استحقاق وكفاءة. لكن في زمن الفهلوة اختلطت الأوراق وأصبح تكبير المخ أسرع طريق للوصول، ومع الأسف لم تسلم منه الجامعات ولقى مباركة من المجلس الأعلى للجامعات. البحث العلمي يقوم على النشر في أماكن موثوقة سواء كانت مؤتمرات علمية أو مجلات عالمية. لكن في جامعاتنا، بدلا من الكد والتعب، برع بعض من يريدون الترقية للدرجة الأعلى سواء كانت أستاذ مساعد أو أستاذ، في البحث عن أماكن نشر تتلقى المقابل المادي وتنشر بلا تحكيم ولا مراجعة، تجارة إدفع ننشر لك. ظهرت مجلات بمواقع على الإنترنت تنشر كلام فارغ في مقابل ٤٠٠ دولار ومؤتمرات سياحية في أوروبا وأمريكا تقبل ما يسمى أبحاثًا في مقابل ٥٠٠ دولار، ولا داعي أصلا لإلقاء ما يسمى بحث طالما تم سداد المعلوم!!
المصيبة أن قواعد الترقيات تسمح للمؤتمرات التي تعقد في أوروبا أو أمريكا بالحصول على ٧ درجات من عشرة أيا كان مستواها، أما الدوريات المحلية الأدق تحكيما في أحيان كثيرة فلا تستأهل أكثر من ٦ درجات من عشرة!! اللجان العلمية للترقيات الأكثر قربا من التخصصات العلمية تبذل جهودًا لتحديد الغث من الثمين في المؤتمرات والمجلات العلمية، وتضع في حدود القواعد درجات تتفق ومستواها؛ فمن غير المقبول أن تُعطي درجات لغثاء منشور في مؤتمرات سياحية ومجلات وهمية. لكن بمنتهى الأسف هناك من داخل اللجان العلمية تلك من يدافعون عن النشر في هذه الأوكار إذا كانت من متقدمي جامعاتهم!! والمحزن والمؤسف أن اللجان العليا الاستشارية التي شكلها المجلس الأعلى للجامعات تلغي قرارات اللجان العلمية برفض ترقيات البعض لتخلف ما قدموه عن النشر العلمي في مجلات ومؤتمرات موثوقة.
من مؤدى ذلك تدمير المجلات العلمية التي تصدرها الجامعات المصرية، بينما المؤتمرات السياحية في أوروبا وأمريكا تنشر أشياء مكتوبة فيما لا يتجاوز الصفحات الست ومع ذلك تعتبرها اللجان الاستشارية بالمجلس الأعلى للجامعات أبحاثا تستأهل ٧ درجات من عشرة ولو قدرت لها اللجان العلمية درجات أقل!! جزء من المشكلة يقع على عاتق قواعد الترقيات التي وُضعت بعد ٢٥ يناير ٢٠١١ وانصاعت لجو الفوضى السائد، وهو ما يقضي على البحث العلمي وأخلاقياته ممارسات وقواعدًا.
لمصلحة من ترقية أعضاء هيئات تدريس بالجامعات المصرية بما يستحيل أن يكون أبحاثا وبما يتنافى وأمانة ومنهجية البحث العلمي؟!! لمصلحة من تشجيع المتهربين من النشر العلمي الحقيقي في مجلات ومؤتمرات أوروبا وأمريكا؟!! لمصلحة من ترقية أستاذ أو أستاذ مساعد بثمانية أبحاث منشورة في مؤتمرات سياحية؟!! هل ترتقي دولة بفلسفة تفتيح المخ والأونطة؟!! نجح بمعرفة اللجان العليا الاستشارية بالمجلس الأعلى للجامعات، ورغم أنف اللجان العلمية للترقيات، من نشروا في مؤتمرات سياحية لمجرد أنها في أوروبا وأمريكا!!
بمنتهى الأسى أكتب.
زغردي يا مصر
Twitter: @albahary
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق