الإدارةُ في المقامِ الأولِ علمٌ، كياسةٌ، فهمٌ لطبيعةِ العملِ ونفسيةِ الزملاءِ، رؤساءً كانوا أم مرؤوسين، ليست تلطيشاً وتخبيطاً وتباهياً بالعنف وارسالِ العاملين للشئونِ القانونيةِ والنيابةِ الإداريةِ. أقول ذلك بعد أن ظهرَت في وسائلِ الإعلامِ مقالاتٌ "مزقوقةٌ" للترحيبِ بالشراسةِ الإداريةِ، وكأنها لازمةٌ لهذه المرحلةِ التي يَري من يَري فيها أن الشعبَ تسيبَ، وأصبحَ من الضروري ضربُه علي دماغِه.
من غير السوي أن يتباهي الإداري أنه عنيفٌ وشديدٌ وأنه سيجعلُ الحياةَ جحيماً علي البعضِ، ليست صيغةَ مخاطبةٍ في دولةٍ تحترمُ حقوقَ مواطنيها، ومن أهمِها حقُهم في حسن السياسةِ والإدارةِ، بكياسةِ مخاطبتِهم واحترامِ عقولِهم. الإدارةُ الشرسةُ أصبحَت علي ما يبدو معياراً للاختيار في العديدِ من المؤسساتِ الهامةِ، وهو ما يعني شعورَ صاحبِ قرارِ التعيينِ بأن هناك انفلاتاً في المجتمعِ، لا ننكرُه، لكنه نتيجةٌ طبيعيةٌ للإحساسِ العامِ بضيقِ الأحوالِ وغيابِ المساواةِ بين المواطنين، بين ولاد البطة وولاد الفرخة. مواجهةُ مشاكلِ المعاناةِ العامةِ في الصحةِ والسكنِ والتعليمِ وغيرِها وغيرِها هو وحدُه الكفيلُ بتهدئةِ النفوسِ، لن يجدُ المواطنُ مبرراً للتمردِ، للانفلاتِ، في عملِه، في مدرستِه وجامعتِه، في ملعبِ الكرةِ، في الشارعِ، في كلِ مكانِ.
لماذا يُتركُ أساتذةُ الجامعاتِ علي توترِهم؟ وكذلك المدرسون ووالأطباءُ والصيادلةُ والممرضاتُ والعمالُ؟ هل هو نهجٌ أن يُعيَنَ من يجعلُ دمَهم فائراً مائجاً؟! ليس في الصالحِ أن يفلِتَ لسانُ وزيرٍ أو رئيسُ جامعةٍ أو أن يجمحوا في تصرفاتِهم؛ هو دليلٌ علي نهجٍ لا مثيلَ له في الدولِ المتقدمةِ وحتي المتخلفةِ نوعاً ما، التعيينُ للتنكيدِ العامِ. لا غرابةَ في الكآبةِ العامةِ، العبوسِ، الاستنفارِ، شعرةٌ فاصلةٌ بين الاستقرارِ والغليان، أين العقلاءُ؟
ليست دعوةً للتسيبِ، لكنها للتعقلِ، لاستيعابِ المواطنين، لاستنفاذ الوسائل الإدارية من لفت نظرٍ وإنذارٍ قبل اللجوء للوسائل الأشد. لا أهلاً بالشراسةِ،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق