عميل، خائن، مصطلحاتٌ شائعةٌ منذ عقودٍ، اِنقرَضَت مفرداتٌ وتغيرَت اللغةُ، وماتزال تلك المصطلحاتُ الأثريةُ صامدةً. ليست مجردُ مصطلحاتٍ لكنها تعبيرٌ عن إتجاهٍ مُسيطرٍ فى الفكرِ، رفضُ الاختلافِ ومحاربتُه بكلِ وسيلةٍ، احتكارُ الصوابِ والحقيقةِ والفهمِ والمعرفةِ. المشهدُ المصرى الحزينُ تائهٌ بين ميدان التحرير وجامع مصطفى محمود والبعيدين عنهما وهم كُثرٌ لكن بأسفٍ لا يُسمعون.
بدأت مظاهراتُ ميدانِ التحرير بهدفِ العدالة والديمقراطية وانتهت بشعاراتٍ أوسع، لكنها فى صَخبِها تصورَت أنها وحدُها، استمرأ متحدثوها، من كل تيارٍ ولونٍ، ضعفَ النظامِ وقلةَ حيلتِه فانكروا ما حلَ بمصر من خراب قد لا تَشفى منه، غَفَلوا أن هناك من تضرروا من قطعِ الأرزاقِ ووقفِ الحالِ، نَسوا الديمقراطيةَ التى لا تزالُ شعارتُها فى أياديهم، اتهموا من خالفَهم فى الفيسبوك وتويتر وفى أى إعلام بأنهم من أدواتِ النظامِ وأنهم مجردُ مندسون!! بمنتهى البساطة احتكروا لأنفسِهم حريةَ الرأى وسلبوها غيرَهم، كيف يؤتمنُ إذن من يطالبُ بثورةٍ عليها؟ كيف يمكن تصورُ أن تؤول إليهم سُلطةٌ وهم يفرضون ديكتاتوريةَ الضوضاءِ؟!
اتهاماتُ العمالةِ أطلقَها النظامُ أيضاً على المُقيمين بميدان التحرير، هى لُغتُه ما من جديدٍ، لكن من الضرورى أن يَتحاشاها من يطلبُ إصلاحاً وإلا ما تغيرَ الحالُ، ستتوالى السلسلةُ الناريةُ من استقرارٍ وهمىٍ ثم فَورةٍ مُدمرةٍ، سلسلةٌ لن تُبقى والعياذ بالله على بلدٍ ودولةٍ. التغييرُ لا يكونُ بتكرارِ أخطاءِ الماضى إنما بالإتعاظِ والتدَبُرِ، بفهمِ حقيقةِ الاختلافِ، فى الرأى والعقيدةِ والدينِ والمذهبِ واللون، بإدراكِ أن للكلِ حقوقاً متساويةً، فإذا كان هناك من يرفضون النظامَ فهو حقُهم، وإذا كان هناك من يحزنون على ما آلت إليه مصرُهم فهو حقُهم، وإذا كان هناك من يؤيدون النظامَ الحالى فهو أيضاً حَقُهم.
الثوراتُ تأكلُ شعوبَها، حقيقةٌ قبل أن يُدَونَ التاريخُ، قبل أن يُدْرَسُ، قبل أن تَستقرَ مفاهيمُ حقوقِ الإنسانِ، الآن التاريخُ كتابٌ مفتوحٌ، المتعلمون والمثقفون يتصدرون التغييرَ، من المفترضِ أنهم قد فهموا دروسَ الماضى، تعَلَموا من التاريخِ واتعظوا من حاضرٍ حولهم فى الصومال ولبنان والعراق، بالماضى والحاضرِ عليهم أن يحافظوا على المستقبلِ، لا يهدمون، لا ينسفون، لا يكررون أخطاءَ نظامٍ رفضوه، وأولُها الاعترافُ بالآخرين، بالمخالفين.
إذا كان من فى ميدان التحرير عملاءً، وإذا كان المؤيدون للنظامِ عملاءً، وإذا كان الحزانى على مصرِهم عملاءً، فنحن جميعاً شعبٌ من العملاءِ والخونةِ، ثمانون مليوناً من العملاءِ، كان الله فى عونِك يا مصر،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق