أقيل رئيس تحرير جريدة الجمهورية بعدما أجلِسَ على كرسيها في إثرِ إعلانٍ سَعى له برجليه، فورًا جاءَ بديلُه، شَكة دبوس. كانت الجريدة، كغيرِها من الصحفِ المُسماةِ قوميةِ وحكوميةِ، تسيرُ على منحى اعتادته، وتربَت عليه بطبيعةِ الأشياءِ في مصر، وبدروسِ الماضي، من يتزوج ماما هو أونكل. من المؤكدِ والمفترضِ أنها صحفٌ غيرُ حزبيةٍ، الواقعُ غَيرُ المفترضِ، فَتَحَت صفحاتِهاعلى البحري لما يُفرِحَ الحرية والعدالة ويسرُه ويُشرِح قلبَه، غابت عن المصريين، تمامًا، تسَطَحَت، وتفلطَحَت، وتبلَطَت، وتبلَدَت، ما عادَت للقراءةِ والمتابعةِ بصالحةٍ. من انفتَحَت لهم أبوابُها وأعمدتُها لا يصلحون لكتابةِ المقالات المدرسية، تمامًا مثلما سبقَ ونُشَرَت روايات فتحي سرور الإبداعية لما كان طالبًا في أولى ثانوي، وقتها كانت الروايةُ قائمةً على كلمةِ سُحقًا سُحقًا، الآن هناك أعمدةٌ جعلَت من القلمِ آداةَ ضربٍ وإيلامٍ، فيها بؤسٌ وبرودةٌ وعَفَرة، تملأُ الطولَ والعرضَ، ولا تُقرأ!! أعلاها صورٌ متَبَسِمةٌ لمن شخبطوها، لماذا؟!
صحفُ الدولةِ التي يدفعُ المصريون ثمنَ كلٍ ما فيها، أماكن وأجهزة ومرتبات، تاهت، عَطِبَت بوصلتُها، مُغماة، تُلِطشُ في كلٍِّ اتجاهٍ غلط، لا خبر ولا تحقيق ولا مقال، الخوف وِحِِش، وقعدة القهوة ضياعٌ وتكلفةٌ برضه، الكتابة لن تكون غير في المضمون، فيما لا يعكرُ مزاجِ أولي الأمرِ، الحكومة ستدفع، من جيب الشعب طبعًا، رؤساء تحرير زي الفل، صحفُهم كسبانة، الحديدة، ولاشئ غيرها. وإذا كانت سياسةُ مجلس الشورى المبجلِ خلعَ الإداراتِ الصحفيةِ الخاسرةِ، فهل ىسيطبقُها على رؤساءِ التحريرِ المُنَتقين لضبطِ مزاجِ البعضِ دون البعضِ؟! القاعدةُ أن الإخواني لا يُعزلُ ولا يُقالُ لأنه لا يُخطئ، الضحيةُ هي الصحفُ وقبلها الحقيقةُ التي غابت والموضوعيةُ التي خرَجت ولم تعُدْ، ألم يزايدُ رئيس التحرير المخلوع، ألم يحاولُ أن يكونَ أجدعَ من الملك، ألم يُنشِن يا فالح، ألم يشوط، لكن في المدرجاتِ!!
رئيسُ التحرير المخلوع ليس متفرٍدًا، هناك من يسيرون على نهجِه، يزايدون، يهاجمون بالغَمزِ واللمزِ، كتاباتُهم مُجَهلةٌ، نمطٌ عجيبٌ، لا شجاعةَ فيه ولا مهنيةَ، ليشخبطوا مهما شَخبَطوا، وقعوا فيمن لا حبيبَ لهم. الصحفُ المستقلة، أيًا كان تصنيفُها، أكثرُ حريةٍ، مزنوقةٌ في اتهاماتِ العِمالةِ وتلقي الأموالِ، تهمُها جاهزةٌ ومُغَلفةٌ، وفوقها بوسة وألف بلاغ وبلاغِ. ما أحلى جو الحرية وإعلام الثورة، تطورٌ حقيقيٌ ونهضةٌ ما بعدها نهضةٌ.
عاشَت مصر أزهى عصور الديمقراطية وعادَت للوراء، وهي الآن في أزهى عصور النهضة، ترى إلى أين؟!
Twitter: @albahary
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق