البحثُ العلمي صراحةٌ وجديةٌ وأمانةٌ، في العالم المتقدم طبعًا. الصراحةُ هي عرضُ النتائجِ بتجرد، بما لها وما عليها، الجديةُ هي المعاناةُ حتى الوصول إلى نتائجٍ حقيقية، أما الأمانةُ فهى عدمُ سرقةِ أفكار الغير ثم إعادةُ عرضِها مع مجرد تغيير عنوانها. البحثُ العلمي المحترمُ يجدُ طريقَه إلى المجتمع العلمي من خلال مؤتمراتٍ علميةٍ ودورياتٍ علميةٍ محترمةٍ، وكلها معروفةٌ بالاسم والمكان، هذه المحافلُ العلميةُ تخضعُ للتحكيمِ الحقيقي بواسطةِ متخصصين على أعلى مستوى، ولا تنشر إلا ما يُتيقنُ من صحتِه وإخراجِه.
لكن مع زمن الهَلس، يتسربُ الهَجسُ لكل شئ، فكما هناك الفنُ الهابطُ، والسلعُ التلفانةُ، والشخصياتُ الفارغةُ، هناك البحث العلمي السيكو سيكو، إنه البحث العلمي اسمًا لا فعلًا، الذي لا يتحلى بالصراحة ولا الجدية ولا الأمانة؛ إنه الفهلوة بعينها. هذه النوعيةُ من الأبحاث غير العلمية، تجدُ مؤتمراتٍ ودورياتٍ لنشرِها، إدفع ننشر، هكذا بمنتهى الوضوح، على بلاطة. مع زمن الإنترنت لا توجدُ أسرارُ، فكما يُعرف الجيد، فالردئ مكشوفٌ مفضوحٌ على الملأ، مهما تَصورََ أنصارُه من الفهلوية، فهناك مؤتمراتٌ ودورياتٌ في سيريلانكا وجزر القمر وحواري الهند، تَنشرُ كلَ ما يُقدمُ لها، لا موضوع ولا شكلَ، أسطرٌ مرصوصةٌ والسلام، خزعبلاتٌ ومُلوِثاتٌ.
المؤتمراتُ والدورياتُ الفشنك لها روادُها، من الراغبين في الترقيةِ بسهولة، بأقلِ مجهودٍ، وللأسفِ فإن كثيرًا من زبائنِها مصريون، من الجامعات ومعاهد الأبحاث، يتقدمون للدرجاتِ الأكاديميةِ متصورين أن لجان الترقيات لن تفقسهم، ولما يفشلُ مسعاهم يبدأ التباكي على التعسف والظلم وعدمِ الفهمِ. هذه النوعية من المتقدمين ليست بالقليلةِ، ومع ظُلمةِ زمنِ تكبيرِ الدماغِ والزيفِ والمطاطاة يُمْكِنُ مرورُهم، فتتعسُ بهم الدولةُ ككلٍ. ومع التقديرِ الكبيرِ لما يبذلُ في الجامعاتِ من دعمٍ مادي للنشرِ العلمي، فإنه من باب الرشدِ في الإنفاقِ ألا يُدعمُ إلا النشرُ الحقيقي، ليسَ النشرَ السيكو سيكو في آخر الكرةِ الأرضيةِ.
البحثُ العلمي مناخٌ متكاملٌ، مرآةٌ لمجتمعِه، يعلو ويزدِهرُ في المجتمعاتِ السويةِ، وينكمشُ في المجتمعاتِ المرضانة، مجتمعات السيكو سيكو،،
نُشِرَت بجريدة الأخبار يوم الثلاثاء ١١ ديسمبر ٢٠١٢
نُشِرَت بجريدة الأخبار يوم الثلاثاء ١١ ديسمبر ٢٠١٢
Twitter: @albahary
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق