هل تذكرون فيلم زيارة السيد الرئيس، وكيف انقلبت الدنيا على بوزها وتلونت وتزقزقت حتى يرضى سيادته وينفَح رضاه السامي على الجميع؟ هذا بالضبط ما يحدث عندما تأتي لجان الجَودة والاعتماد إلى الكليات والمعاهد. شركات تُستأجر للنظافة ودهان للحوائط والأرضيات وقصاري زرع تُنشر في طريق مرور السيدة جَودة. أضف إلى ذلك آلاف الأوراق والملفات عن استيفاء العملية التعليمية لكل الأسس والقواعد العالميةِ، وكأن الورق حصل فعلًا، والطلاب فهموا وتعلموا وحضروا، وكأن أعضاء هيئاتِ التدريس دَرَسوا فعلًا ما يدخل في تخصصاتِهم. هذا غير الاجتماعات التي تُنصَبُ لتلقيمِ وتلقينِ ما يجبُ أن يقوله أعضاء هيئاتِ التدريسِ لما تَجلسُ معهم السيدة جَودة هانم كاف. طوارئ، ولا صوتُ يعلو فوق صوتِ المعركةِ، كُلُه مُسخرٌ للزيارةِ الساميةِ، ورضا الإدارةِ لمن يشتركُ معها في الترتيباتِ والتضبياطاتِ، ونَفَع وستَستَنفعُ.
لا ننكرُ أن مجهوداتٍ بُذِلَت لتطويرِ البنيةِ التحتيةِ بالكلياتِ الطامحةِ في الحصول على الجودةِ والاعتمادِ، فدوراتُ المياه يُمْكِنُ دخولُها في حالةِ وجودِ مياه، والنظافةُ حصلَت وليتها تستمر لما بعد زيارةِ السيدة جودة هانم. لكن خارج إطارِ البنية التحتية، أي العمليةُ التعليميةُ والإداريةُ لم ينصلحْ الحالُ، إن لم يكن ساءَ. فمن الناحية الإدارية أدت انتخابات الإدارات الجامعيةِ إلى الشلليةِ والتحزُباتِ وكَهربة أجواء العمل، من ليس معي هو ضدي، وظهَرَ ببجاحةِ خبراءُ النفاقِ، ما بين مشاركةِ في الدعاياتِ الانتخابيةِ، أو الحَليطةِ في الفاضيةِ قبل المليانةِ، ومفيش مانع من إضافة أسماء البعضِ من الإدارةِ في أبحاثٍ لم يساهموا فيها، ولو كانت فشنك كالمعتاد، لكنه فن النفاقِ، في الجامعاتِ أيضًا مع الأسف. كم من الأقسامِ يترأسُها العميدُ فعلًا، تاركًا الاسم لرئيس القسمِ؟!
أما العمليةُ التعليميةُ والبحثيةُ ففيها من المثالبِ الشئُ الكثيرُ، من أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ من يُدَرِسون في غيرِ تخصصاتِهم العلميةِ وكأن مرحلة البكالوريوس سداح مداح، وأن الجامعةَ لا تعدو كونها مجموعةً من أساتذةِ الكشكولِ، يدخلون أي مادة ويفهمون في كل شئ، منتهى الإهدارِ لكلِ ما يتصلُ بالعمليةِ التربويةِ والتعليميةِ. الدراساتُ العليا والبحث العلمي، حالُها حالٌ، والشاهدُ الدورياتُ العلميةُ المتواضعةُ آلتي تصدرُها الجامعاتُ وتنشرُها بالمقابلِ دورُ نشرٍ أجنبيةٌ تتبرأُ صراحةً من محتواها!! فلوسٌ مُهدرةٌ في مقابل المنظَرة!! أما الدراساتُ العليا والتسجيلُ للدرجات العلمية فنفس الابتلاءِ، انتهاكٌ للتخصصاتِ العلميةِ، من متخصصٌ في ماذا، مش مهم.
طبعًا البرامجُ الخاصة بالجامعاتِ، جامعةٌ داخل الجامعة، قواعدٌ مختلفةٌ، وأعضاءُ هيئاتِ تدريسٍ يُختارون بعينِهم، دون غيرهم، فلوسُهم من ناحيتين، من التدريس أبو بلاش لطلاب التعليم المجاني، ومن التدريس لطلابِ الخاص الحكومي، واضرب دماغك في الحيط يا مفقوع. وهناك من يَنصَبُ اهتمامُهم على التدريس أبو فلوس، ولو كانوا من إداراتِ الكلياتِ، تدريسٌ وهميٌ إشرافيٌ في التعليم المجاني، وبالساعاتِ في الخاص الحكومي.
وخد عندك، حتى التدريس لمن هم فوق السن في مرحلةِ البكالوريوس للبعضِ دون البعض، طبعًا الحجة الفاضية هي أنها قراراتُ مجالسِ الأقسامِ، وكأن الكلياتِ بلا سياسة عامة!!
كلُ الكلياتِ المتقدمةِ للحصولِ على الاعتمادِ في سلةٍ واحدةٍ، نفسُ الممارساتِ والمهرجاناتِ استقبالًا لزيارة السيدة جودة هانم البيرقدار كاف، طبعًا، أعضاءُ هيئاتِ التدريس والموظفين والطلاب سُذَجٌ ومش فاهمين، ومُصدِقين أن المهرجاناتِ ستستمرُ لما بعد الزيارة، وستبقى قصاري الزرع!! الجودة فعلًا فيها منفعةٌ للإداراتِ، وسيلةُ انتشارٍ ومن يعرفُ ما هو آتٍ في قادمِ الأيامِ.
التعليم العالي وغير العالي، تحكمهُما نفس الوجوه من عشرات السنين، إبيضَ الشَعرُ، ولا يزالون في نفس الفيلم العربي الأبيض وأسود، نفس الحركات، ونفس ورش العمل، ونفس الكلمات، ونفس الإبعاد والتقريب!!
الست جَودة لا تَرى غير ما يُراد لها، وللأسف، هل أتساءل سَبوبة من هي؟! الله الله يا ست،،
الساكتُ والعميان عما يرى شيطانٌ أخرس، تُرى من أقصد؟ نفسي؟
Twitter: @albahary
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق