تم تشكيل الوزارة في شهر يونيو الماضي، فترة قصيرة نعم، لكن الآداءَ يظهرُ من عنوانِه. بدايةً، رئيسُ الوزرِاء مجتهدٌ معطاءٌ. أما تصنيفُ الوزراءِ حسب آدائهم فينقسمُ إلى مجموعاتٍ. مجموعةُ الوزاراتِ السيادية ِويتراوحُ أداؤها ما بين ٧ و ٨ درجاتِ من عشرة. وزراءٌ يعملون بجدٍ ولا يزيدون عن الأربعة ويستحقون ٨ درجاتِ من عشرة. ثم وزراءُ همبكة وبَمبَكة ومنظرة وشخط ونطر وقضايا جدلية وتحالي وصور وأحاديث هنا وهناك وهؤلاء لا يستحقون أكثر من ٥ درجاتِ من عشرة، وأخيرًا وزراءٌ باهتون رَماديون كدأبهم لكنها الصدفُ والاختيارُ غير الصائبُ، والله يرحم الفنان أحمد زكي في فيلم معالي الوزير، وهؤلاء آخرهم ٣ درجات من ١٠ وكثير عليهم.
وماذا عن وزارة المعارف العمومية؟ وزارة المعارف العمومية هو الإسم القديم لوزارة التربية والتعليم، والمعارف هي جَمعُ مَعرفة، والمعرفة هي إدراك الأشياء، والمعارف أيضًا هم المعروفين. ما أقصد في هذا المقال ليس وزارة التربية والتعليم، لكن التشكيلة الأخيرة للوزارة، التي بُنيَت على المعرفة، معرفة رئيس الوزراء بأشخاصٍ من خلال اجتماعٍ أو لجنةٍ أو تجَمُعٍ، رؤية كدة. وزارة المعارف هي وزارة المعروفين لرئيس الوزراء، متى رآهم وكيف؟ تدابيرٌ، مقصودةٌ وغيرُ عفويةٍ.
أما كاجوال فهي صفةٌ لما هو عَرَضي، عابِرٌ، وبمعنى أدق ظُهورات. كما تُطلقُ كاجوال على ما هو غير رسمي، مثل البنطلون الجينز والفانلة التي شيرت، والفانلة البيسو التي لا ياقةَ لها. الكاجوال لتمشية الحال، رخيصٌ وسريعٌ وعلى قد حاله، ما هو صيني يدخل تحت بند الكاجوال، يعملُ لفترةٍ محدودةٍ ويعطلُ بعدها، بثمنِه.
منذ ٢٥ يناير ٢٠١١ مَرَ على مصر عشراتُ الوزراءِ، أعدادٌ قياسيةٌ دخَلَت موسوعةَ جينيس للقياسياتِ Guinness، ضاعَت أسماؤهم كما مُحِيَت وجوهُهم وما كان لهم من أثرٍ بَعدَ عينٍ، مَعذورين أحيانًا، وخائبين قليلي الحيلة أحيانًا أكثر. الوزيرُ يُختارُ لعدةِ أسبابٍ، مشتاقٌ جدًا وأدخَلَ نفسَه تحت اللمبةِ، بافتكاسة وبُق وتَهجيصة، فرأوه وعرفوه وعينوه، دون أن يكونَ لها. الدخولُ تحت اللمبةِ يكونُ بترتيباتٍ كثيرةٍ، منها ما هو مع صحافة الإنترنت وفضائيات ِالهوى والغرضِ للدفعِ بفلانِ أو علانِ لسببٍ ما، تفضَحُه الأيامُ فيما بعد. ومن الوزراءِ من هم في دائرةِ الاختيارِ الضيقةِ التي لا تخرجُ عنها أسماءٌ بعينِها، تباديلٌ وتوافيقٌ بين أعضائها، مرة لفلان وأخرى لعلان؛ وبما أن الشئَ بالشئ يُذَكِرُ، فبنفسِ الطريقةِ تُشَكَلُ لجانِ القطاعاتِ في المجلسِ الأعلى للجامعاتِ، وبها أيضًا يدورُ نفسُ المذيعين على الفضائياتِ. وأخيرًا، اللهم اجعله خير، قد يُختارُ الوزيرُ لكفاءتِه، ولكنها ليست بالقاعدةِ.
من يدخلُ الوزارةَ يفكرُ في مستقبلِه بعدها، لا يحزنُ إذا فٓشٓلَ، المهم وزيرٌ سابقٌ، اسمًا بين الجيران ومعاشًا، ومُعَزون كُثرُ في وفاةِ أقاربِه ومعارفهِ ولو بَعِدوا، وممكن فرصة عمل هنا أو هناك، وفُتاتُ برامجٍ وكتاباتٍ في صحفٍ، أحسن من مفيش برضه. من الوزراءِ السابقين من أصبحوا مُفكرين ومُحَلِلين ومفيش مانع ثوريين، وكأن الوزارةَ هي صكُ الألمعيةِ، والله يرحمُ خيبةَ الأداءِ وضحالةَ التدبيرِ. كم من وزراءٍ دخلوا بهيصة وزمبليطة وخَرَجوا في الظُلمةِ من تحت عقب الباب!! شاهدتُ بعضًا من الذين أبعِدوا من وزارةِ، حالُهم يستدعي الشفقةَ، كلامُهم لا يتجاوزَ ماضيهم، لما سَووا الهوايلِ، منهم من لا يزالَ مُتعنطِزًا، على مفيش طبعًا، ومنهم من يحاولُ رسمَ اللطافةِ والظرافةِ والخفافةِ والتواضعِ، الله يرحم.
تَفتَحُ فضائيةً تجدُ وزيرًا شغال رغي، تَفتَحُ صحيفة تُفاجَأ بوزيرٍ يكتبُ، أقصدُ وزيرًا راحت عليه. كُلُه دَشٌ عن خِبراتِ سعادتِه وحِكمةِ جنابِه، وكيف كان سعادتُه يقضي الليل والنهار في الإبداعِ والألمعية وخدمة مصر، وكأن الشعب نسى كيف كان فاشلًا، ووجودُه يتساوى تمامًا مع غيابِه. هناك من الوزراء من تسببت ممارساتُهم وتصرفاتُهم في زيادةِ الكراهيةِ العامةِ للنظامِ، حسني مبارك ومحمد مرسي، على حدٍ سواءٍ، لكنه جُنونُ الكرسي الذي يَلسعُ العقولَ ولهفةُ بعض الفضائياتِ ورؤساءِ التحريرِ على إعادةِ إنتاجِ وجوهًا قديمة وكأنها مفتاحٌ لزيادةِ الإعلاناتِ والتوزيعِ، فكرٌ خائبٌ ماسخٌ فاشلٌ قاصرٌ، كالعادةِ.
اللافتُ للنظرِ، أن كثيرًا من الوزراءِ يكونُ في جَرةٍ ويَطلَعُ لبرة فورَ جلوسِه على الكرسي، يبدأُ بالشطحِ والنطحِ والعَنتَرةِ، لا دراسةَ ولا تأني ولا استنارةَ، طاخ طيخ طوخ على طول، وكأنها ولا مؤاخذة عزبة دادي، والله يرحم تاني. كم تحملتي يا مصر، وكم جربوا فيكي، وكم لَطَشوا، ولكن شعبَك الآن غيرُ الشعبِ، يقظٌ واعٌ فاهمٌ، لن ينضحكَ عليه، ولن يتعنطَز ويتمنظَر عليه بشرٌ، أيًا كان.
من حق مصر أن تفهم، لماذا يستحقُ الوزيرُ معاشًا أعلى من سائر البشر؟ لماذا يظلُ في كلِ اللجانِ حتى آخر العمرِ؟ حتى لو كان كاجوال؟ بأمارة إيه؟ هل الوزارة ومعاشها ولجان حتى آخر العمر مكافآة نهاية خدمة؟!! من أي جيب لو سمحتم، أليست مصر في أزمةٍ؟! إقفلوا حنفياتِ الوزراءِ السابقين في الإعلامِ المكتوبِ والمرئي، الحكومي بالذات، كفاية عليهم لجان وهم وزراء حاليين، ضَعوهم في حجمِهم، مصرُ طَهَقت واِتخنقت واتنفَخَت،،
Twitter: @albahary
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق