لم يجمعْ موضوعٌ كماً من القيل والقال في كل جلسة أو قعدة أو حتي وقفة مثلما نالَ تعيين أو إجلاس القيادات الجامعية، والقيادات الجامعية المقصودة هي رؤساءُ الجامعاتِ ونوابُهم وعمداءُ الكلياتِ ووكلاؤها. وتُصَنَفُ المناصبُ الجامعيةُ إلي إداريةٍ وأكاديميةٍ، فرئيسُ الجامعةِ ونوابُه وكذلك عمداءُ الكليات ووكلاؤها يمارسون مهاماً إداريةً بحتة، بينما يقوم رؤساءُ الأقسامِ بمهامٍ أكاديمية وإدارية علي مستوي أقسامِهم. ويختص رؤساءُ الجامعاتِ ونوابُِهم بأن آداءَهم لالتزاماتهم الوظيفية يكون عادةً بمنآي عن أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ، وهو ما يختلفُ تماماً عن المناخِ الذي يعملُ فيه عمداءُ الكلياتِ ووكلاؤها وكذلك رؤساءُ الأقسامِ، والذي يقومُ علي الاتصالِ المباشرِ بأعضاءِ هيئاتِ التدريسِ والتفاعلِ معهم، ومن هنا كان من الطبيعي أن تختلف قاعدة اختيار شاغلي تلك المناصب وأشخاصها.
لذا فإنه من غير المثيرِ للكثيرِ من السَخطِ واللغَطِ أن يُختار رئيسُ الجامعةِ أو نوابُه من خارج الجامعةِ ومن الممكن آلا يكون أي منهم متولياً لمنصبٍ بها. وإن كان من الأفضلِ لصالح العملِ أن يكونَ شاغلاً أي من هذه المناصبِ قريباً منها داخلاً في أجوائها تفادياً لخسارةِ فترةٍ يتعرفُ فيها علي العملِ وأشخاصه وطباعِهم وعقولِهم، سواء في مجلس الجامعةِ أو في وحداتِها المتصلةِ بطبيعتِها مع رئيس الجامعةِ أو نوابِه. علي أي حالٍ فهذه المناصبُ تخضعُ في اختيارِ أشخاصِها لاعتباراتٍ سياسيةٍ من حيث ضرورةِ اختيارِ أشخاصٍ بعينِهم، ذكوراً كانوا أو إناثاً.
لكن علي مستوي الكليات فالأمرُ واضحُ الاختلافِ، فوجوبُ اتصالِ عمداءِ الكلياتِ ووكلائها ورؤساءِ الأقسامِ بأعضاءِ هيئاتِ التدريسِِ يُضَيِقُ من قاعدةِ الاختيارِ، أو هكذا يجبُ أن تكون. وقد تكفلَ قانونُ الجامعاتِ بتحديدِ كيف يُختارُ رؤساءُ الأقسامِ وتكفلَ القضاءُ بإعادةِ الحقِ لأصحابِه في حالةِ التعدي علي ما أوجبَه القانونُ، ومن هنا كان مع الأسف الالتفافُ لتغييرِ القانونِ حتي يدخلُ رؤساء الأقسامِ في حظيرةِ الاختياراتِ غير المنضبطةِ. ومن تلك النقطةِ يبدأُ القصدُ، هل يَصِحُ أن يُختارَ العمداءُ أو وكلاءُ الكلياتِ من خارجِها، سواء لوجودِهم في إعارةٍ أو انتدابٍ؟ لسنواتٍ لم يكن هذا الطرحُ مقبولاً ولا مستساغاً، لكن مع سقوطِ كثيرٍ من الثوابتِ علي مستوي العملِ الجامعي أصبحَ المكروهُ أو المستهجنُ مفروضاً في أحيانٍ. وضعٌ شائك أن يُولي عميدٌ أو وكيلٌ فيتفاجأ به زملاؤه قدرَ تفاجؤه بهم، لا يعرفهم ولا يعرفونة، نساهم ونسوه، وضعٌ فيه ظلمٌ لكافةِ الأطرافِ، لمن عُين وهو غائبٌ عن رضا زملائه وتقديرِهم، للزملاءِ الذين سيستنكفون الدخولَ إليه وودَه، للعملِ الذي سيفتقدُ من يديرُه عن خبرةٍ ومقدرةٍ، وسيخسرُ مجهودَ الفريقِ والانتماءّ للمكانِ، بلداً كان، أو جامعةً، أو كليةً.
ليس من الصالح إخضاعُ إجلاسِ العمداء ووكلاءِ الكلياتِ لقواعدِ واعتباراتِ السياسةِ التي خضعَ لها رؤساءُ الجامعاتِ ونوابُهم، فعمداءُ الكلياتِ ووكلاؤها لا يملكون اختيارَ العملِ دون أن يدخلَ أحدٌ مكتبَهم، لن يساعدُهم أن تشيعَ أقاويلٌ غيرُ علميةٍ عن سبب اختيارِهم وأن يتشككَ الجميعُ في استقلاليتِهم وأحقيتِهم. كم من أحكامٍ قضائيةٍ ألغَت قراراتٍ لتعيين عمداءٍ بعد أن انحرفت في استعمالِ السلطةِ وحادَت عن كياسةٍ لازمةٍ.
الكياسةُ والفطنةُ تُنجيان من المهالكِ والمزالقِ، القراراتُ المتجاوزةُ تضرُ أيضاً بمن أصدرَها، شخصاً كان، أو نظاماً،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق