الأحد، 12 يونيو 2011

مهنُ ما بعد الخامسِ والعشرين من يناير … 


أفرَزَ الخامس والعشرون من يناير وضعاً كان متوقعاً، عنوانُه الفوضى، الدولة المصرية كانت شكلاً، كده وكده يعني، لما سقطت من أعلاها حكمها من هم أسفلها، طبيعي أن يتصدرَ الصورةَ كلُ من طُرِدَ منها، أياً كان مسماه ووضعه الاجتماعي. مصر الآن في حالة توهان، ترنُح، تعيد اختراعِ الدولةِ في القرن الواحد والعشرين، وكأنه لا توجدُ تجاربٌ إنسانية، ولا تاريخ مُتخمٌ بالإخفاقاتِ، التاريخُ لا يعيدُ نفسَه إلا مع المكابرين الذين يخدعون أنفسَهم بالشعاراتِ الزائفةِ، ودوماً يُصممون على فرضِها. حالة الفوضى التي تعيشُها مصر لا نهايةَ لها، إنها مصلحةٌ لكثيرين، ممن لا وجودَ لهم مع تطبيقِ القانونِ، مع وجودِ دولةٍ حقيقيةٍ، وحكومةٍ على مسمي


أكَدَ ما بعد الخامسِ والعشرين من يناير أن الفوضى سبوبةٌ ما بعدها سبوبة، على كلِ المستوياتِ، لا فرقَ بين غني وفقير، أو متعلمٍ وجاهلٍ، الاسترزاقُ هو سيد الحالِ، لمن كان بلا عملٍ ، أو لمن  لا شخصيةَ  له ولا فكرٍ. للنظرُ إلى المهنِ التي سيطَرَت على الشارعِ المصري، البلطجةُ على قمتِها، رزقُها وفيرٌ ومخاطرُها قليلٌ مع اختفاءِ الدولةِ وشرطِتِها. الشوراعُ سيطرَ عليها منادو السيارات يفرضون التعريفةَ التي تروقُهم، طبعاً ألم تؤول لهم ملكيتُها بوضعِ اليد؟! أما الأكشاك العشوائية وعربات النصف نقل التي تقفُ في أى مكانٍ لبيع الخضرِ والفاكهةِ فلم تعد حكراً على الأحياءِ الشعبيةِ، لقد احتلت، من باب العدالة الثورية، مدينة نصر وجوارِ النادي الأهلي، وكذلك مصر الجديدة، وطبعاً الزمالك والمهندسين، سيبة ما بعدها سيبة، لا أفهم ماذا تناقشُ الحكومةُ في اجتماعاتِِها. التوك توك بعد أن كان يتوارى خجلاً وخوفاً فرَدَ قلوعَه في كل شارعِ، وكأنه صاحب حق لا نزاعَ فيه، ليقتن كلُ عاطلٍ توك توك فمستقبله مضمون طالما أن هذه الحكومةَ مستمرةٌ. أيضاً يمكن فتحُ بوفيه في التحرير لبيع المشروبات والكشري لزوم المليونيات، المطلوب عربة وبعض الأطباق والأكواب والفناجين، بسيطة، رأس مال محدود ورزق مضمون، مليونية بقى. خذ عندك أيضاً لزوم تأمين المليونية من البلطجية، والفراشة لتوفير الميكروفونات والخيم، وعمل لافتات التخوين والتهديد وطبعاً الحق والعدالة والمساواة، على السكة، ما يضرش.

هناك مهنٌ أكبرُ، وأكثرُ شهرةً، تكوين ائتلاف ثوري، لنحاول الحصر، ائتلاف شباب، ائتلاف أعضاء هيئة تدريس، ائتلاف عمال، ائتلاف مفكرين، ائتلاف حقوق انسان، ائتلاف لتربية مليون لحية، ائتلاف للعمل، ائتلاف لتعطيل العمل، المهم أن تكون الصحفُ والفضائياتُ موجودةٌ، صوت وصورة. كل من هبَ ودبَ أصبحَ ثورياً صنديداً مُهدِداً مُتوعداً رافعاً سيفَ التخوينِ لكلِ من يعارضُه، كأنه بلا ماضي، كأن من يعرفونه بلا ذاكرة، طربشات ولا مؤاخذة، ثورة ومحدش واخد باله. لاستمرار سبوبة الائتلافات لا بدَ أن تُرفعَ المطالبُ حتى ولو كانت مستحيلة وعشوائية، لا تهمُ المصلحةُالحقيقيةُ، المهم أن يثبتَ الائتلافُ أنه موجودٌ بثوارِه ممن استلقطوها فرصةً لإثباتِ الذاتِ، بعد أن ضاعَت ومضى بها قطارُ العمرُ. مضحكٌ أن هناك من أصبحوا ثواراً بعد أن وصلوا للأستاذيةِ في جامعاتهم واطمأن قلبُهم على الترقيةِ، على كِبَرٍ يعني، ومنهم من انفتحَ صدرُهم بعد أن كان مقفولاً خوفاً وجبناً وإيثاراً للسلامةِ، لكن الآن الأوكازيون الأكبر، قل ما يحلو لك واعمل ما يحلو لك، لا توجد حكومة ولا دولة، ولا حق، باطل وبس. أما الإعلام، فلا بدَ له من سبوبة تشدُ المشاهدَ أو المستمعَ وتكثر الإعلانات، مش حكاية، استضافةُ إرهابيين ومتشنجين مع فتحِ الخطوطِ على البحري لسبِ المسؤولين، القانونُ في أجازةٍ مفتوحةٍ، بعافية جداً، السبُ والقذفُ أصبحا من المباحاتِ الُمستحباتِ.

من السهلِ جداً حرق محطاتِ السكك الحديديةِ وتعطيل الطرق والتهديد بقطعِ الكهرباءِ عن البلدِ، عادي جداً إجراءُ انتخاباتٍ في الجامعاتِ بلا سندٍ من قانون أو منطق، لوضعُ طرابيش علي الكراسي بدلاً من الطراطير، المهم فرض الرأى، هى الثورة كده!! الصراحة، حاجة تقرف. المهم أن التعجب ينتابني عندما أقرأ مقالةً تدعو من طفوا على السطحِ لإعمالِ العقلِ، للحفاظِ عى البلدِ، عقل إيه يا عالم، هم آخر انبساط واسترزاق، بلد إيه وبتاع إيه، الصومال قدوتُهم، أما العالمُ المتقدمُ فخائبٌ وكافرٌ وابن ستين في سبعين،،

Twitter: @albahary