الخميس، 7 أكتوبر 2010

أنا وأنا ثم أنا...




نزاعات بين الدكاترة في مفاعل أنشاص، خناقات بين أعضاء مجلس إدارة نادي الشمس، حلُ مجلس إدارة نادي الزمالك، نعراتٌ لإثارة الفتن بين مسلمي مصر وأقباطها، شد وجذب بين المحامين والقضاة، كلُ مسئولٍ يتولي منصباً وفكرُه مشغولٌ بكيفية إزالة من سبقَه. الخلافات والتوتراتُ طالت الكل، مثقفٌ ومتعلمٌ قبل من جهلَ، أساتذةُ الجامعاتِ متقاتلون، مجردُ نماذجٍ؛ آلت الأمورُ في مصر لحالٍٍ ما له من مثيلٍ، لم تعدْ المصلحةُ العامةُ في بالٍ، الأهمُ المصلحةُ الضيقةُ لشخصٍ، ولو بالباطلِ، حتي لو ولي زمانه، لفئةٍ ولو علي حسابِ غيرِها. الإحساسُ بتشابكِ المصالحِ غابَ، وجوبِ استيعابِ الآخرين بقدرِ المستطاعِ حل محلَه شعورٌ متضخمٌ بالذاتِ، بالأنا، كل أنا أذكي وعلي حق وعلي قوة، ما عداها أقل وأدني، في كله.

لماذا تغلَبَت الأنا علي كل ما عداها؟ الأسبابُ كثرٌ، أولُها غيابُ مفهومِ المحاسبةِ وتأكدُ إحساسِ أشخاصٍ وفئاتٍ عدة بأنهم أعلي من أي مساءلةٍ مع وجودِ قرائنٍ علي تراخِ مقابلٍ من الدولة الرسميةِ. يُضافُ إلي هذا الإحساسِ الحداثةُ في ممارسةِ حريةِ الرأي وعدم رسمِ خطوطٍ واضحةٍ بين ما يُقبلُ كرأيٍ وما تجبُ المعاقبةُ عليه باعتبارِه تحريضٌ أو سبٌ يضرُ بصالحِ الوطنِ ككلِ. ومع السببين السابقين تتكررُ الدعاوي المناهضةُ للدولةِ الرسميةِ بحججٍ تحت ستارٍ ديني أو سياسي أو اجتماعي مع تغلغلِ هذه الدعاوي في مجال العملِ والإعلامِ بتصنيفاتِه وفي الشارعِ، بحيث بدَت دعاويٍ كتلك صواباً مع ما في العديدِ منها من أباطيل، وذلك من فرطِ تكرارِها مع تردٍ في الأحوالِ العامةِ ومع الأخطاء الواضحةِ في ممارسةِ الحكمِ. وهناك سببٌ أساسيٌ من الضروري عدمُ السهو عنه، وهو غيابُ الإحساسِ بهيمنةِ الدولةِ وسيطرةِ القانونِ، كلُ أنا فرضَت قانونَها وطبقَته، وما علي سلطاتِ الدولةِ إلا إثباتِ الحالةِ عِوضاً عن تراخيها، طناشاً أحياناً وقلة حيلةِ في أحيانٍ أخري.

هناك من لا يريدون بمصر خيراً، وهم كُثرُ، في الداخلِ والخارجِ، لهم أجندتهم، الظروفُ العامةُ تساعدُهم، وأيضاً الدولةُ الرسميةُ بسياساتٍ خاطئةٍ تُبددُ المتاحَ من أراضٍ ومصانعٍ ومكاسبٍ تحققت بشقِ الأنفسِ وبأشخاصٍ يوضعون في مواقعِ مسئوليةٍ بدون استحقاقٍ، فيزيدون الطينَ بِلةً. الشعبُ، أي شعبٍ في حاجةٍ إلي القدوةِ، فإن لم توجدْ في حاكميه وفي نظامِ الحكمِ فسيفرضُها آخرون بالشعاراتِ الهلاميةِ، بخلطِ الحقِ بالباطلِ، بالصيدِ في كل ماءٍ عكر.

كلُ أنا أصبحت مستودعَ الحكمةِ والفلسفةِ والمفهوميةِ، لا غرابةَ فيما نحن فيه، فيما نشكو منه، فيما نعانيه، في ما يحيطُ بمصر من خطرٍ متربصٍ،،