الاثنين، 22 أبريل 2013

الجامعاتُ في محنةٍ .. الكلُ على خطأ


سنج، مطاوي، مولوتوف، طوب، حجارة، حرائق، تدمير منشآت، اعتصامات، دراسةٌ مع إيقافِ التنفيذِ، هكذا صارَت جامعات مصر، تربيةٌ غائبةٌ وتعليمٌ مُبتسرٌ. الحَرمُ الجامعي نسخةٌ من الشارع، بلطجة وفوضى، لا أمنَ ولا قانون،َ حالٌ بلا مثيلٍ، يؤكدُ قتامةَ الصورةِ، يستحيلُ أن تكون الجامعات مختلفة.  التظاهرات الطلابية لا تحملُ لافتًة واحدةً، لا خطَ لها، شعاراتٌ سياسيةٌ، مطالبٌ بإعادة التصحيح ورفعُ نتائجِ الامتحاناتِ، شكاوى من أعضاء هيئات التدريس، من الامكانات، كله في تظاهرةٍ واحدةٍ. منذ سبتمبر الماضي أغلِقت لفتراتٍ اقطُتِعَت من الأخلاقِ والدراسة، الجامعة الأمريكية، والألمانية، والبريطانية، وجامعة مصر الدولية، وجامعة المنصورة، وجامعة الأزهر، وجامعة عين شمس، هذا بالإضافة إلى إغلاق كلياتٍ في جامعة القاهرة. يحملُ كلُ صباحٍ وكلُ لحظةٍ احتمالَ الاشتعالِ في أي جامعةٍ، لأي سببٍ، بعيدًا عن الخاطرِ والحسابِ والتوقُعِ. 

ما تعانيه الجامعات لا تقعُ مسؤوليتِه على طرفٍ وحيد، أنه مناخٌ عام، يشتركُ فيه الجميع، من امتهنوا السياسةَ، المسؤولون بالجامعاتِ، أعضاء هيئات التدريس، الطلابُ، الإعلام؛ يستحيلُ أن يقوى أي منهِم وحدِه على إحداثِ هذا القدرِ غير المحدودِ من التدهورِ. انضمَت الجامعاتُ إلى قائمةٍ طويلةٍ مما تردى أمام العالم، أمن، سياحة، استثمارات، اقتصاد. مصر تحت المنظار، لا أسرارَ في عالم اليوم، الثقة لا تكون إلا مع الاستقرار، لا يبدو قريبًا ولا سهلًا. 

أولُ أطرافِ المسؤوليةِ هم من رفعوا لافتاتِ السياسة في الجامعاتِ، من رأوا ساحاتِها امتدادًا للشارعِ، من جعلوا الطلاب أدواتًا لأجنداتِهم ومخططاتِهم للسيطرةِ والانتشارِ والدعايةِ. من الطبيعي أن تنقسمَ الجامعاتُ بين المذاهبِ  والمعتقداتِ والأفكارِ، ومع مناخِ التعصبِ والإنغلاقِ على الذاتِ يغيبُ الحوارِ وتتغلبُ السنجُ. تتحولُ كلُ مشكلةٍ ولو كانت عن السياسةِ بعيدةً إلى مزايداتٍ وصراعاتٍ سياسيةٍ وهو ما شهدته جامعات مصر الدولية والمنصورة. من انتسبوا للسياسة جاءتهم الفرصة للصيد في الطين، زاروا الجامعات لإشعالِ النيران، لم يكن أي منهم محايداً ولا وسيطَ خيرٍ. 


المسؤولون، على مستوى الجامعات والكلياتِ، أوهَن من الأحداثِ، الانتخاباتُ الجامعيةِ أجلَسَت الأضعف بعد أن عزَفَ الأفضلُ عن المشاركةِ احترامًا لأنفسِهم من تسولِ الأصوات الانتخابيةِ. من تُجلسُهم الانتخاباتُ تنحصرُ حساباتُهم في تنويم الأمورِ، في تسطيحِها، في ممالأةِ الأصغرِ، سواء من أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ أو من الطلابِ، لا بدَ أن يكونَ المسؤولُ ثوريًا، الأخلاقُ الثوريةُ مختلفةٌ عن غيرها، فيها التبجحُ على الأكبر وعلى القواعدِ، المحاسبةُ إذن في حدِها الأدنى، إن حدَثَت. أعطَت الإداراتُ الجامعيةُ رسائلًا لا لبسَ فيها، أنها متراخيةٌ، تارة بحجةِ الثوريةِ وأخرى بحجةِ انعدامِ الأمنِ. الإداراتُ في بعض الكلياتِ توزعُ استبياناتٍ عن المواد الدراسيةِ بعد الامتحانِ النهائي، لا يُمْكِنُ أن تكونَ إلا ضغطًا على أعضاءِ هيئاتِ التدريس لتسطيح الامتحانات والتصحيح، يملؤها طلابٌ لا يحضرون أصلًا! لقد فهمَ الطلابُ الرسائلَ، تمادوا في مطالبِهم، خرجَت الأمورُ عن السيطرةِ، من العبثِ أي تَصَوُرٍ مخالفٍ.   

أما أعضاءُ هيئاتِ التدريسِ فقد أصيبوا بكلِ عللِ المناخ المريضِ، نفاقٌ وتلونٌ، أو الانعزالُ والابتعادُ. من يعشقون الكراسي لا يبحثون إلا عن الانتشارِ بأي ثمن، الفيسبوك أسهلُ وسيلةٍ، يلفتون إليهم نَظرَ النظامَ الجديد بدفاعٍ كاذبٍ عنه، فيه كلُ الغرضِ والهوى، وفي الوقتِ نفسِه يريدون الظهورَ أنصارًا للثورةِ والشبابِ، الكبارُ في نظرِهم إذن خارج الزمن، حتى لو كانوا من معارضي نظامٍ سقطَ. ما عابَ جيلًا أكبر وقعَ فيه جيلٌ تالٍ، انتهازُ الفرصِ وعشقُ الظهورِ، بأي ثمنٍ ومع أي لافتةٍ. الكبارُ أيضًا، منهم من غَيرَ جلدَه، وأصبحَ ثوريًا، كده وكده. كله كده وكده، كبير وصغير، مناخٌ جامعي بائسٌ، لا قدوةَ فيه، ولا تعليمَ ولا علمَ، ولا تربيةَ.  

الطلابُ، هذه فرصتُهم، شأنهم شأن عمالِ المصانعِ، العاملين بالسكة الحديد، كلِ من له مطلبٌ في الشارعِ، لما لا يتحينون انعدامَ النظامِ، الصراعَ على السلطةِ، التنافرَ الديني، الفوضى، ليطلبوا كما طَلَبَ غيرُهم، بالحقِ وبالباطلِ، سيجدون من يوافقهم لأغراضٍ في نفسِه، من النظامِ الحاكمِ ومن معارضيه، من الإداراتِ الجامعيةِ، ومن أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ، لا يهمُ ما هو صوابٌ وما هو صحيحٌ. التظاهراتُ الطلابيةُ عاليةُ الصوتِ لا يجمعهُا شعارٌ واحدٌ، كلٌ وغرضُه، رفعُ نتيجةِ امتحانٍ، إلغاءُ رسوبٍ، التغاضي عن غيابٍ، وأيضاً شعاراتٌ سياسيةٌ ودينيةٌ، منتهى التعارضِ والتناقضِ وعدم الانسجامِ. 

الإعلامُ يكشفُ المستورَ، هكذا يجبُ أن يكونَ، ليس من الصوابِ إلصاقُ الفشلِ به، ولا تكميمُه ولا إرهابُه، لكن ما يصيبُ مجتمعٍ لن ينسى إعلامَه. الإعلامُ سلَطَ الضوءَ، لكن غابَت عنه الموضوعيةُ أيضًا، لم تنجْ فضائيةٌ ولا مذيعٌ، لكن بمقاديرٍ تفاوتَت. الإعلامُ طرفٌ أساسيٌ في محنةِ الجامعاتِ، البحثُ عن الخبرِ الجاهزِ، لا الصحيحَ دائمًا، هو أفَتُه، مراسلوه ومصادرُه ينقلون بهوى، ولا ننسى ما صاحَبَ أزمةَ جامعةِ مصر الدوليةِ من تجنٍ على القيمِ التربويةِ دون تدقيقٍ في الأزمةِ وأسبابِها، وكذلك لا يجبُ إغفالُ ما جرى في قسم اللغةِ العبريةِ بأداب عين شمس حين ظهر مقدمو الفضائيات وكأنهم حماةُ الفضيلةِ، واستمرأ مسؤولو القسمِ صورةَ جرحى الفساد الجامعي، والأمر كلُه فيه من الصراعاتِ الجامعيةِ الداخليةِ الشئ الكثيرُ. الترهلُ الذي أصابَ الدولةَ استبدلَ الإعلامَ بالنظامَ القضائي والإداري. الظهورُ الإعلامي مغرٍ، جدًا للطلابِ، وللعديد من أعضاءِ هيئات التدريسِ، المصلحةُ متبادلةُ مع الإعلامِ، يَصعبُ، بدونه، أن تكون ثوريًا ومصلحًا وأيضًا مظلومًا ومطحونًا؛ لا هدوءَ في الإعلامِ، أدواتُه وتوابلُه هي الانفعالُ والضجيجُ والصياحُ والشجارُ.  

كما ظهرَ أغنياء الحربِ في فترةِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ، والضباط أوائل ثورة يوليو، وأثرياء الانفتاحِ أيام السادات، ومنتفعو الحزب الوطني أيام النظام السابقِ، طَفرَ كثيرون على سطح هذه الأيامُ، منهم الثوريون بالصدفة، وثوار الفضائيات، وحكماء تويتر وفيسبوك، وانتهازيو الشارع. انتهازيةُ الشارع هي الاحتماء بالزحمة لطلبِ ما لا يُطلبُ، هذا بالضبطِ ما آلَت إليه جامعات مصر، وطالما يبدو خروجُ مصر من محنتِها بعيدًا، لن تنجو جامعاتُها، لا سحرَ ولا شعوذة،،

نُشِرَت بجريدة الأخبار يوم الثلاثاء ٢٣ ابريل ٢٠١٣

Twitter: @albahary