الأربعاء، 24 نوفمبر 2010

عندما تنهارُ الثوابتُ ...




للتعليمِ أركانٌ من ثوابتٍ يستحيلُ بدونِها أن يقومَ؛ التعليمُ ليس كتاباً أو محاضرةً، لكنه تقاليدٌ وأعرافٌ تتكرسُ وتتعاضدُ. وإذا التمسنا الأسوةَ في الجامعات العريقةِِ مثل هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكيةِ وكمبردج في بريطانيا لوجدنا بوضوحٍ أن ثوابتَها لم تتغيرْ منذ عشرات السنين، ثوابتٌ إداريةٌ وتربويةٌ وتعليميةٌ، لذا استمرَت في آداءِ رسالتِها بتميزٍ رغم تغيرِ الحكامِ والسياسات.


أما جامعاتُنا فليعنها اللهُ علي محنِها، جنازيرٌ وسنجِ، مدرجاتٌ متهاويةٌ، طلابٌ لا مهتمون، أعضاءُ هيئاتِ تدريسٍ لا منتمون، قياداتٌ علي الكراسي نازلون؛ حالٌ يستحيلُ معه أن تقومَ للجامعةِ سيرةٌ حسنةٌ. سواءٌ بسواءٍ، جامعاتُ الحكومةِ والجامعاتُِ الخاصةُ لا هويةَ لها؛ لعجزِها، لم تقدمْ جامعاتُ الحكومةَ المثلَ، وبالجشعِ أهدرَت الجامعاتُ الخاصةُ قيمَ التربيةِ والتعليمِ.

لم تنآي جامعاتُ الحكومةِ في أي وقتٍ عن الاعتباراتِ السياسيةِ والمذهبيةِ، بدءاً من اختيارِ المسئولين عن التعليم العالي مروراً بتعيين رؤساءِ الجامعاتِ والعمداءِ، اختياراتٌ شابها في أحيانٍ عدةٍ خروجٌ عن ثوابتٍ لم يُرَدْ لها الصمودِ. وكان أشدُ ما ضربَ العملَ الجامعي من خروجٍ أن يُعين علي كراسي قياديةٍ من انفصلوا عن الحياةِ الجامعيةِ لفترةٍ طويلةٍ أو من يوفدون علي جامعاتٍ ليسوا منها ولا هي منهم، فانقطعَت بهم ورغماً عنهم تقاليدٌ وأعرافٌ يجبُ أن تستمرَ، حتي لو كانوا علي كفاءةٍ. فعلي سبيلِ المثالِ كان من المُستَقَرٍِ عليه عدمُ السماحِ بسفرِ المعيدين قبل الانتهاءِ من الماجستيرِ، بناءاً للمدرسةِ العلميةِ في الأقسامِ، وتكريساً لروحِ الانتماءِ في الكلياتِ، وحتي لا يزدادُ الهرمُ الأكاديمي انقلاباً فيزيدُ عددُ الأساتذةِ عن عددِ المدرسين والأساتذةِ المساعدين مجتمعين. للأسفِ مع كلِ آتٍ جديدٍ علي كرسي تتغيرُ القاعدةُ وتبدأُ حساباتُ جديدةٌ قد تغلبُها التربيطاتِ وردُِ المجاملاتِ، فيسافرُ من المعيدين من يسافرُ، ولا مؤاخذة في داهية الكليات والمساواة والقدوة. افتقدَت الجامعةُ الثوابتَ وأصبحَ كلُه متغيراً، في مهبِ الريحِ، بعد فترةٍ طالَت أو قَصُرَت.

وماذا عن أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ؟ التعليمُ أستاذٌ، هو الدليلُ والمثلُ، لكن لو خَلَت جيوبُه فبيتُه أولي، ما من سبيلٍ إلا البحثُ عن لقمةِ العيشِ في أي مكانٍ علي حسابِ التزامِه الوظيفي بالتواجدِ والعطاءِ. أعضاءُ هيئاتِ التدريسِ يعملون عيني عينك خارج جامعاتِهم في شركاتٍ تَدَعي نقلَ التكنولوجيا الحديثة، بها يؤدون بانتظامٍ وتواجدٍ وفي كلياتِهم بتناكةٍ وتفضلٍ وتعالٍ، واللي عَجبه. ومن الجامعاتِ الخاصةِ من تستجلبُهم دون ورقةِ موافقةٍ من كلياتِهم الحكوميةِ. وضعٌ كارثي كله علي بعضه، لكنه طبيعي.

حتي الإعاراتُ لم تعدْ قواعدُها ثابتةٌ، لفترةٍ طويلةٍ كانت مشروطةً بألا تتجاوزُ الستة أعوامٍ وأن تكون بموافقةِ الأقسامِ وفي حدودِ نسبةٍ ربع أعضاءِ هيئة التدريسِ بكلِ قسمٍ، الآن طالَت لعشرةِ أعوامٍ حتي لو رفضَت الأقسامُ، وعلي الراغبين في الإعارةِ من أعضاء هيئةِ التدريسِ الموجودين بالداخلِ عدُ السنين من واحد لعشرة حتي يأتي دورُهم أو أن يتحايلوا ويجمعوا بين وظيفتين، خارج الجامعة وداخلها بالحد الأدني من العملِ والولاءِ والانتماءِ.

ويسألونك عن الطلاب، في جامعاتِ الحكومةِ لا معاملَ تعلمُهم ولا مكتباتٌ ولا مدرجاتٌ، التياراتُ المذهبيةُ تشدُهم، هم أدواتُها ووقودُها، تملأُهم بما تريدُ وتزرعَ فيهم العصيانَ علي ما حولِهم بدءاً بكلياتٍٍ يفترضُ أن فيها تكوينهم السَوي، خلُقاً وتعليماً. أما في سوبرماركت الجامعات الخاصةِ فقد اشتري الطلابُ الجامعةَ بمن فيها، الكلمةُ كلمتُهم، لا تربيةَ ولا تعليمَ، شهاداتٌ مضروبةٌ، وخلاص. وقد لفت نظري حصولُ الجامعةِ الأمريكيةِ علي الاعتمادِ، قد أفترضُ أنها تستأهله، لكن هل كان من الممكنِ ألا تحصل عليه؟ هل يستطيعُ أحدٌ أن يقولَ لها لأ؟ هل يجرؤ علي رفعِ ولو ملحوظةٍ؟

أما البحثُ العلمي فمرآةُ التقدمِ في عالمِ اليوم، عندنا عليلٌ هو ومريضٌ، لم يعدْ الحصولُ علي الدكتوراة من دولٍ رائدةٍ هدفاً، الاستسهالُ والهروبُ إلي دكتوراة دولٍٍ خليجيةٍ بعينِها أصبحَ موضة، تحولَت بوصلةُ الهروبِ من أوروبا الشرقيةِ إليها، ولتبتلي مصر وجامعاتُها. أعضاءُ هيئاتِ التدريسِ، عن البحثِ العلمي في معظمِهم بعيدون، علي خصامٍ معه، أكل العيشِ أولي، البحثُ العلمي سياسةُ دولةٍ، من المفترضِ أن يكونَ. حتى الرأى فقدَت الجامعاتُ قدرتَها عليه، مجالسُ الكلياتُ والجامعاتُ بتركيبتِها وتشكيلِها لا تملكُ رأياً مستقلاً، أقرَبُ ما تكون هى لنقلِ وتبليغِ ما يُملى دون أن تناقشَ أو تُصَوِب.

يحدثونك عن الجودةِ قُل ورقيةٌ ورقيةٌ ورقيةٌ، مجردُ شعارٍ، أجلَسَت من أجلَسَت وبها صَعَدَ من صَعَدَ، أساسياتُها غيرُ موجودةٍ، ولنسترجعُ كلَ ما سبقَ.

الدوامُ لله وحدِه، لا ثوابتَ لجامعاتنا، كيف يكون إذن الأملَ في أي تقدمٍٍ؟ اللهم فضفضت اللهم فاشهد،،