الجمعة، 8 أبريل 2011

فى طَلَبِ ما لا يُطلَبُ ...

جاءَ الخامسُ والعشرون من يناير بآمالٍ كبيرةٍ وبطموحاتٍ عاليةٍ لتغييرِ واقعٍ غلَبَه اليأسُ والإحباطُ، تحققَ الكثيرُ ومازالَ الكثيرُ على قائمةِ الانتظارِ، يستحيلُ تغييرُ الكونِ بين رمشةِ عينٍ وانتباهتِها. ما بين الخامسِ والعشرين من يناير واليومِ توالَت الأحداثُ بسرعةٍ غَلَبَت التوقعاتِ، أحداثٌ كنا نتمناها غيرَت ركودَ واِخفاقاتِ عقودٍ، وأحداثٌ كَرِهناها وأخافَتنا على مستقبلِ بلدٍ نريدُه مُزدَهِراً، واحداً كما كان لآلافِ السنين.

ما يُخيفُ الآن، على سلامةِ هذا البلدِ، كمٌ مَهولٌ مُفزِعٌ من الاِنتهاكاتِ والاِنقلاباتِ على كلُ ما هو نظامٍ واحترامٍ لقواعدٍ عامةٍ فى الشارعِ والمَسكنِ والعملِ والجامعةِ والمدرسةِ. الكلُ تصورُ أنه صاحبُ حقٍ فى أى شئ، الكلُ تجرأ وتعدى على ما هو من أساسياتِ المجتمعاتِ السَويةِ، وما مباراةُ الزمالك والأفريقى التونسى إلا مثالاً صارخاً كئيباً على ما وصلَ إليه هذا البلدُ من تسيبٍ وانفلاتٍ وانعدامِ أمنٍ وعجزٍ من سلطةِ الحكمِ على السيطرةِ على ما يمورُ به سطحُ الأرضِ وباطنِها من مخاطرٍ جِسامٍ.

تعدياتُ على الحرياتِ باسمِ الدينِ تُنذِرُ بعواقبٍ لا بدَ وأن تطالَ وحدةَ هذا البلدِ وكيانِه، هجومٌ شرسٌ على الأراضى الزراعيةِ بورَها لمصالحٍ شخصيةٍ عمياءٍ ضيقةٍ، أكشاكٌ عشوائيةٌ فى كلِ نقطةٍ من كلِ شارعٍ، وقوفٌ فى الممنوعِ لم يستثنْ شارعاً ولو كان رئيسياً، بلطجةٌ وسرقةٌ بالإكراهِ لم تَخشْ حتى ما هو ملكِ الدولةِ، اعتصاماتٌ فئويةٌ يستحيلُ تنفيذُها فى الوقتِ الحالى وأحياناً أبداً، توقفٌ للانتاجِ قَلَلَ من مصادرِ الدخلِ لدرجةٍ تُنذِرُ بتوقفِ المرتباتِ. حتى فى الجامعاتِ، مطالبٌ للطلابِ تجورُ على أساسياتٍ تربويةٍ وتعليميةٍ، دارسو وحاملو شهاداتٍ مهنيةٍ يريدون بلا استحقاقٍ الركوبَ على مِهَنٍ أخرى، دعاوى لأعضاءِ هيئاتِ التدريس بانتخابِ القياداتِ الجامعيةِ على عكسِ ما هو متبعٌ فى العالمِ أجمعِ، وكأن الجامعاتِ نقاباتٌ فئويةٌ أو تجمعاتٌ اجتماعيةٌ، وكأن القياداتِ لا بدَ وأن تكون ألعوبةً تُؤمَرُ من المرؤسين فُتطاعُ، هل نصلِحُ فساداً بفسادٍ؟
كلُ من اشتكى إخفاقاتٍ، يُسالُ عنها شخصياً، وغيرُ مُرتَبِطةٍ بأوضاعٍ سياسيةٍ أو اقتصاديةٍ أو اجتماعيةٍ تُنسَبُ للمجتمعِ، نظاماً كان أو أفراداً، لم يجدْ إلا الغوغائيةَ وسيلةً للتعبيرِ عن حِنقِه. كلُ من يبحثُ عن دورٍ أو كُرسىٍ نَصَبَ نفسَه ثورياً بطلاً، بكَذبٍ وغِشٍ يفضحانَه فى ماضيه وحاضرِه، وكأن من حولِه أغبياءً وبلا ذاكرةِ. بعض من شاخوا صوروا أنفسَهم ثوريين، على كِبَرٍ، أمرٌ ماسخٌ بلا طَعمٍ، مثل الجواز والخِلفةِ بعد أن شابَ الشعرِ. ما تَستحيلُ المطالبةُ فى أى ظروفٍ طبيعيةٍ أصبحَ الآن مباحاً مجهوراً به، وكأنه من مظاهرِ الخامسِ والعشرين من يناير وتوابعِه. المُطالبةُ بما لا يُطلَبُ، فى أى مجتمعٍ سوىٍ تقومُ عليه سلطةٌ قادرةٌ، أصبحَ عنواناً بالخطِ الأحمرِ لهذه المرحلةِ التى يعيشُها هذا البلدِ، إلى متى؟  إلى أين؟ هل يَصيرُ ما يُحصَلُ عليه عنوةً أمراً واقعاً؟ كيف تُسَنُ قوانينٌ حقيقيةٌ مع كلِ هذا الانفلاتِ والضوضاءِ؟

أحَمَدُ اللهَ أننى لم أكنْ فى أى حزبٍ فما تكلَمتُ ولا أتكلمُ بغيرِ صوتى، الحمدُ لله أن ما كتبته لسنواتٍ منشورٌ، والحمد للهِ أن الأمنَ لم يكن مع كثيرين من الراغبين فى توليتى أى منصبٍ.

Twitter: @albahary