الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

كيف تصل إلى القمر بتوك توك ...

تحشيشة؟ أبدًا، لكنه تعبيرٌ عن نظرةٍ للأشياءِ، في كل مجال، في السياسةِ والصناعةِ والرياضةِ، ينبري بعض من ينسبون أنفسَهم للرأي والفكرِ بالنقدِ والهجومِ، بدون تعمقٍ ولا دراسةٍ ، فتاوى وفهلوة، استظراف، وكأن الرأي العلمي الموثقُ لا اعتبارَ له، وكأن آلمنطقَ في العالمِ المتقدمِ  يجبُ أن يختلفَ عن أسلوبِ التفكيرِ والعملِ في مصر. 

أكتبُ بعد مباراة مصر وغانا الثانية، تابعتُها من قناة الجزيرة الرياضية، كان المحللون مصريين، أحدُهم حارسُ مرمى سابق، تارة يتكلم في السياسة واليوم في الرياضة، مستحوذًا على الحديث، فارضًا وجهة نظره، حتى قبل أن تبدأ المباراة، إيه الحكاية يا كابتن؟ المدرب غلطان !! كيف؟ لم يدخلْ اللاعبون الملعب بعد!! هل عشت معهم؟ هل وُضِعت في ظروفِ المدربِ؟ التشكيل غير سليم، كيف يلعب كهربا وهو زغنون؟ كيف يوضع فلان وعلان على الدكة؟ أما بين الشوطين فالمدربُ تغييراتُه خاطئةٌ وخططُه تؤدي للهزيمة، هو كده !! هل عمله في قناة الجزيرة مالكٌ  تفكيره؟ عمومًا، ليست فلسفته وحده، إنها فلسفة مصرية، كلُ واحدٍ بدماغه، هو صح وغيره غلط، وإذا وقعت الواقعة لا بدَ من شماعةٍ.  في الكرةِ هو المدربُ، وكأنه يخطئ في التمرير، ويشوط خارج الجون، يسرح ويفكر في سَبوبة ما بعد المباراة، كأنه أوقفَ الدوري وسَطَحَ النشاطَ الكروي!! لقد أخفقَ كلُ المدربين والكرةُ في كاملِ نشاطِها، لكنه خواجة أمريكي، لا بد أن يبلعَ الزلط، أن يكونَ سُلمًا للانتهازيين والوصوليين، وعليه أن يصنع المعجزات في زمنِ العلمِ والتخطيطِ والأسبابِ والمسبباتِ، وبالمرة يعمل عجين الفلاحة!!  

لو كان المدربُ وحدُه هو صانعُ الفوزِ لفازَت الأنديةُ والمنتخباتُ الخليجيةُ والتركيةُ وتأهلَت بقدرِ ما جلَبَت من أسماءٍ تدريبيةٍ عملاقةٍ، لكنه منطقُ التغييبِ، البعدُ عن الواقعِ، الفهمُ في كلِ شئ بدون أمارة. لقد أدى المنتخبُ المصري أداءًا مشرفًا محترمًا لم يوصل للبرازيل، لم تتحققْ المعجزةُ، بالمنطقِ وبالعقلٍ، بالعربي واللاوندي والهندي والانجليزي والفرنساوي. هناك من يبكون "بتَمسَحةٍ" من حوادث الطرقِ والسكك الحديدية، وأولُ أسبابِها الحياةُ العبثية ُالمستهترةُ المتواكلةُ، الكارهةُ للنظامِ والانضباطِ. هل يبدأُ اجتماعٌ في موعدِه؟ هل يُسلمُ صانعٌ ما اتُفِقَ عليه كما تعهَدَ؟  من منا لم يتعرضْ للغشِ حتى من أكبر المحال؟ مع كلِ الأسفِ، الغشُ فلسفةٌ، كذلك الكذبُ والملاوعةُ، مع الذات وعلى الآخرين. 

ما نحن فيه من تراجعٍ دلالتُه الإعلامُ، كلُ من هَبَ ودَبَ أصبَحَ إعلاميًا، دون مؤهلاتٍ دراسيةٍ أو نفسيةٍ، لقد احتلَ الفضائياتِ مصابون بجنونِ العظمةِ، تصوروا أنفسَهم ثوارًا وأصحابَ رأيٍ،   يصرخون بحرقةٍ، يتصورون أنهم أهل سلطان وصولجان، يجب أن يفعلَ  الوزير فلان، ويجب أن يرحل الوزير علان، أنا أريد من الوزارة كذا وكذا، على رئيس الجمهورية أن يفكر بالطريقة ٤/٢/٤ لأنها أحسن من ١/٢/٣/٤، أضافةً إلى الفبركةِ والتلفيقِ !! سألملم أوراقي وأرحل، إذا لم تفعلوا !! توحدَ مع نفسِه، تصورَ أنه فلتة !! مع السلامة، مَلَلنا ونَفَرنا وقَرفنا. من أين استقى هؤلاء "الإعلاميون" ثقافتهم؟ أين شاهدوا الردحَ والبذاءةَ ؟! من المؤكد خارج كتب الإعلام والفضائيات العالمية المحترمة. 

أما نشط سياسي فهو أعجوبةُ الأعاجيب، في زمنٍ مضى، ظهر مصطلحُ غني حرب، والآن هناك أغنياء ثورة، احتلوا الفضائياتِ في غفلةٍ من الزمن، بتدبيرٍ ليس منهم، هم أدواتُه، انقلَب حالُهم من فقرٍ لغِنى، نشطاءٌ جدًا، أحاديثهم في الفضائياتِ بألف كذا واستثماراتُهم بمليون كذا.  طبيعي أن يفقدوا جميعًا ما كان لهم، من تأثيرٍ وكاريزما خادعة، بانوا بانوا، على حقيقتهم بانوا.   

لو وصلنا لكأس العالم لا بدَ أن ينقلبَ الكونُ، يكتشفَ أنه على خطأ، يتعلمَ أن الفهلوةَ والهجصَ والفوضى أهمُ أسبابِ النجاحِ،  ممكن؟ في الملوخية.  اللاعب لاعب والحكم حكم، عندنا كله يتجمعُ في شخصٍ واحد، في نفس الوقت، لاعب وحكم ومهندس وطبيب وفيلسوف وواعظ وخطيب جامع ومفتي فضائيات وحلواني وإعلامي!!

هل يمكن الصعود إلى القمر بتوك توك؟ أمريكا لا تستطيع لكننا لها!! هل يمكن تسخين المياه بالثلج؟ روسيا ستعجز لكننا قدها وقدود!! هل يمكن النزول لأعماق المحيط في نفس واحد، المصري يستطيع واسألوا أبو لمعة!!  كأس العالم فَلَت منا هذه المرة، صُدفةٌ ولن تتكرر !!

Twitter: @albahary