الجمعة، 22 يناير 2010

في اختيارِ القياداتِ الجامعيةِ...


خرَجَت جامعاتُ مصر من أي تصنيفٍ وكل تصنيفٍ، وهو ما يعكسُ حقيقةَ حالٍ لا يصحُ إغفالُه أن كان هناك حرصٌ علي الإصلاحِ، فبدون الجامعاتِ يستحيلُ التطورُ، بدون آراءِ وأفكارِ عقولِها لن تتضحُ الحقيقةُ أيُ حقيقةٍ، ولو كانت شديدةُ المرارةِ، كلامٌ قديمٌ، مُكررٌ، لكن التكرارُ واجبٌ. أولي خطواتِ الظهورِ علي خريطةِ الاحترامِ والتقديرِ العلمي عالمياً، ولو بعدَ عقودٍ، تبدأُ بحسنِ اختيارِ القياداتِ الجامعيةِ، طالما نُبِذَ مبدأُ انتخابِهم، اِختيارٌ بمعاييرٍ علميةٍ، ليس من بينها المجاملاتُ ولا القدرةُ علي إثارةِ التوتراتِ بحجةِ تحقيقِ الانضباطِ.

اختيارُ القياداتِ الجامعيةِ المقصودُ لها التوفيقُ يتحققُ إذا كانوا من أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ الحقيقيين الذين عاشوا في الجامعةِ ودخلوا مختلفِ أنشطتِها، الغرباءُ عنها، ولو نجحوا فيما كانوا فيه، يتعذرُ أن يتأقلموا مع أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ لطبيعتِهم الخاصةِ، التي فيها الاعتزازُ بالنفسِ والتخصصِ والمعرفةِ، وهي خصالٌ لا يُقدرُها من يعملُ بعيداً عن الجامعةِ الحقيقيةِ، وبدون إعدادٍ يُطلبُ منه الدخولُ ضمن مسئوليها. ليس بمُستغربٍ إذن أن تُطالعُنا صحفٌ بالحكمِ بالحبسِ والعزلِ علي قيادةٍ جامعيةٍ لامتناعِها عن تنفيذِ حكمٍ قضائيٍ؛ هذه النوعيةُ من القياداتِ تُسئ للنظامِ ككلِ، تارةً لعدمِ تنفيذِ أحكامِ القضاءِ، وأخري للتعسفِ وعدمِ القدرةِ علي التعاملِ في الجامعةِ باعتبارِها مؤسسةٍ تعليميةٍ تقومُ أولاً وثانياً وثالثأً حتي أخيراً علي الفكرِ والحريةِ.

التواصلُ بين القياداتِ الجامعيةِ وأعضاءِ هيئاتِ التدريسِ بالجامعاتِ يكون أولاً بمن يُختارون لاحترامِهم لكرامةِ أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ وقيمتِهم وعِلمِهم وتخصصاتِهم، لا مكانَ فيه لمن يستعفون في الخطأَ وفيه يُكابرون، القيمةُ فقط لمن ينآون في ممارساتِهم عن أهواءِ نفسٍ بشريةٍ بالسوءِ وتصفيةِ الحساباتِ أمارةٌ. القياداتُ الجامعيةُ يجبُ أن يكون فيها الكياسةُ والتروي وتحكيمُ العقلِ واستشارةُ أهلِ الخبرةِ، ليست لمن يتحركُ بما يُبثُ في أُذنيه؛ التعاملُ مع أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ بالجامعاتِ له مواصفاتٌ خاصةٌ لا غني عنها، فيها منتهي التروي، انتقاءُ الألفاظِ وتوقيتاتِها، يستحيلُ أن يكون فيها من يخاطبهم بصيغةِ "أنا رئيس الجامعة" أو "أنا عميد الكلية" أو أنا كذا وكذا، الجامعةُ بالأساسِ أساتذةٌ ومنهم من يتقدمُ أيةَ قيادةٍ جامعيةٍ علماً ومكانةً. لا بدَ أن تُختارَ القيادةُ الجامعيةُ التي تفهمُ أن الكرسي زائلٌ وأن البقاءَ للأستاذيةِ، ولاحترامِ الزملاءِ، وهو ما يسهلُ التيقنُ منه، إذا كان من معاييرِ الاختيارِ.

لما تنصلحُ العلاقةُ التي يحكمُها التوترُ وعدمُ الثقةِ والتشككُ بين أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ والقياداتِ الجامعيةِ يمكنُ البدءُ في التفكيرِ في إصلاحِ أحوالِ الجامعاتِ والبحثِ العلمي، في الخروجِ من منطقةِ ما تحت الصفر، قبل ذلك فمسلسلُ العبثِ سيستمرُ ويتصلُ، وما له من ضحيةٍ إلا سمعةَ مصر، ومستقبلِها، إذا كان اليأسُ قد غَلَبَ الحاضرَ،،