الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

الجامعات داخلة الجُب … ومعها ما معها



مقترحات السادة وزراء التعليم العالي، يا قلبي لا تحزن، واحد داخل وواحد خارج، مرعوشين، هفتانين، مهزوزين، والضحية الجامعة والأخلاق والتعليم والبلد. اطلعت علي مقترحات اختيار القيادات الجامعية التي شربوا حاجة صفرا أو وُضِعوا في غرفِ التعذيب ليخرجوا بها. صُدِمت أن يكون في مصر من لم يحاول أن يتعرفَ علي العالم المتقدم، لم يجتهد جهداً يسيراً ليرى أو يسأل كيف يتم اختيار القيادات الجامعية فيها. مصر داخلة علي مصيبة طالما أن الفوضي وتصفية الحسابات والانتقام حتي من الذات هو المُسيطرُ. بعد أن استبشرنا بسقوطِ نظامٍ أزلَ شعبَه، إذا بنا مسحوبون من قفانا آلى نظامٍ سيجرنا إلي الفوضى والتخوين والتشهير. العيب علي السادة الوزراء طبعاً وعلي من يرون أنهم متحدثون عن أعضاء هيئات التدريس، من الواضحِ أن الوزرءَ غلابة لدرجةِ تطاولِ أحد أعضاءَ هيئاتِ التدريسِ على الوزيرِ السايقَ علناً في إحدى الفضائياتِ. أما من يتحدثون عنا رغماً عنا، فلا يخرجُ همُهم عن فرضِ ما يريدون ولو كان فاقدَ المنطقِ وسلوكياتِ واجبةٍ. من يرون أنهم علماءٌ أجلاءٌ ثوريون سدوا أعينهَم وٍأقفلوا أذانَهم عن العالمِ المتقدمِ علمياً، عمداً ومع كلِ الإصرارِ والترصدِ.


المقترحات الموصومةُ تقوم علي انتخابِ رؤساءِ الأقسامِ العلميةِ من خلالِ كلِ أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ بالقسمِ وإضافةِ نسبة ١٠٪ من عددهم للمدرسين المساعدين والمعيدين!! كيف ينتخبُ طالبٌ أستاذه؟! كيف يحاسبُ رئيسُ القسمِ إذن من يتاجرُ في الكتبِ ويمتهنُ الدروسَ الخصوصيةَ؟! كيف يرفعُ عينَه فيمن يتغيبُ عن العملِ؟! كيف يمكنُ احترامُ أستاذٍ يلهثُ وراءَ أصواتٍ تُجلُسُه كسيراً خانعاً مُطأطةٌ رأسُه علي كرسي صوري؟! كيف يتمكنُ أستاذٌ من ترقيةِ مدرسٍ أو أستاذٍ مساعدٍ وهو يتسولُ كرسي؟! هل وُضِعَت هذه المقترحاتِ بمعرفةِ تجارِ الدروسِ الخصوصيةِ والكتبِ المنتسبن لأعضاءِ هيئاتِ التدريسِ؟! ألا يحقُ للمجتمعِ الجامعي معرفةِ تاريخِ كلِ من وضعِ هذه المقترحاتِ الكارثيةِ، دراسياً وسلوكياً ووظيفياً، وأكيد نفسياً.

أما علي مستوي العمادةِ، فمن المقترحاتِ انتخابُ العميدِ بمعرفةِ كلِ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ بالكليةِ، وتضافُ نسبةُ ١٠٪ من عددِهم للمدرسين المساعدين والمعيدين، نفس المصيبة!! أضف إليها أن من يعينُ عميداً يجُب ألا يحصل على أقلِ من ١٠٪ من الأصواتِ!! يا حلاوة عميد منتخب يرفضه ٩٠٪ من أعضاءِ هيئةِ التدريسِ!! إحنا فين؟! هل تُرفعُ هذه المقترحاتُ لمجردِ فرضِ الرأى؟! هل الجامعاتُُ أنديةٌ اجتماعيةٌ أو نقاباتٌ مهنيةٌ؟!

مع الأسفِ أن الجامعاتِ في حالةِ توهان، هناك من أساتذةِ الجامعاتِ من أصبحوا ثوريين علي كبرِ، بعد أن شاخوا، بعد أن حصلوا علي الأستاذية واطمأنوا علي الترقيةِ، بعد أن تيقنوا أن الثوريةَ مهنةٌ رائجةٌ، بعد برَدَت نفوسُهم وتأكدوا أنهم لا يُضحون كما لم يُضَحوا. هناك منهم من تصوروا أن الثورةَ فوضي وانتقام وتصفية حسابات، خاصةً مع الأكبرِ. مقترحاتٌ كتلك ما وراءها إلا ضياعُ الإحترامِ في الجامعةِ، انعدامُ الانضباطِ الوظيفي والسلوكي، تدميرُ الجامعةِ تدميرٌ لوطنٍ بأكملِه، طبعاً مش مهم.

حالةُ الفوضى والأنانية تلك، تذكرني بواقعةٍ تؤكدُ علي نمطِ التفكيرِ السائدِ في طلبِ ما لا يُطلبُ. فوجئتُ برسالةٍ إلكترونيةٍ غاضبةٍ من مصري مقيم بالخارجِ ويعملُ بجامعةٍ متواضعةٍ، كان غاضباً حانقاً لماذا يُرفضُ له بحثٌ في مؤتمرٍ أتولي تنظيمهُ، كيف أن الثلاثةَ محكمين لم يفهموا ما أبدعَ وافتكسَ، وأن مصر هي هي لم تتغيرْ بعد ٢٥ يناير، وأنه لا يصحُ أن أترأس هذا المؤتمرَ!! طبعاً فهو مصري مقيمٌ بالخارجِ ونحن بالداخلِ، أقل منه فهماً وعلماً ومعرفةً. هذا الشخصُ لم يجاوزْ الأربعين، واثنان ممن حكموا ما افتكسَ غيرُ مصريين. لكن يبدو من ساعة الجيل الفاشل التي أطلقها أحد المصريين المقيمين بالخارجِ استظرافاً واستلطافاً واستخفافاً تأكدَ أننا ملطشةٌ لمن يهبطون علي البلدِ بالبراشوت!! وللأسفِ لمن بالداخلِ ويتصورون أن الثورةَ حكراً عليهم.

الجامعاتُ داخلة للظلماتِ، لتحت، والثوريون بالانتسابِ وضعوا الجامعاتِ علي أجندتِهم، يعني لابدَ من تسييرِها علي هواهِم، ولو كان تدميرها هو الثمن، بالعربي كده.

الحمد لله أنني لم أنافقْ ولم أتبدلْ ولم أتغيرْ، وكتاباتي موجودةٌ متاحةٌ بالعشراتِ، وشكري لكل صفحةٍ اتسعَت لها وأسفي علي من تلونوا وقصروا صفحاتِهم علي ما يظهرهم ثوريين مناضلين، بالأونطة،،


نُشِرَت بجريدة الوفد يوم الجمعة ١٢ أغسطس ٢٠١١



Twitter: @albahary