الخميس، 28 أغسطس 2008

الدينُ للهِ


عناوينٌ ساخنةٌ لأيامٍ، فلانٌ أسلمَ، فلانٌ تنصرَ، تَبارٌ في إبرازِ الخبرِ، علي الصفحاتِ الورقيةِ والإلكترونيةِ، بهدفِ التوزيعِ، الإثارةِ، التشفي. فرصةٌ سانحةٌ لأقطابِ التعصبِ، إزكاءُ نيرانٍ جائعةٍ شرهةٍ، ما أحلي الصورِ العابثةِ المُكفهرةِ المُشوحةِ المُلوحةِ. مع شهوةِ التهييجِ يضيعُ أي منطقٍ، تتوه الحقيقةُ، تشيعُ الاتهاماتُ والتهديدُ، تُنثرُ الفتاوي أمطاراً.دياناتٌ مستقرةٌ منذ مئاتِ السنين ماذا يضيرُها لو خرجَ البعضُ منها؟ ماذا تكسِبُ ديانةٌ من منافقٍ منتسبٍ لها اسماً؟ ما الضيرُ لو كان الخروجُ من ديانةٍ سماويةٍ لأخري سماويةٍ؟ أوليست كلُها من عند ربٍ واحدٍ يستحيلُ أن يخطئ في أي منهما؟ ولو كان الخروجُ من ديانةٍ سماويةٍ إلي أي مذهبٍ آخر أليس اللهُ بقادرٍ علي الحسابِ؟ أهو بحاجةٍ لبشرٍ فانٍ كي يُنفِذُ إرادَته ومشيئتَه؟ الإبقاءُ علي مُكرهين في أيةِ ديانةٍ يُغَيبُ عنها صفةَ الإقناعِ والتعقلِ والحريةِ والمنطقِ، يَبني جيوشاً من المنافقين، العابثين باسمِ الدينِ، المُسيئين له بالفعلِ والقولِ. ليخرجُ من أيةِ ديانةٍ من يخرجُ، خيرٌ من أن يبقي وهو غائبٌ، من أن يُحسَبُ عدداً علي نقصانِه. تغيرَ الزمنُ، وسائلُ الاتصالِ الحديثةُ يَسرَت تناقلَ المعلوماتِ، طوفانٌ هائلٌ منها يُتناقلُ عبر الانترنت، مواقعٌ الكترونيةٌ وصحفٌ تمورُ بكل ما يملأ العقولَ، بلا حاجةٍ لرجالِ وعظٍ، ما أيسرُ الوصولِ لما يُغيرُ الفكرَ بدونِهم، بمجردِ القراءةِ الشخصيةِ. أهلُ كلِ ديانةٍ دُعاةٌ لها بما يحققونه من تفوقٍ، علمياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، بقدرِ تدهورِ حالِهم يكونُ التسربُ منها. في الماضي كانت الحقائقُ بلا شهودٍ، ما تطلبَ عقوداً لتَثبُت مجافاتُه للمنطقِ لم يعُد بحاجةٍ إلا لأيامِ أو شهورٍ. الخطبُ المرسلةُ والإحصاءاتُ المُفبركةُ عن الانجازاتِ التي ينسبُها كلٌ لديانتِه ما عادَ لها آذانٌ عاقلةٌ واعيةٌ، العبرةُ بالواقعِ المُعاشِ، بالنجاحِ في الحياةِ، لا بالفشلِ فيها انتظاراً لمستقبلٍ موعودٍ.تجاربُ الماضي أثبتت أن الفتنَ كانت في كثيرٍ منها بخبثِ المنافقين، افتعلوا أحداثاً وأقوالاً نشرَت البلبلةَ والفرقةَ، ليُترَك من يريدُ مفارقةَ ديانةٍ، مسئوليتُه أمامَ خالقِه، هو الأقدرُ علي حسابِه. لا تباهي و لا حزن بدخولِ فلانٍ وخروجِ عِلانٍ، البابُ واسعٌ، يمرُ منه بدلُ الجملِ فيلٌ وفيلٌ وفيلٌ،،

الجودة في التعليم .. الصراحة راحة وأمانة


تنشط منذ فترة "حركات" بمسمي تجويد التعليم، تُزود بالوسائل الإعلامية اللازمة لإظهارها، مرئية ومسموعة ومكتوبة. ولما كان التعليم جدٌ لا هزلَ فيه، فإنه من الضروري أن نتناول ما يثار عن تجويده ومدي إمكان ذلك، هذا علماً بأنني كنت أول من نشر ترتيب الجامعات الخمسمائة الأكثر كفاءة علي مستوي العالم، وذلك في مقالين أحدهما بصفحة الشباب والتعليم بأهرام 31/1/2005 والآخر بجريدة الوفد بتاريخ 11/12/2004، ولن أتعرض لطمس اسمي في النشر بالأهرام مع ما في ذلك من مدلولات.بداية، الجودة في التعليم الجامعي تحديداً تهدف إلي "إنتاج" خريج قادر بما تعلمه علي إفادة واقعه وعلي التأقلم مع متغيراته ومستجداته، الإفادة تكون بحسن أداء العمل وبالقدرة علي تطويره، والتأقلم يكون بالقابلية لتعلم المزيد والخروج من أُطر القوالب الجامدة والفهلوة. الجودة في "إنتاج" الخريج لا تأتي مصادفة، لكنها من صنع بيئة اجتماعية لاعوج فيها ومناخ علمي سوي وبالقطع واقع سياسي فيه الرؤية والإخلاص وصدق التوجه.البيئة الاجتماعية التي تقدر العلم وتحترمه ترفض الخرافات والخزعبلات، تهئ الطالب نفسياً لتلقي العلم. واقعنا الاجتماعي يستحيل أن يؤدي هذه المهمة، لانخفاض الدخول وتفشي البطالة، وهو ما يشتت الاهتمام بالعلم لصالح السعي للرزق، الطالب إما يعمل أو لا يجد ما يسد مصروفات تعليمه، وفي كلا الحالين يتعثر. ومع مأساة الثانوية العامة وحشر الطلاب في دراسات لا يرغبونها أو لا يقدرون عليها نشأت مشكلة الكراهية المتبادلة بين الطالب والمؤسسة التعليمية، تحولت بالتالي العملية التعليمية إلي مجرد شكل، طالب في مكان يُفترض فيه العلم، يدخله ويخرج منه بعد أعوام لا حدود لها بلا علم حقيقي. الطالب "الخامة" دُفِع لمؤسسة تعليمية دون أن يكون مستعداً لها أو راغباً فيها أو قادراً عليها، من المستحيل في أغلب الأحوال أن يُنتج أو يطمح في مستقبل تُعتمه أشباح البطالة وتدني الأجور.من الناحية العلمية، فإن المؤسسة التعليمية عليلة، أعضاء هيئات التدريس يكفون بالكاد معيشتهم، يتقلبون في كل مكان يزيد دخلهم، بالمخالفة للقوانين، بتراخي إدارات الكليات. الثوابت الإدارية انهارت، هناك من يجمع بين وظيفتين، هناك من يتغيب، هناك من يحضر ويؤدي بالحد الأدني، علي مرآي ومسمع من إدارات جامعية مشغولة بهموم المد لها أو تصعيدها. كيف تكون الجودة إذن والعنصر البشري المطلوب منه تنفيذها لا يعترف بها ولا يثق في صدقها؟ أعضاء هيئات التدريس بالجامعات عازفون عنها، متباعدون عن إدارات الكليات، عمداء الكليات ووكلاؤها مسيرون في "حركات" الجودة. أما المعامل والمكتبات، وهي من أركان العملية التعليمية والبحثية فلا وجود لها، قاعات جوفاء فارغة إلا من أجهزة تهالكت وكتب اصفرت بفعل الزمن. انحصرت الجودة في استيفاء أوراق واستمارات، لتلميع صورة العمداء ووكلائها ومن فوقهم وتصعيد من وجدوا فيها طريقاً لترقية فشلوا فيها علمياً، جودة ورقية ينقصها التعليم الذي أنشئت من أجله!!أما الواقع السياسي، فما أكثر ما طرح من شعارات مثل إعطاء الفرص للشباب، واختيار الوزراء ممن يجيدون اللغات، والنهوض بالمرأة والطفل، والحفاظ علي حقوق الطبقة الكادحة، وتطوير الصناعة والزراعة، ما أكثر ما أعلن عن افتتاح مشروعات وطرق وكباري، وغيره وغيره. العائد ظهرت فيه فائدة لأقلية مقصودة مع بطالة مستمرة للشباب والكبار وهروب جماعي عبر البحار والصحاري وارتفاع في الأسعار وبيع للأصول فكاً الديون وتعثر لمشاريع أُنفقت عليها ملايين الجنيهات. الشعارات لم تجد صدي لأنها لم تحقق ما وعدت به لعقود، لماذا إذن يُصدق شعار "حركة" الجودة؟ لماذا لا يكون موضة مثل ما سبقه؟ لماذا لا يكون وسيلة للإلهاء لا للتجويد؟ ما الذي يدفع أعضاء هيئات التدريس للتجاوب معه وهم مهمشون مبعدون محاربون؟تجويد التعليم هدفٌ عظيمٌ، لكن الفاصل بين تحقيقه والتغني به وملء استماراته واسع جداً. من الضروري البدء بتوفير مقومات الجودة من إصلاح أحوال البنية البشرية من أعضاء هيئات تدريس ومعاونيهم وتوفير المكتبات والمعامل بما تفرضه من ميزانيات بدلاً من تبديد القليل المتاح منها علي "حركات" الجودة ومهرجاناتها وشعاراتها. يستحيل أن تكون الجودة بالمجان، وحتي لو توفر المال فإنه لن يحققها إلا بتضافر كل العناصر من بيئة بشرية راضية مقتنعة ومعامل ومكتبات ومناخ يحترم العلم ويقدره. الصراحة واجب ديني واجتماعي وعلمي، لا يعترف بها مثيروا الشعارات، ينسون ما سبق وأطلقوه، وحدهم ينسون، ويتناسون، الواقع شديد الوضوح، ابحثوا فيه عن الجودة، لعلكم تجدوها، في أي مجال، بعد عقد، بعد قرن، العالم لن ينتظر، لقد حققها ويجودها،،

أخفض رأسك يا ...


ارفع رأسك يا أخي، شعارٌ رفعته الثورةُ وأفردت له مساحات واسعة من المقالات والمؤتمرات والمسلسلات والأفلام علي مدار عقود؛ واقعاً لم ير منه المصريون إلا قمعاً وقهراً ومذلة، كشف عنها بوضوح ردود أفعالهم الشامتة في حريق مجلس الشوري وتندرهم بأن أعضاءه لم يكونوا بالداخل في أحضان النيران. رسالةٌ شديدةُ الإيحاء تجاهلها كالمعتاد الإعلامُ الحكومي المشغولُ بالتعمية علي كل المآسى وتحويل الأنظار عنها إلي أي شئ آخر، تافه كان أو ملفق؛ إعلامٌ عمي عن اعتصامات المعلمين وتذمرهم وهتافاتهم وصورهم تلاميذاً في قاعات الامتحان.
معلمون متذمرون، أساتذة جامعات غاضبون، قضاة ساخطون، عمال ثائرون، شعبٌ في حالة من الفوران الشديد، بفعل تصرفات من يوضعون علي كراسي السلطة ليس إلا للإلهاء العام؛ شُغلت الكراسي بمن لا يتمتعون إلا بعشقها، لا مقدرة حقيقية ولا رؤية إلا في كيفية الولاء والاستمرار، لا مانع من جموح ألسنتهم وفلتان تصرفاتهم، طالما أن الكل في حالة توهان وانشغال وقلق وتوتر. الإعلام المستقل والمعارض يتعرض لاتهامات الخيانة وقلة النظر والتآمر علي الإنجازات من شاكلة بكين.
كيف ترفع رأسك وعليها من سُلطوا عمداً لإسكاتك وإخراسك؟ كيف ترفع رأسك وأنت خاو البطن وبلا عمل؟ كيف ترفع رأسك وأنت في طوابير وطوابير؟ كيف ترفع رأسك وأنت مكتوم الأنفاس مُكمم مُكبل؟ كيف ترفع رأسك وموتاك في أعماق البحار التهمتهم الأسماك بأكثر مما كانت تحلم أو تتمني؟ إعلام الحكومة ينشر مطالبات وزارة الخارجية للسفراء الأجانب بضرورة الرفق بالمصريين، أولا يكونُ الرفق بهم في الداخل سابقاً؟
علمنا التاريخ أن الشعوب المقهورة لا تنتصر، تسقط من الداخل أولاً، ينخر فيها الفساد حتي تتهاوي. القهرُ لا يورثُ إلا النقمة والغضب، دعاء المقهورين يتلخصُ في الانتقام الإلهي من الذين أحبطوا أحلامهم ووأدوا حياتهم، يتشفون في فشلهم ومرضهم، الوطن يفقد عندهم معناه، ليس إلا جحراً، خرابة، لا انتماءَ له ولا حب. من علي الكراسي يتصورن في غيهم أنهم مؤبدون، ينسون من غفلتهم السقوط، لكنه يضعهم في أولوياته.
لو رفعت راسك ستفقدها أو ستلتهمك بلاعة، خليها تحت، لسلامتك، تروح البلد في داهية، هكذا يقولون،،