الخميس، 28 أغسطس 2008

أخفض رأسك يا ...


ارفع رأسك يا أخي، شعارٌ رفعته الثورةُ وأفردت له مساحات واسعة من المقالات والمؤتمرات والمسلسلات والأفلام علي مدار عقود؛ واقعاً لم ير منه المصريون إلا قمعاً وقهراً ومذلة، كشف عنها بوضوح ردود أفعالهم الشامتة في حريق مجلس الشوري وتندرهم بأن أعضاءه لم يكونوا بالداخل في أحضان النيران. رسالةٌ شديدةُ الإيحاء تجاهلها كالمعتاد الإعلامُ الحكومي المشغولُ بالتعمية علي كل المآسى وتحويل الأنظار عنها إلي أي شئ آخر، تافه كان أو ملفق؛ إعلامٌ عمي عن اعتصامات المعلمين وتذمرهم وهتافاتهم وصورهم تلاميذاً في قاعات الامتحان.
معلمون متذمرون، أساتذة جامعات غاضبون، قضاة ساخطون، عمال ثائرون، شعبٌ في حالة من الفوران الشديد، بفعل تصرفات من يوضعون علي كراسي السلطة ليس إلا للإلهاء العام؛ شُغلت الكراسي بمن لا يتمتعون إلا بعشقها، لا مقدرة حقيقية ولا رؤية إلا في كيفية الولاء والاستمرار، لا مانع من جموح ألسنتهم وفلتان تصرفاتهم، طالما أن الكل في حالة توهان وانشغال وقلق وتوتر. الإعلام المستقل والمعارض يتعرض لاتهامات الخيانة وقلة النظر والتآمر علي الإنجازات من شاكلة بكين.
كيف ترفع رأسك وعليها من سُلطوا عمداً لإسكاتك وإخراسك؟ كيف ترفع رأسك وأنت خاو البطن وبلا عمل؟ كيف ترفع رأسك وأنت في طوابير وطوابير؟ كيف ترفع رأسك وأنت مكتوم الأنفاس مُكمم مُكبل؟ كيف ترفع رأسك وموتاك في أعماق البحار التهمتهم الأسماك بأكثر مما كانت تحلم أو تتمني؟ إعلام الحكومة ينشر مطالبات وزارة الخارجية للسفراء الأجانب بضرورة الرفق بالمصريين، أولا يكونُ الرفق بهم في الداخل سابقاً؟
علمنا التاريخ أن الشعوب المقهورة لا تنتصر، تسقط من الداخل أولاً، ينخر فيها الفساد حتي تتهاوي. القهرُ لا يورثُ إلا النقمة والغضب، دعاء المقهورين يتلخصُ في الانتقام الإلهي من الذين أحبطوا أحلامهم ووأدوا حياتهم، يتشفون في فشلهم ومرضهم، الوطن يفقد عندهم معناه، ليس إلا جحراً، خرابة، لا انتماءَ له ولا حب. من علي الكراسي يتصورن في غيهم أنهم مؤبدون، ينسون من غفلتهم السقوط، لكنه يضعهم في أولوياته.
لو رفعت راسك ستفقدها أو ستلتهمك بلاعة، خليها تحت، لسلامتك، تروح البلد في داهية، هكذا يقولون،،

ليست هناك تعليقات: