‏إظهار الرسائل ذات التسميات ثقافة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ثقافة. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 26 يوليو 2020

تَعلَمتُ من إبنتي ...


التنشئةُ واجبٌ على الأهلِ، من لم يُرَبْ في صغرِه ستتولاه بقسوتِها الأيامُ والليالي. مع التنشئةِ السليمةِ يتعلمُ الأبناءُ الاعتمادَ على النفسِ واِحترامِ الآخرين بلا تعالٍ ولا تفريطٍ

بطبعي لا أميلُ إلى العنف، وأتعجبُ من الذين يدفعون تَذاكرًالأفلام ٍ تُرعِبُهم وتُرجِفُهم وتُشعرُهم بالبرودةِ في الحرِ. ‏علاقتي بالحيواناتِ كانت عن بعدٍ، اَحترسُ من الكلابِ واَستلطفُ القِططَ، لا أكثر. لفَتَ نظري أن إبنتي طبيبةُ الأسنانِ عضو هيئةِ التدريسِ بالجامعةِ تحملُ دائما كيسًا فيه طعامٌ جافٌ للقططِ والكلابِ، تحتفظُ به لتُطعمُ من تجدُهم في الشارعِ؛ تَطهو لهم وتأخذُ المرضى منهم لعيادةِ الطبيبِ البيطري حتى في العاشرةِ مساءً. راتبُها الجامعي المحدودُيتبددُ على القططِ والكلابِ. ‏ ‏اِستغربتُ في الأولِ ما تفعلُ، لكن مع الوقتِ أيقنتُ أنه خيرٌ ورحمةٌ لكائناتٍ خلقَها ربُنا، تتألمُ وتجوعُ في صمتٍ


شيئا فشيئا،تغيرَت نظرتي من مُجرد التعاطفِ  إلى إبداءِ الرأي،وهو ملعبي المفضلُ. ‏ما الهدفُ من مصارعةِ الثيرانِ في إسبانيا،إحدى دول قارة أوروبا التي ترفعُ شعاراتِ الإنسانيةِ والرحمةِ والعدلِ والرقي؟لو كانت هذه الهمجيةُ الوحشيةُ باسمِ الرياضةِ عربيةً، هل كانت أوروبا ستظلُ صامتةً؟أصبحتُ أتعجبُ ممن يتباهون بصيدِ البطِ ويعتبرونه رياضةً، يفتخرون بصورِهم بالبنادقِ الفتاكةِ وحولهُم عشراتُ الضحايا من البطِ!! هل سيأكلونه، أم سيتبرعون به، أم سيرمونه؟! كيف تتباهى فنانةٌ تريدُ إنسانًا رقيقًا بأن خطيبَهاصيادُ بطٍ؟!‏! ‏وما العائدُ من صيدِ العصافيرِ؟! ما الذي يؤكل في العصفورِ؟!! ‏الحيواناتُ المفترسةُ تصطادُ لتأكلِ، لا منظرةَ ولا تباه

في أحيانً كثيرةٍ، يجعلُ التعاطفُ مع الحيواناتِ الإنسانَ نباتيًا؛ كثيرٌ من المعتقداتِ في دولِ آسيا لا تُجيزُ أكلَ كائناتٍ خلقَها اللهُ مثلما خلقَ الإنسانَ

‏ ‏



لو
لم نَجدْ ما نتعلَمُه من أبنائنا قد نكونُ قصَرنا في تربيتِهم. شكرًا إبنتي العزيزة ...












اللهم لوجهِك نكتبُ علمًا بأن السكوتَ أجلَبُ للراحةِ وللجوائز،،


Twitter: @albahary

الجمعة، 15 أغسطس 2014

مُفتي بالقطعة ... شُهرةٌ ورزقٌ

الوظائف في العالم العربي شحيحة ، لكي تعلو لابد أن تكون مسنودًا مَزقوقًا، إلا إذا كنت من أعضاء الفئة الجديدة، مفتي، مفتي نت مثل فيسبوك وغيره، مفتي قَعدات، مفتي فضائيات، كلُها تندرج تحت بند مفتي بالقطعة، حسب الطلب. وظيفةٌ تتواكبُ مع عصرِ المعلوماتِ والاتصالاتِ، شأنُها شأنُ مطربي الكليبات والمناسبات، شأُن الخبراءِ في كُلِه، وعلى شاكلتِهم المذيعون والمفكرون الجُدُد؛ المفتي بالقطعةِ مُكمِلٍ لهم، الفرقُ في الصنعةِ، في طبيعةِ العمل، في النكهةِ.

المفتي بالقطعة، ليس رجلا فقط، هناك من النساء من اجتزن الحدود، طلَعن لفوق. لا يشترط في الإفتاء شهادةٌ بعينها، كله ماشي، كثيرون تركوا وظائفهم الأصلية لما شح دخلها، غيروا جلدهم، فنانات تركن الفن وتركهن ، تحولن إلى تلك الوظيفة الجديدة، ربحها أكثر، ولو قل علمُهن، ولو كانت لغتُهن العربية تحت الصفر.

الشرط الأساسي في المفتي بالقطعة أن يطرح القضايا الجدلية، في الزواج والطلاق، فيما يتعلق بالمرأة علي وجه الخصوص، في المللِ والديانات الأخرى، في توظيف الأموال، باقي الأمور شعبيتها أقل، مرتبتها متأخرة. يتراوح أسلوب العرض ما بين التجهم والعبوس إلي رسم السماحةِ والدعة وطول البال، كلها أدوات المهنة. أما الزي فحسب الحاجة، هناك المفتي المودرن، الأفرنجي، وهناك أيضا المفتي ذو الزي التقليدي الأبيض واللحية الكثيفة، هادئون أو ثائرون، كلهم يلعبون حواجبهم، يشوحون بأياديهم، يهرشون جباههم، علامات الصدق والتمعن، من وجهة نظرهم وبتعليمات طالب الفتوى.

الفتاوي في الخمس سنوات الأخيرة تفوق في عددها ما أطلق خلال مئات السنين، الفضائيات الاستثمارية تصنعُ المفُتين، وكذلك مواقع التواصلِ على النت، تجارة في تجارة وإعلانات، فتاواهم تتناسب وطبيعة المجتمعات المتكاسلة خصوصا في إعمال العقل ، اندثرت برامج الثقافة وانزوي المفكرون، وصعد أهل الفتوى لفوووق. وراء الصراعات والجدل واللت والعجن، هم موجودون بالقوي. 

أغرَت الأضواء نجوم الفتاوي، زغللت عيونَهم، لعبت الشهرةُ بأدمغتِهم، أو طمعوا فيها، يبشرون الناس بالجنة في الآخرة ويستعجلونها لأنفسهم في الدنيا، يُمَنون بالحور الحسان وفي الحال يحوزون منهن ثلاثا وأربعًا وأكثر، انهمَرَ رزقُهم وفاضَ، فتاواهم علي كل لون، كُلُه بالطلب، برزقـِه.

التكنولوجيا أوصلت العالم المتقدم إلي المريخ، بكل الوضوح والنقاء، بعلماء يقودون للإمام، أما في المنطقة العربية، فالصراخُ والتهديدُ والوعيدُ والمنعُ، بمُفتين بالقطعة، تفصيل، يسحبون للخلف ولتحت، لقاع القاع. 


Twitter: @albahary

الجمعة، 9 نوفمبر 2012

حَجبُ المواقعِ ليسَ من الإنترنت ....


مظاهراتٌ لمنعِ المواقعِ المسماةِ إباحيةٍ وقرارٌ سريعٌ من النائب العام بذلك. لماذا؟ تحقيقاً للفضيلةِ وحمايةً للشبابِ، هكذا قالوا، أمرُ لا يجوز أن يمر مرور الكرام. أولاً، لن تُقبل المزايداتُ على أخلاقياتِ بشريةٍ في صورتِها السويةِ، ومن المؤكدِ أنه يستحيل أن يرضى مواطنٌ بسوء السلوكِ من تحرشٍ وبلطجةٍ وقطعٍ للطريقِ العامِ، مروراً بالدخولِ على المواقعِ الإباحيةِ. أما من الناحيةٍ الفنيةِ، فإنه من الممكنِ منعَ أي موقعٍ على الإنترنت، لكن لفترةٍ محدودةٍ، فمن اليسير جداً أن تُغيرَ المواقعُ الإلكترونيةُ عناوينها وأن يكونَ لها أكثرُ من موقعٍ بديلٍ، وهو ما يجعلُ عبءُ متابعتِها مُكلفاً، إضافةً إلى مهارةِ جيلٍ صنعَ ثورةً من علي الإنترنت في التغلُبِ على كلِ المعوقاتِ وكل محاولاتِ التحاذُقِ عليه.

وإذا كان المنعُ، وهو أسهلَ ما في الحدوتةِ ممكناً لوقتٍ قصيرٍ، فإن مبدأَ المنعِ في حد ذاتِه هو المصيبةُ، لأنه سيبدأ بالمواقعِ الإباحيةِ سُلماً وطريقاً ملفوفاً للتعدي على المواقعِ السياسيةِ والفكريةِ المخالفةِ، وأيضاًعلى الفنون والأدابِ وغيرها وغيرها. هل قام المصريون بثورةٍ على من افترضوا فيهم الخنوعَ والقصورَ والغباء ليظهرَ غيرُهم تحت عباءةٍ أخرى؟! الإنترنت شارعٌ طويلٌ ممتدٌ بلا نهايةٍ، دكاكينُه على الصفين، فيها الجيدُ والردئ، ولكلِ الاختيارُ، حسب تربيتِه وضميرِه. التربيةُ هي المهمة الأصعب والأولى بالاهتمامِ بدلاً من تسطيحِ الأمورِ واختزالِها في شعاراتٍ تغلُفها المزايدة وضيق الأفقُ.


الإنترنت فيه سمٌ قاتلٌ، لكن ماذا عن المخدرات والسجائر والكولة؟ هل نجحَ المنعُ في القضاءِ على المخدراتِ؟ هل قَلَلَت من التدخين الصورُ المقززةُ على علَبِ السجائرِ؟ أين البحثُ الحقيقي عن مشاكلِ الاقتصادِ والديون والأمنِ والإسكان والطعامِ والصناعةِ والزراعةِ والنقل؟! مصر لن تكون كوريا الشمالية ولا أفغانستان ولا إيران، ولا هي دولةً صحراوية الطباعِ والفكرِ.

ثم ماذا؟ يُطارَدُ الفنانون والمُبدعون في المحاكمِ، وتتناثرُ المقالاتُ الصحفيةُ وعبر الإنترنت عن مشروعات القوانين التي تُعَدُ للمنع والتقييد والتكبيلِ والتكميمِ، على الفنانين والصحفيين والُمعدين والمخرجين وغيرهم وغيرهم!! هل ستظهر قوانين تُمنعُ وتجرمُ الفضائيات وأجهزة الاستقبال والهوائيات؟!  وعلى من ستكون ملايين المنع المستحيل في الإنترنت؟ من جيب الشعب أم خصمًا من مُخصصات مشروعات أخرى؟ لقد أتت الأحزابُ المُصنفةُ إسلامية إلى الشارعِ ومجلس الشعب بفضل براعة شباب غَيرَ مصر في 25 يناير ولم يكن تحت يده سوى الانترنت، لقد زادَت اللحى والجلاليب بفضل هؤلاء الشباب، هل يكون الآن الإنقلاب على الإنترنت؟

هل الأجدى أن تُمنعَ دراسةَ الحاسباتِ أصلاً وكذلك إدخالِ أجهزتِها بالَمرة حتى تعمُ الفضيلةُ،؟! أم في المنع عن دخولِ مواقعٍ إلكترونيةٍ بعينِها كفاية؟! هل تُمنعُ أيضًا دراسة الإعلام والفنون؟! هل فكر المنادون بالمنعِ  في كيف يكون دخول الجيل الرابعِ من خدمات الإنترنت إلى مصر؟  لقد عَلَمَ الإنترنت العالم الانفتاح، وغزَت الأقمار الصناعية والاتصالات كل الحُجُب، ألا يفهمون ما يتخطى ما لُقِنوا؟ هل تكون الانترنت والإعلام حلالاً، في بعض الأوقات، لما يُريدون  تمرير ما يرغبون؟!

في كل أنظمةِ التشغيلِ الحديثةِ يمكن منعُ المواقعِ المرفوضةِ في المنازلِ، لماذا إذن التهربُ المتعمدُ عن هذا النهجُ؟ هل التظاهرُ عالي الصوت هدفٌ في حد ذاتِه بدلاً من هدوء المنازل؟! هل المبدأ هو المنعُ الفوقي كبدايةٍ لكلِ منعٍ وتكبيلٍ وتكميمٍ وتقييدٍ؟! على كلِ عقلٍ الاختيارُ والتمييزُ بحريةٍ، بلا وصاية ولا مزايدة، لا مكانَ في عالمِ اليومِ لمن يمنعَ ويسمحَ حسب كيفه ومزاجه ومصلحته. العلم وٍالإنترنت والفكر والفن والإعلام على نفس الوجه من العملة، الحريةُ ليس لها إلا وجهٌ وحيدٌ، بلا تأويلٍ أو تلاعبٍٍ. 



















نُشِرَت بجريدة الشروق يوم السبت ١٧ نوفمبر ٢٠١٢
Twitter: @albahary

الجمعة، 7 سبتمبر 2012

بذاءةٌ وتلفيقٌ …


يتعرضُ الكُتابُ في هذه الفترةِ لسبٍ وتجريحٍ وتلفيقٍ بعد أن خاضوا فيما اِعتُبِرَه البعضُِ مما لا يجوزُ فيه الاِجتهادُ أو الفكرُ.  ولما كانت الصحافةُ الإلكترونيةُ تتميزُ كعصرِها بالسرعةِ في النشرِ والجَرأةِ في العرضِ والتواصلِ المباشرِ مع القارئ فقد وجدتَه ضرورياً أن أتناولَ  ما يرِدُ من تعليقاتٍ في المواقعِ الإلكترونيةِ.

التعليقاتُ هي ردُ فعلِ القارئ علي المقالِ الإلكتروني، بقدرِ ما يكون فيها من هدوءٍ يكون فيها التعقلُ والفهمُ والاستيعابُ، كلما زادت فيها الحدةُ والانفعالُ يكون بعدُها عن الموضوعيةِ والحقيقةِ. من المفترضِ، أن المقالَ في الصحيفةِ الإلكترونيةِ حلقةُ نقاشِ، حوارٌ مفتوحٌ بين الكاتبِ والجمهورِ، عندما يعلو الصخبُ وتتطايرُ البذاءاتُ والتلفيقُ فالظاهرةُ أكبرُ من التجاهلِ، إنهانمطٌ غيرُ سويٍ في التعاملِ، في الإنغلاقِ، في غيابِ التسامحِ مع الآخرين وتقبلهم. مطالعةُ التعليقاتِ بما فيها من تجاوزاتِ تُبعدُ القارئ الحقيقي عن المقالِ الأصلي أو تزهدُه تماماً في قراءةِ أية تعليقاتِ، فالأمرُ أصبحَ سباباً علنياً دون محاولةٍ صادقةٍ للفهمٍ، في أحيانٍ كثيرةٍ، هو سبابٌ من أول كلمةِ في المقالِ، أو لمجردِ اِسم الكاتبِ ولو أبدعَ. العديدُ من التعليقاتِ تأتي من أشخاصِ بأسماءٍ مُفبركةٍ، وبعباراتٍ ركيكةٍ محفوظةٍ مثل لست منهم لكني أقولُ الحقَ، أو زمن الرويبضة، مدفوعون هم لإرهابِ الكُتابِ والإيحاءِ بغلبةِ فكرِ بعينِه، وقد يتطوعون من تلقاءِ أنفسِهم بما يتخيلونَه غيرةً وحميةً للحفاظِ علي معتقداتٍ يعلمُ اللهُ كيف خُزِنت في رطوبةِ جماجِمِهم.

كثيرٌ من الكتابِ ينأون بأنفسِهِم عن المشاركةِ في هذه الأجواءِ العَطِنةِ، مُفضِلين الاِحتفاظِ بفكرِهم لمن يقدِرُه، قد لا يخرجونَه أبداً لنورِ النشرِ الإلكتروني، أو ينشرونَه في الصحافةِ التقليديةِ الورقيةِ ضيقةِ الانتشارِ ولو فيها  قيودٌ علي حريةِ الرأي والتعبيرِ، دأبٌ متأصلٌ في عالمِنا العربي ولو كانت صحفُه صادرةً في غيرِ بلادِ العربِ. اِنسحابُ الكُتابِ من الصحفِ والفضائياتِ يحققُ منفعةَ عُظمي، مُبتغاة، لأنصارِ الحجرِ علي الفكرِ والرأي،  وها قد رأينا كيف تردَت الإذاعة في رمضان بعد أن كانت سلطانةَ ما بعد الإفطارِ.
 
الإحصاءاتُ تؤكدُ أن 16% من سكانِ العالمِ العربي يتعاملون مع الإنترنت، من المؤكدِ أن منهم كُثرً من الشتامين المُلفِقين المَسحوبين. أجواءٌ فيها اِفتعالُ الانفعالِ والغيرةِ، فيها الدونيةُ والسوقيةُ، القراءُ الحقيقيون متباعدون، الساحةُ كالعادةِ يحتلُها ذوو الصوتِ العالي واللسانِ البذيء والدماغِ المُخَوخَة، حقيقةُ واقعنا، أكدتها الصحافةُ الإلكترونيةُ، شكراً لها.

في العالم المحترم، الإنترنت وسيلةُ علمٍ وثقافةٍ، أما عندنا فوسيلةُ بذاءةٍ وسوءِ سلوكٍ وتلفيقٍ، لم نسمعْ عن عقابٍ ولا ملاحقةٍ لمرتكبيها، هل سبُ رئيسِ الجمهوريةِ أولى بالمعاقبةِ من التطاولِ والتشهيرِ بأي مواطنٍ؟  

Twitter: @albahary

الجمعة، 18 مايو 2012

المنع في الإنترنت.. بكم؟ وعلى حساب من؟


طالَبت لجنةُ النقل في مجلس الشعب بمنع المواقعِ الإباحيةِ عن الإنترنت، وسافرَِ وفدٌ منها إلى الإمارات للاستفادة من خبرتِها في هذا المجال. لماذا؟ تحقيقاً للفضيلةِ وحمايةً للشبابِ، هكذا قالوا في حزب النورِ.  أمرُ لا يجوز أن يمر مرور الكرام. أولاً، لن تُقبل المزايداتُ على أخلاقياتِ بشريةٍ في صورتِها السويةِ، من المؤكدِ أنه يستحيل أن يرضى مواطنٌ بسوء السلوكِ من تحرشٍ وبلطجةٍ وقطعٍ للطريقِ العامِ، مروراً بالدخولِ على المواقعِ الإباحيةِ. أما من الناحيةٍ الفنيةِ، وهي الأيسر، فإنه من الممكنِ منعَ أي موقعٍ على الإنترنت، لكن لفترةٍ محدودةٍ، فمن اليسير جداً أن تُغيرَ المواقعُ الإلكترونيةُ عناوينها وأن يكونَ لها أكثرُ من موقعٍ بديلٍ، وهو ما يجعلُ عبءُ متابعتِها مُكلفاً، إضافةً إلى مهارةِ جيلٍ صنعَ ثورةً من علي الإنترنت في التغلُبِ على كلِ المعوقاتِ وكل محاولاتِ التحاذُقِ عليه.

وإذا كان المنعُ، وهو أسهلَ ما في الحدوتةِ ممكناً لوقتٍ قصيرٍ، فإن مبدأَ المنعِ في حد ذاتِه هو المصيبةُ، لأنه سيبدأ بالمواقعِ الإباحيةِ سُلماً وطريقاً ملفوفاً للتعدي على المواقعِ السياسيةِ والفكريةِ المخالفةِ، وأيضاًعلى الفنون والأدابِ وغيرها وغيرها. هل قام المصريون بثورةٍ على من افترضوا فيهم الخنوعَ والقصورَ والغباء ليظهرَ غيرُهم تحت عباءةٍ أخرى؟! الإنترنت شارعٌ طويلٌ ممتدٌ بلا نهايةٍ، دكاكينُه على الصفين، فيها الجيدُ والردئ، ولكلِ الاختيارُ، حسب تربيتِه وضميرِه. التربيةُ هي المهمة الأصعب والأولى بالاهتمامِ بدلاً من تسطيحِ الأمورِ واختزالِها في شعاراتٍ تغلُفها المزايدة وضيق الأفقُ.

الإنترنت فيه سمٌ قاتلٌ، لكن ماذا عن المخدرات والسجائر والكولة؟ هل نجحَ المنعُ في القضاءِ على المخدراتِ؟ هل قَلَلَت من التدخين الصورُ المقززةُ على علَبِ السجائرِ؟ أين البحثُ الحقيقي عن مشاكلِ الاقتصادِ والديون والأمنِ والإسكان والطعامِ والصناعةِ والزراعةِ والنقل؟! مصر لن تكون كوريا الشمالية ولا أفغانستان ولا إيران، ولا هي دولةً خليجيةً في الطباعِ والفكرِ، وما شاهدَه أعضاءُ لجنةِ النقلِ بمجلسِ الشعبِ حال مكوثِهم خارج مصر، ليس لها.

ثم ماذا؟ حَكَمت محكمةٌ على الفنان عادل إمام بالحبس على ما سبقَ أن قدَمَه من أعمالٍ فنيةٍ، بأثر رجعي. وتناثرَت المقالاتُ الصحفيةُ وعبر الإنترنت عن مشروعات القوانين التي تُعَدُ وتُسَبَك للمنع والتقييد والتكبيلِ والتكميمِ، على الفنانين والصحفيين والُمعدين والمخرجين وغيرهم وغيرهم!! هل ستظهر قوانين تُمنعُ وتجرمُ الفضائيات وأجهزة الاستقبال والهوائيات؟! من أى جيب سافر أعضاء لجنة النقل والمواصلات إلى الإمارات؟ وماذا سيكون في حقائبهم حال عودتِِهم؟ وعلى من ستكون ملايين المنع المستحيل في الإنترنت؟ من جيب الشعب أم خصمًا من مُخصصات مشروعات أخرى؟ لقد أتى حزب النور وغيرُه إلي مجلس الشعب بفضل براعة شباب غَيرَ مصر في ٢٥ يناير ولم يكن تحت يده سوى الانترنت، لقد زادَت اللحى والجلاليب بفضل هؤلاء الشباب. هل يكون الآن الإنقلاب على الإنترنت؟

هل الأجدى أن تُمنعَ دراسةَ الحاسباتِ أصلاً وكذلك إدخالِ أجهزتِها بالَمرة حتى تعمُ الفضيلةُ،؟! أم في المنع عن دخولِ مواقعٍ إلكترونيةٍ بعينِها كفاية؟! هل تُمنعُ أيضًا دراسة الإعلام والفنون؟! هل فكرَ أعضاءُ لجنةِ النقلِ في كيف يكون دخول الجيل الرابعِ من خدمات الإنترنت إلى مصر؟  لقد عَلَمَ الإنترنت العالم الانفتاح، وغزَت الأقمار الصناعية والاتصالات كل الحُجُب، ألا يفهمون ما يتخطى ما لُقِنوا؟ هل الانترنت والإعلام يكونون حلالاً، في بعض الأحيان، لتمرير ما يُراد فقط؟

على كلِ عقلٍ الاختيارُ والتمييزُ بحريةٍ، بلا وصاية ولا مزايدة، لا مكانَ في عالمِ اليومِ لمن يمنعَ ويسمحَ حسب كيفه ومزاجه ومصلحته. العلم وٍالإنترنت والفن والإعلام على نفس الوجه من العملة، الحريةُ ليس لها إلا وجهٌ وحيدٌ، بلا تأويلٍ أو تلاعبٍٍ،،

Twitter: @albahary

الجمعة، 30 ديسمبر 2011

دولةُ الخلافةِ …


أذاعَت فضائية BBC يوم الجمعة ٣٠ ديسمبر أن مُرشدَ الإخوان المسلمين صَرحَ في مؤتمرٍ صحفي أن جماعته على وشك تحقيقِ هدفِ مؤسسِها، وهو تحقيقُ دولةِ الخلافةِ. وتصدَرَ صحيفةَ الأهالي يوم الأربعاء ٢٨ ديسمبر ما قالَه أحدُ السلفيين بأن من يخرج على حكمِهم خارجٌ عن الإسلام يجبُ قتالُه. أضف ما نُشِرَ عن هيئةٍ أُنشئت بفعلِ فاعلٍ للأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ. وطبعاً يستحيلُ أن نَغفلَ عن الوجوه التي تنتشرُ في الفضائيات مُسَفِهةٌ كلَ من يخالفُها وكأنه مخالفٌ للشريعةِ، لا معارضاً لهم كأشخاصٍ. المثيرُ للعَجبِ صدورُ التصريحِ ثم نفيه، والتزاحمُ علي المواقعِ الإلكترونية للصحفِ وغيرِها دفاعاً عن أي فعلٍ أو قولٍ من الجماعةِ أو السلفيين ولو كان على خصام مع المنطقِ وطبيعة الشعب المصري الكاره للتطرفِ. لما أُعلِنَ تصريحُ الخلافةِ الإسلاميةِ أو بيانُ هيئةِ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ، إنهمَرَت تعليقاتُ التأييدِ والمباركةِ، وكأن ما كان منذ مئات السنين صالحاً اليوم.

الانتخاباتُ اِعتُبِرَت شيكاً على بياض لأي قولٍ أو فعلٍ أو توجه أو قرار، ولو كان مؤداه إلحاقَ الدمارِ بالدولةِ المصريةِ، كيانُها ووحدةُ أراضيها، وما يزالُ النموذجُ الصومالي وكذلك الأفغاني والسوداني والغزاوي واضحاً تماماً في كيف تكونُ النظرةُ أحاديةً، الحكمُ بأي وسيلةٍ ولو على الأنقاضِ، ولو جلَبَ التعاسةَ والشقاءَ والبؤسَ. متابعةُ ما يُقالُ وينتهَجُ من تصرفاتٍ وممارساتٍ لا تثيرُ إلا قلقاً أكيداً ممن ركبوا الديمقراطيةَ ليجلسوا إلي ما لا نهاية، ليشطحوا ويتجاوزوا وهم بمنأي عن المساءلةِ لأنهم الشريعةُ، كما يظنون. الديمقراطيةُ تعني الاستعداد للنزولِ عن الحكمِ وقتما يشاءَ الشعبُ، والخلافةُ تحصرُ الحكمُ في طبقةٍ أو طائفةٍ بعينِها، وتستبعدُ عنه من سيُصَنفون غير أهلٍ للحكمِ أو لاختيارِ الخليفةِ. الخلافةُ تتناقضُ مع الديمقراطيةِ التي بهم أتَت، كيف نصدقُهم إذن وهم يكشفون وجهاً ثم يُخفونَه وكأننا في حفلٍ تنكري؟! يريدون طولَ البقاءِ لأهدافِهم الخاصةِ، لمصلحتِهم التي يصورونها ويتصورونها للكافةِ، يريدون أن يسحبوا شعباً في عصرٍ ولى فيه جَرَ الشعوبِ من قفاها.

هناك من يُدافعُ عن السلفيين بحجةِ أنهم لا يجيدون الكلام، بأنهم لم يحترفوا السياسةَ، عذرٌ مخادعٌ، هل مطلوبٌ منهم الكذب والملاوعة؟! اليومُ كلامٌ معسولٌ وغداً فعلٌ قامعٌ مدمرٌ!! وكيف يكونُ حسنُ التعبيرِ عن نوايا ليست بالحسنة؟! الأمرُ ليس في التعبيرِ، لكنه فيما تُضمِرَه النفوسُ. انتهَت دولةُ الخلافةِ العثمانيةِ بكارثةٍ أنهَت إلى غير رجعةٍ آخر نموذجٍ لها، وزالَت معها الدولةُ التركيةُ والحكم الديني، عالمُ اليوم أشدُ قسوةً.

مصر ليست خَمارة كما يصرخُ من طَفوا على السطحِ، ليست هي الأرضُ والثقافةُ التي تُحَلِلُ ضربَ النساءَ وشدَهم من شعورِِهم وتجنيبَهم؛ مصر لا تتحملُ حكماً ديكتاتورياً تحت أي مُسمى، يستحيلُ فيها تكفيرُ المخالفين، لا مكانَ فيها للصفوةِ الحاكمةِ، ولا لأي سلطةٍ أعلى تُنَزَه وتُحَصَن تحت أي مسمي،،

Twitter: @albahary

الجمعة، 21 أكتوبر 2011

القذافي .. مفيش غير كده


قُتِلَ القذافي في صباح يوم الخميس ٢٠ أكتوبر، تَعَدَدَت روايات المَشهدِ الآخيرِ، لكن النهايةَ واحدةٌ، يستحيلُ أن تكونَ بصورةٍ أخرى، أقلَ عنفاً أو أكثرَ احتراماً. كلُ المشاهدِ بدءًا من السابعِ عشرة من فبراير اختُزِلَت في مشهدِ الختامِ، بكلِ دراميتِه ومأساويتِه. صفحةٌ من تاريخِ ليبيا طُويت، حَوَت الكثيرَ، وصفحةٌ جديدةٌ على وشك أن تُفتحَ، لا يُعلَمُ كيف ستكونُ ولا إلى ما سَتُفضي. المنطقةُ العربيةُ تمرُ بمرحلةٍ شديدةُ الغموضِ، لم يدرْ بعقلٍ أنها ستزيلُ أنظمةً باطشةً بهذه السرعةِ والإصرارِ. ما يهمُني الآن هو حتميةُ النهايةِ، وانعدامُ البدائلِ، المشاهدُ الكثيرةُ والأحداثُ المتشابكةُ لم تؤدْ إلا إلى خاتمةٍ وحيدةٍ لا مفرَ منها، موتٌ ودمارٌ.

ما يبعثُ على الخوفِ من الغدِ هو عدمُ العملِ من أجلِ تأمينِه، بالفُرقةِ والتناحرِ والأنانيةِ. الحالُ في مصر الآن لا يخرجُ عن محاولةِ الحصولِ على كلِ شئ وأى شئ، على حسابِ الآخرين، بالصوتِ العالي والعافيةِ والعنفِ والبلطجةِ، وكأن القانونَ غيرُ موجودٍ، لم يُكتبْ ولم يُدَرَسْ أو يُدْرَسْ.

مصر الآن في حالةٍ من الفوضى الشاملةِ، تساوى فيها المتعلمُ والجاهلُ، والغني والفقيرِ، اِنعَدَمَت أُسسُ الاحترامِ، بين الأكبرِ والأصغرِ، في المنزلِ والشارعِ والمدرسةِ والجامعةِ، وفي مجالِ العملِ. الإعلامُ يُقدمُ الأمثلةَ علي الانتهازيةَ والجَشعَ، بلا وجلٍ ولا وازعٍ من خوفٍ على بلدٍ في حالٍ شديدِ الهشاشةِ. اللاعبون في السياسةِ كُلُهم من الهواةِ، يتصارعون على بلدٍ وكأنهم فيه بلا شركاءٍ، لا يُراعون اختلافاً في الفكرِ والعقيدةِ والجنسِ، ما يستحوذُ عليهم إلا كيف تكونُ سيطرتُهم، ولو بالمخالفةِ لمنطقِ العصرِ وأوامرِ العالمِ الآن ونواهيه. الشعاراتُ التي صبغَت حقبةَ مضَت يستحيلُ تكرارُها في زمنٍ لا يعترفُ إلا بالأقوى، علماً واقتصاداً، وأيضاً مجتمعياً؛ الصراخُ واستجداءُ الشعوبِ وتسخيرُِها ما عادوا علي مدارِ التاريخِ، قديمُه وحديثْه، إلا بالخرابِ والتقسيمِ ولن يعودوا بغيرِِهما.

منتهى الأنانيةِ وضعفِ الرؤيةِ. تراجعَ التصنيفُ الائتماني لمصر من أثرِ الاعتصاماتِ وقطعِ الطرقِ وتعطيلِ العملِ، وكأن المقيمين فيها في غيبوبةٍ، يريدون المرتبِ آخر الشهرِ ولو لم يجتهدوا سوى في إيقافِ مؤسساتِهم ومصانعِهم. الوحدةُ بين مسلمي مصر ومسيحييها تمرُ بأزمةٍ طاحنةٍ تُهددُ كيانَ الدولةَ، وما تنقطعُ ممارساتُ متطرفيهم في اشعالِ مزيدٍ من النيران منعاً للاقترابِ والتقبلِ المتبادلِ. محاولاتٌ مستميتةٌ للإيقاعِ بين الجيشِ والشعبِ، إساءاتٌ للجيشِ وكأنها بطولةٌ في حدِ ذاتِها. اِنعدَمَ الأمانُ في الطرقِ، تساوى في ذلك النهارُ والليلُ.


من يُشعلُ النيرانَ؟ من لا يريدُ بمصر خيراً؟ هل من إجابة؟ التفاؤلُ بعد الخامسِ والعشرين من يناير غامَ، أخفته غيومٌ قاتمةٌ من القلقِ والخوفِ من الغدِ، المُقدماتُ تؤدى دائماً إلي نهاياتٍ مُتناسبةٍ معها، إنه العلمُ والتاريخُ والسياسةُ والاقتصادُ، لا فهلوةَ ولا فتاكةَ، ولا مفاجآت. هل يستفيقُ كلُ من علي أرضِ مصر؟ هل يقدمُ المثقفون والمتعلمون القدوةَ؟ هل يَقون مصر الفرقةَ والانقسامَ والتدخلات الخارجيةَ؟

نريدُ لمصر مستقبلاً سعيداً متعددُ الخياراتِ، لكلِ مواطنيها؛ لا نريدُها نهايةً حتميةً ومفيش غير كده،،


Twitter: @albahary

الاثنين، 10 أكتوبر 2011

أقباطٌ مواطنون وليسوا أقليةً مهاجرةً …


اشتباكاتٌ دامية بين أقباطٍ حزانى على هدم كنيسةٍ لهم في أسوان، انتهَت بليلٍ دامٍ بعشراتِ القتلي من الجيشِ والأقباطِ. من بدأ؟ غير معلوم. من أطلق النار أولاً؟ غير معلوم. من أطلق النار أصلاً؟ غير معلوم. مصيبة أن تنامَ مصر علي ضحايا أبرياءٍ من أبناءٍ لها تقاتلوا، أو قتلوا سوياً. من أشعلَ هذه النارَ ليس من فلولِ الحزبِ الوطني أو النظامِ السابقِ كما يحلو للبعضِ أن يدعي تكبيراً للدماغِ وهرباً من عناءِ التفكيرِ والبحثِ الأمينِ.

من المؤكدِ أن اعتبارَِ الأقباطِ أقليةٌ سَهَلَ لضعافِ النفوسِ الاستقواءِ عليهم، من المؤكدِ أن ركوبَ ما بعدِ الخامسِ والعشرين من يناير بفعلِ تياراتٍ دينيةٍ أخافَ الأقباطَ ومسلمين كُثر على حدٍ سواءٍ. من المؤكدِ أن المناخَ العامَ في مصر أصبح بعد الخامس والعشرين من يناير باعثاً علي القلقِ والخوفِ من مستقبلٍ يجعلُ مصرَ نسخةً خليجيةً أو صوماليةً أو أفغانيةً أو سودانيةً. من المؤكدِ أن الفكرَ الشعبي ينظرُ للأقباطِ من أعلى، وأن هناك من كرَسَ فيه أن بناءَ الكنائسِ عملٌ آثمٌ، وهو ما يتجلى بمنتهى الوضوح في المناطق الريفيةِ والفقيرةِ التي يتصدى ساكنوها من تلقاءِ أنفسِهم لبناءِ الكنائسِ. من المؤكدِ أن المجتمعَ يعيشُ حالةً من التعصبِ الكريه تبدو جليةٍَ في مباريات كرة القدمِ الترفيهيةِ التي تتحولُ إلى معاركٍ ضاريةٍمن المؤكدِ أن إنشاءَ المساجدِ في أى مكانٍ ولو ضاقَ، وأن احتلالَ الشوارعِ أوقاتِ الصلاةِ، وأن رفعَ ميكروفوناتِها في كلِ الأوقاتِ يثيرُ توتراً اجتماعياً بين الأقباطِ والمسلمين على حدٍ سواءٍ. من المؤكدِ أن عدم تطبيقِ القانونِ مع من يعتدي علي الرموزِ الدينيةِ القبطيةِ ودورِ العبادة والممتلكاتِ المسيحيةِ رَسَخَ في مفهومِهم وفي أدمغةِ الجناةِ أن القبطي مُستباحٌ. من المؤكدِ أن التعاملَ مع القبطي لم يتعدْ اعتبارَِه جزءً من الديكور سواء ببعض الوظائف العليا أو في كنيسةٍ تبنى هنا أو هناك. من المؤكدِ أن التضييقِ علي الأقباطِ في بناءِ الكنائسِ أثارَ غضبَهم المتراكمَ عبر قرونٍ اِعتُبِروا فيها مواطنين درجة ثانية.

التعاملُ مع الأقباطِ إذن لم يكنْ في أي وقتٍ باعتبارِهم مواطنين مصريين لهم نفس ُ الحقوقِ وعليهم نفسِ الواجباتِ، لدرجةِ أن حزب الأخوان المسلمين طالبَ بمقاطعةِ شركة موبينيل المملوكة لقبطي تأديباً له على ما اعتبروه تعدياً علي الإسلامِ وكأنه نرويجي أو دانمركي، وكأن آلاف المسلمين العاملون بموبينيل بلا حقوقٍ في الحفاظِ علي شركتِهم وأكلِ عيشِهم. لهده الدرجةِ بلغَ الأمرُ بمن يريدون حكمَ مصر، فكيف يكون الأمرُ مع المواطنِ العادي قليلِ الحظِ في التعليمِ والثقافةِ؟ الدولةُ في تعاملِها مع أوجاعِ الأقباطِ نسيت القانونَ وتبَنَت شعاراتِ علي شاكلةِ بيتِ العيلةِ الذي لوَحَ به الأزهر، والجلساتِ العرفيةِ، وكلُها بالغةُ الدلالةِ علي أن القانونِ علي جنب فيما يتعلقُ بالأقباطِ، وأن مصر تُحكَمُ بالصوتِ العالي والعافيةِ ولي الذراعِ.

في الإعلامِ والمواقعِ الإلكترونيةِ هناك من يقارنُ بين الأقباطِ في مصر وبين المسلمين في أوروبا، ويمنُ عليهم بأن كفاية عليهم كده، وأن ما يحصلون عليه يفوقُ ما ينوبُ المسلمين في أوروبا، وأن كلَ تضييقٍ علي المسلمين في أوروبا لا بدَ وأن يقابلُه تضييقٌ علي الأقباطِ. منطقٌ مغلوطٌ مُعوجٌ يساوي بين أقباطٍ يعيشون أرضَ مصر منذ آلاف السنين وبين مسلمين هاجروا إلي أوروبا في أعقابِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ طلباً للرزقِ وأكلِ العيشِ؟ مع كلِ الأسفِ أن هذا الفهمَ غير القويمِ له مؤيدوه ومرددوه في أوساطِ المتشحين بشعاراتِ حكمِ مصر باسم الدين، ويتلازمُ معه وجوبُ دفعِ الجزيةِ وإجبارِ المسلماتِ والقبطياتِ علي حدٍ سواءٍ بما يرونه شرعي، مع الترويجِ علناً لكلِ ما يُرادُ فرضُه من قوانين وتشريعاتٍ لا بدَ أن تتسقَ مع الشريعةِ. الأهمُ أن منطقَ الإقناعِ ولغةَ هذا الزمنِ لا تُغيرُ ما بعقولٍ تتصورُ الصوابَ، وأنها لن تتراجعَ عن مخططِاتِها للاسيتلاء علي مصر، أياً كانت العواقبُ.

في خضمِ هذه الأزمةِ التي تهددُ وجودَ مصر، من الواضحِ أن أيادي الظلامِ لن تهدأ وستستمرُ في تخريبِ كل ما هو مصر، من الواضحِ أن السلطةَ في مصر قليلةُ الحيلةِ وأنها مفعولٌ به لا فاعلٌ، وأنها لم تشاركْ في صنعِ الأحداثِ لكنها أشعلتها بصمتِها عن تطبيقِ القانونِ علي الجميعِ، وأن أوجاعَ الأقباطِ لعبةُ مزايداتٍ لسرقة كرسي الحكمِ، ليس إلا، ولا يخرجُ منها ضَمُ قبطي لحزبِ ذي شعاراتٍ إسلاميةٍ. سلطةُ الحكمِ في مصر تُعاني، لا هي قادرةٌ علي تطبيقِ القانونِ، ولا هي قادرةٌ علي مواجهةِ الضغوطِ الخارجيةِ إن هي طبقَته بشدةٍ، ما وجدَت بحوزتِها إلا حيلةَ الضعيفِ، الطبطبةُ.

ما يحدثُ في مصر الآن بالغُ الخطورةِ علي وجودِها كدولةٍ، المجتمعُ الدولي يستحيلُ أن يقبلُ التجني علي حقوقِ الأقباطِ، ولن يُتسامحُ معه بالحقِ وبالباطلِ أيضاً. الأقباطُ شأنهم شأن كلِ ألوان العرقياتِ والمذاهبِ كالأكرادِ والأمازيغ والطوارقِ، ليسوا أقلياتٍ عدديةٍ إنما ركنٌ أساسيٌ في مجتمعاتِهم، وما تزالُ مذابحُ الأرمن في الدولةِ العثمانيةِ تطاردُ الدولةَ التركيةَ، مهما تجمَلَت أو تصورَت أن التاريخَ نَسى.

مصر ليست الدولةَ الصحراويةَ التي تُحكَمُ بفكرٍ أحادى، دينيٍ كان أو سياسى. يستحيلُ أن تُحكَمُ دولةٌ في هذا الزمنِ دينياً إلا إذا كان المطلوبُ تمزيقَها واسقاطَها. حافظوا علي الأقباطِ تسلمُ مصر.

لا مجاملةَ ولا مواربةَ، لا بدَ من منتهى الصراحةِ والمواجهةِ، مش ناقصة،،


Twitter: @albahary