الجمعة، 27 يونيو 2014

بلطجية فوانيس رمضان ليلة التنصيب .. وتمثيليات الإزالة

أقيم في منتصف ليل ٢٠١٤/٦/٨ سرادق عشوائي لبيع فوانيس رمضان وذلك عند تقاطع امتداد أبي داود الظاهري مع شارع الطاقة بالحي الثامن من مدينة نصر، بجوار النادي الأهلي وأمام مدينتي القضاة والمبعوثين. منتهى الفوضى والعشوائية والبلطجة وانتهاز الفرص، وكأن البلد غابة مفتوحة، لا اعتبار فيها لمرور ولا لأمن ولا لنظافة ولا لسرقة فاجرة للتيار الكهربائي، وكلُه ليلة التنصيب والدنيا ضَلمة والناس نايمة والشرطة مشغولة. تخطيط وتكتيك وفتاكة ونصاحة، من أقاموا السرادق شايفينها كده. 

نفس المكان يسكنه كل مناسبة من رمضان أو عيد أو موسم، عند المسلمين والمسيحيين، من يقيم خيمة من بطانيات ويسكن الحديقة الموجودة بالشارع مع مراته وعياله، يبيع طراطير وبمب وحاجات ممكن تقرمش!! هل هناك توصيف غير فعل فاضح في الطريق العام وقلة أدب وتناحة وبرادة وتلامة؟!! 

أصبح أكل العيش عنوانًا للبلطجة، م الآخر كدة. 

هل هناك دولة؟ أم أنها أُسقطت بوضع اليد؟

في السُقوطِ عِظاتٌ وبقدرِ الآمالِ يكونُ الغضبُ

السُقوطُ هو الوقوعُ من عَلٍ، والجديد؟ هو تغيرُ الحالِ من حسنٍ لسيئ، من جاهٍ وسلطانٍ لبؤسٍ وسجونٍ، من عزٍ ورفاهيةٍ لحاجةٍ وفقرٍ والعياذُ بالله. السقوطُ يكونُ لسوءِ التدبيرِ ولغدرِ الزمانِ وقانا الله غدرَه. شَهدَت دولٌ عربيةٌ سقوطَ حكامِها، لكن مصر تفوقَت، أسقَطَت  إثنين منهم في ثلاثةِ أعوامٍ لتدخلَ موسوعةَ القياسياتِ.  لابدَ أن تكونَ العِظةُ  إذن مَظلةَ من يتصدرُ لحكمِها ومفتاحًا لفهمِ طبيعةِ شعبِها بعد أن استغفَلَه من سقَطا. 

العجيبُ، أن الحاكمين الذين سَقَطا تَشابها في أهم أسبابِ السقوطِ، وهي سوءُ الاختيارِ،  سواء كان اختيارُ الوجوهِ التي تمثلُ النظامِ في السلطةِ التنفيذيةِ أو في البطانةِ التي تحيطُ بالكيانِ الرئاسي، ولا أحبُ مصطلحَ مؤسسةِ الرئاسةِ، فهي لم تكنْ  إلا تكيةً، أما الكيانُ  ففيه الصَلِبُ وفيه الهُلامي، وقد كان هلاميًا بامتياز.  أسلوبُ اختيارِ من تَصدَروا للمسؤوليةِ والكاميرات والإعلامِ عَكَسَ فكرًا خائبًا، بالتَجربةِ، مَرَتان مُرَتان.  

في فترةٍ طالَت لحسني مبارك اِنمحى في سنواتٍ قليلةٍ ما قد يُعتبَرُ حسنًا، إنتقاءُ  الوزراءِ والشخصياتِ العامةِ في مجلسي الشعبِ والشورى والجامعاتِ ومؤسساتِ الدولةِ غَلَبَ عليه طابعُ المعاندةِ والمكابرةِ وتأديبِ النَّاسِ، حتى يظهرُ الرئيسُ بطلًا لما يزيحُ متجبرًا عَيَنه بنفسِه على كرسيه؛ من عُيِّنوا كانوا مجردَ أدواتٍ للتجميلِ، تجميلُ سيادةِ الرئيسِ.  وزارتٌ تَدخُلُ كلَ بيتٍ تولاها من حَوَلوا حياةَ المصريين لتوترٍ وقلقٍ ونقمةٍ وعكننةٍ، فكرهوا الوزراءَ والنظامَ كلَه والحاكِمَ الذي عَيَنَهم وثاروا عليه قبل أن يثوروا عليهم. رؤساءُ جامعاتٍ يُخانقون أنفسَهم، وعمداءُ كلياتٍ من الجُبِ نُصِبوا وكأن المحترمين من الكفاءاتِ اِختفوا، لقد اِختفوا فعلًا، لكن من القرفِ. إعلاميون وكتابٌ اِمتهنوا النفاقَ غَيَبوا عن الحاكمِ بأمرِه الحقيقةَ، لم يَنقِلوا له أن النظامَ الذي تُكرَه وجوهُه يَسقُطُ.  أسلوبُ تأديبِ المصريين ومعاندتِهم هو عنوانُ مرحلةٍ طالَت بلا منطقٍ، فثاروا كما يوجِبُ المنطقُ. 

أما في فترةٍ لم تطلْ لمرسي، فقد سادَ منطقُ القبيلةِ، قبيلتي أولًا وأخيرًا، وكأن الشعبَ غَيرُ موجودٍ، ومش فاهم؛ وجوهٌ شتامةٌ كارهةٌ صارِخةٌ زاعقةٌ، انفَتَحَ لها كلُ بابٍ، نَفَّرَت الناسَ من عيشتِها، حتى كان يومُ السادس من أكتوبر ٢٠١٢ القَشَةَ التي أسقَطَت نظامًا خًطَطَ للبقاءِ الأبدي.  في هذا اليوم إحتَلَ مِنصةَ الاِحتفالِ من أفسَدوا عُرسَه وقَتلوا ودَمروا، هكذا عيني عينك، وكأن مصر بلا عقلٍ ولا وعي ولا شعبٍ؛ المصري لا ينسى أبدًا، يتذكرُ ويُخرجُ المستخبي عند الضرورةِ. كلُ أهلِ القبيلةِ من وزراءٍ ومسؤولين لم يخطرْ الرحيلُ ببالِهم، فارتكبوا ما اقترَفَه صنائعُ حسني مبارك من تجَبُرٍ وتجاهُلٍ للمشاعرِ العامةِ، بنفسِ التعامي ونفس الاستغفالِ. 

الآن، الإعلامُ يَجترُ الوجوهَ القديمةَ من وزراءٍ وسياسيين، يُفرِدُ لهم الساعاتٍ، وكأنهم نَجَحَوا وأنجَزَوا؛ هل لجذبِ الإعلاناتِ؟ هل هي بالوناتُ اِختبارٍ لجَسِ نبضِ تجربةِ عودتِهم من تاني؟! هل هي وصايةٌ وكأنهم مستودعُ الحكمةِ والخبرةِ؟!  تَجمعاتٌ طفيليةٌ من وجوهٍ سابقةٍ كُرِهَت ورُفِضَت تسطو على المشهدِ بتجمعاتٍ فارغةٍ مثل جبهةِ حُماةِ الثورةِ، والدبلوماسية الشعبيةِ، وتجمعُ كذا وهيئة كذا، وكُلُه باسمِ الثورةِ وفي حبِ مصر!!

لمن يحكُمُ مصر، البطانةُ قبل الطريقِ، للنِفاقِ مُحترفوه،  وللوصولِ بأي طريقٍ ناسُه، طولُ بقاءِ أشخاصٍ ليس مبرِرًا لاستمرارِهم، هناك من طالَ بهم الأمدُ لعقودٍ، كلُ لجانِ المجلسِ الأعلى للجامعاتِ وشللياتِ الوزراءِ السابقين، كلُ لجانِ التربيةِ والتعليمِ، وغيرُها وغيرُها، يتغيرُ رأسُ الدولةِ مَرةً من بعد مَرةٍ وهم باقون، وزراءٌ سابقون يُخَطِطون للتعليم العالي لعام ٢٠٢٠!!  ليه، وبأمارة إيه؟!! حاجة تِفقع.  

نظامٌ جديدٌ، لا بدَ أن يَكسِرَ الدوائرَ المُغلقةَ التي تُسيطرُ على القرارِ وتتداولُ فيما بينَها الكراسي، حتى يبقى كل من فيها في السلطةِ والمنفعةِ.  شعبُ مصر فقدَ قدرتَه على الصبرِ، أصبحَ مَلولًا غضوبًا من فرطِ ما تَحملَ وانتَظرَ، الرِهانُ على صبرِه وشدِ حزامِه يستحيلُ، لكنه فقط في كيف يُتَقى غَضَبُه،،

المصريون يَذرُفون الدمعَ في حبِ وطنِهم، لكن دموعَهم عزيزةٌ في مواجهةِ الظلمِ والتجَبُرِ والاستبدادِ،،

مُتَلَطِعٌ ونَطْعٌ

المتلطعُ هو الواقفُ على الأبوابِ والموائدِ دون دعوةٍ، يريدُ المنفعةَ وملءَ البطنِ  بأية وسيلةٍ، ولا يَهمُه أن يُهانَ بكلمةٍ أو نظرةٍ. أما النَطعُ فهو المُتَشَدِقُ في الكلامِ، بُقٌ كبيرٌ والسلام.  خَطَرَ المُتَلَطِعُ والمُتَنَطِعُ ببالي وأنا أشاهدُ الانتخاباتِ الرئاسيةَ، اليومُ يومُهم، والفرصةُ لهم، هكذا يرون، غصبًا عن الرأي فيهم، والاحتقارِ والقَرفِ، ذَكَروني بأنفسِهم في أزمنةٍ وأمكنةٍ ليست بالضرورةِ سياسيةٍ. المتلطِعون والأنطاعُ يظهرون في كلِ التجمعاتِ بالوجه الذي يناسبُها، شابًا أو حكيمًا، وكذلك باللسانِ، ثائرًا أو عاقِلًا، وأيضًا بالصوتِ، أحيانًا صارخًا وأخرى خفيضًا،  لكل ِ مقامٍ مقالُه ولكلِ زمانٍ شعاراتُه وحركاتُه وتمثيلياتُه ومسرحياتُه وأفلامُه وأشعارُه وأزجالُه. 

المتلطِعون والأنطاعُ يستشعرون الاتجاهَ العامَ وعليه يضبطون الإيريال، قرون استشعارُهم تتجه نحو الزحمةِ الرائجةِ، إذا تطَلَبَ الأمرَ أن يكونوا شبابًا، فهم الشبابُ كلُه، وإذا  كانت الضرورة تحتاج شعرًا أبيضًا فهم جاهزون وما أحلى وأسهل لو كانوا صُلعًا؛ يهاجمون ويدافعون، يثورون ويفورون حسب القَعدة والتَجَمُع، لا لونَ لهم، المهمُ منفعتُهم الخاصةُ، كرسي أحلامِهم هو هدَفُهم الوحيدُ من أي لمَةٍ وتحت أي شعارٍ ولافتةٍ. من انتهى زمانُهم ومن يريدون أن ينهبوا ما يظنونه زمانَهم وآوانَهم ودورَهم، هم أبطالُ فيلمٍ ردئٍ ما له من عنوانٍ إلا المتلطعُ والنطعُ. 

وزراءٌ، سياسيون، إعلاميون انتهى زمانُهم  وعمرُهم الافتراضي قَبوا من جديدٍ، مُرتَزقةٌ ومنافقون من كلِ لونٍ، من الجامعاتِ والإعلامِ ومن غيرِها، يَرونها فرصةً لتَصَنُعِ الشبابِ والثوريةِ، وكلُ رصيدُهم لا  يحتوي إلا النفاقَ والادعاءَ والكذبَ والتلون. من لزوم الشبابِ والروشنة التلَطُعُ على فيسبوك، المتنطعون إذن هم الشبابُ كلُه ومفيش مانع أبوه وأمه، كلامُهم الزائفُ وثوريتُهم المُزورةُ وحكمتُهم الخبيثةُ، تفضحُهم وكذلك سخافتُهم ولزوجةُ دمِهم بما يتجاوزَ المعتادَ. بالمناسبةِ كم تجمعٍ حملَ اسمَ حُماةِ الثورةِ ومجلسِ أمناءِ الثورةِ؟! ليه وبأي أمارةٍ، خناشيرًا كُنْتُمْ أو شبابًا؟!

المتلطِعون والأنطاعُ تجمعُهم صفةً لا بدَ منها، وهي تَصَورُ الألمعيةِ والذكاءِ وتغفيلِ الآخرين، قمةُ الغباء، مفهومين ومفقوسين، تاريخُهم وكلامُهم وحركاتُهم في كلِ ذاكرةٍ، لكنهم من غبائهم الشديد لا يفهمون أن الكلَ يعلمُ أنهم متلطعون أنطاعٌ.  

لكن، الأهمُ آلا ينالُ أي متلطعٍ ونَطْعٍ مرادَه،،



Twitter: @albahary