الجمعة، 14 يونيو 2013

إلى اللجانِ العلميِة للترقياتِ بالجامعاتِ .. لا عِصمةَ في العلمِ


بَذَلَ المجلسُ الأعلى للجامعاتِ جَهدًا كبيرًا لتشكيلِ اللجانِ العلميةِ الدائمة، استجابَ للشكاوى من أخطاءٍ عدة في كشوف أعضائها، ووضعَ بقَدرٍ حدًا لتأبيدِ عضويةِ تلك اللجان، وحددَ وفق المستطاعِ معاييرًا لتقويمِ الوزنِ العلمي للدوريات والمؤتمراتِ العلميةِ، كما مَدَ سنةً انتقاليةً لتطبيقِ القواعدِ للجديدةِ للترقياتِ على المتقدمين لها. الكمالُ مستحيلٌ، لكن المحاولةَ لازمةٌ. لكن ما لا تستطيعُ أي قواعدٍ تغييرَه هو ما في النفوسِ، مع الأسفِ. 

من أعضاء هيئاتِ التدريسِ بالجامعاتِ، ليس كلُهم، من يرون أن كِبَرَ السنِ ومرورَ الزمنِ على الأستاذيةِ يضفي عليهم قداسةً تعصمُهم من الخطأ، فما يضعون عليه أسماءهم من مقالاتٍ لا يجوزُ تحكيمُها ولو تدنى مستواها، وحتى لو نُشِرَت في دورياتٍ ضعيفةِ القيمةِ. مسلكٌ لا علمَ فيه ولا مراعاةً لوقارٍ يفرضُه العلمُ والسنُ، على حدٍ سواءٍ،  مع أنهم يتقبلون بمنتهى رحابةِ الصدرِ رفضَ أعمالِهم خارج مصر ولو تدنى مستوى المجلةِ أو المؤتمرِ الذي تقدموا له. وستقودُنا العصمةُ التي ُيريدُ البعضُ فرضَها على نفسِه بما يجافي العلمَ إلى نقطةٍ سنعرضُها لاحقًا. لذا فإنه من غير المقبولِ أن يؤدي تصورُ العِصمةِ إلى أن تكونَ أسماءٌ بعينِها، على مقالاتٍ يتقدمُ بها محتاجو الترقيةِ، جوازًا لمرورِ أعمالِهم، من منطقِ لي ذراع اللجانِ العلميةِ ومُحكمي تلك الأبحاثِ. نحن في فترةٍ تغيرَت فيها النظرةُ للأكبرِ، وواجبُه أن يتعِظَ ويجعلَ سِنَه كابحًا له حمايةً من نظرةٍ أو كلمةٍ لن تُكبَحَ، ولن تَرحَم؛ وقد نَصحَ عمر بن العزيز من هو أكبر أن يُعِينَ الأصغرَ على توقيرِه، بالتواضعِ في المقامِ الأولِ. لا حَرجَ في العلمِ ولا في ابتغاءِ المصلحةِ، فالبحثُ العلمي مستقبلُ بلدٍ يئنُ من ممارساتٍ خاطئةٍ أشعلَت ثورةً ويستحيلُ أن تستمرَ على خطئها في أي مجالٍ. 

وإلى النقطةِ التي وعدنا بها.  فقد اقترحَ المجلسُ الأعلى للجامعاتِ تقويمًا للدورياتِ المحليةِ التي تصدرُها الكلياتُ، وعلى الرغمِ من المجهودِ الذي يُبذلُ للارتفاعِ بمستواها إلا أن طريقَها إلى القارئ العلمي في العالمِ لا يزالُ طويلًا. لكن مع غيابِ الشفافيةِ والتجردِ ظهرَ من ينادي بمعاملةِ تلك الدورياتِ باعتبارِها عالميةً لمجردِ أنها طُبِعَت بمقابلٍ من خلالِ ناشرٍ عالميٍ أعلَن صراحةً أنه غيرُ مسئولٍ عن محتواها. وهو أمرٌ شبيهٌ بطباعةِ صحفٍ مستقلةٍ ومعارضةٍ، على مسئوليةِ محرريها، في مطابعِ الأهرام أو الأخبار أو الجمهورية. تفتقرُ الدورياتُ المحليةُ تلك التحكيمَ المحايدَ، فالمسئولُ عن تحريرِها يختارُ لنفسِه من يُحكمون مقالاتِه، وهو دائمًا تحت ضغطِ من يرون أنهم من أهلِ العِصمةِ لتمريرِ مقالاتٍ عليها أسماؤهم، بسرعةٍ وطبعًا سيكونُ تحكيمُها محلَ تساؤلٍ. أمام الدورياتِ المحليةِ مشورًا لتكون على قائمةِ المصداقيةِ العلميةِ، والعيبُ أساسًا فينا. 

التساؤلُ الواجبُ الآن، هل اللجانُ العلميةُ الدائمةُ نقاباتٌ اجتماعيةٌ أو مهنيةٌ؟ بمعنى أن هل ممثلو كلِ كليةٍ باللجانِ مُختارون للدفاعِ عن المتقدمين منها، ولو تواضَعَ مستواهم العلمي أو أهملوا؟ يقينًا، عضوية اللجانِ العلميةِ الدائمةِ ليست مَغنمًا يُستثمرُ ولا هي جَميلٌ يُمَنُ به على المتقدمِ ولا هي انتقامٌ منه. المجلس الأعلى للجامعاتِ مهما وضعَ من قواعدٍ لن يُصلحَ ما بالنفوسِ، لكن من اللازمِ، أن نَرفعَ هذه الأمورَ ونركزُ عليها، حرصاً على العدالةِ بين المتقدمين للترقيةِ، فصالحُ أي وطنٍ في العدلِ وتقدمُه في البحثِ العلمي الحقيقي. 

هل من الضروري أن يكونَ هناك ميثاقُ شرفٍ يُقسمُ عليه أعضاءُ اللجانِ العلميةِ؟ الآن، القضاءُ يُحاسَبُ ويطورُ نفسَه، بضغوطٍ من كل اتجاهِ، واللجانُ العلميةُ ليست بالمعصومةِ.  البحثُ العلمي لا يعرفُ إنت مش عارف أنا عندي كم سنة أو انت ناسي أنا مين، أنه لا يعرفُ أسماءًا توضع "فِردةً" على مقالاتٍ، إنه لا يعترفُ إلا بالتعبِ والسهرِ، لا عصمةَ فيه، فيه التواضعُ.

 بالمناسبةِ، لكلِ من افترضَ في نفسِه العصمةَ لمرورِ الزمنِ،  هل كل أغاني عظماءِ الفن، أم كلثوم وعبد الوهاب، على نفسِ المستوى؟ مستحيل، منها ما لم يُقبلْ، عادي ..

الآن، ليس في مصر معصومين، ولو كان هناك من توهَمَ وادعى،،


Twitter: @albahary

الثلاثاء، 11 يونيو 2013

التَهييضُ .. في الجامعاتِ أيضًا

هَياضٌ، شخصٌ مبالغٌ، يجعلُ من الحبةِ قبةً، ومن النملةِ فيلًا، ومن الخلِ عصيرَ أناناسٍ. التهييضُ إذن هو المبالغةُ في ذكرِ الإنجازاتِ، الشخصيةِ منها بالذاتِ، وهو لي الحقائق بما يظهرُ الأشياءَ بغيرِ حقيقتها، فيضخمُها ويخفي أو يقللُ من عيوبِها ومساوئها. وللهياضِ جوقتُه من المنتفعين الذين يلتفون حوله ترويجًا، وخللي حمادة يلعب. التهييضُ فيه الكثيرُ من فشرِ أبو لمعة الذي كان يشكلُ فريقَ كرة قدمٍ منه وحده في كل المراكز، وفيه من هَجصِ شجيع السيما الذي كان يضربُ دستةِ أشرارٍ واقفين في طابور الضربِ ويُكوِمُهم واحدًا بعد الأخر.  

وقد ارتبطَ التهييضُ بكلِ من تولى مسئوليةً واستمرأ الكرسي، وأيضاً بكل من هفا وجدانُه لكرسي وبه هامَ عشقًا. كم شاهدنا وحفظنا حركاتِ من بنوا مشاريعًا وما كانت إلا من رمالٍ، وبنوا مصانعًا وما كانت إلا لقشٍ، أوهموا بها شعبًا، وسخروا لها من يَشيدُ ويمدحُ، لعبةُ مصالحٍ، ونَفْعٌ واستَرزاقٌ. لقد عاشَت مصر تاريخًا طويلاً مع التهييضِ بدأ لما كان الفرعون يبني باسمِه وبوضعِ اسمِه مكان أسماءِ من سبقوه، حتى يأتي من بعدِه ويحذو حذَوه. للتهييضِ في مصر نوادرٌ منها تصريحاتُ المسئولين عن استصلاحِ أراضٍ وتوفيرِ فرصِ عملٍ بما يفوقُ المنطقَ والممكنَ والمتاحَ. التجميعُ صُوِرَ صناعةً، والتقليدُ أُظهِرَ ابتكارًا، الصمُ والحفظُ في المدارس والجامعات أصبحا من علاماتِ العبقريةِ. 

التهييضُ ليس على مستوى الدولة الرسميةِ فقط، لكنه أيضًا على المستوى الشعبي، فصاحبُ الدكان يعلقُ أعلاه لافتة سوبرماركت، وسائقُ سيارة ١٢٧ قديمة يضعُ عليها علامة مرسيدس، وعربةُ الفول تكونُ بقدرةِ قادرٍ مطعمًا،  الفول فيها هو الكهرمان واللوز، ماشي إن كانت تحليةَ معيشةٍ وتجَمُلًا بلا كذبِ. أي عازفٍ هو موسيقارٌ، أي مُغنٍ هو أميٌر وكروانٌ وبلبلٌ، أي مُمثلٍ هو نجمٌ، أي لاعبِ كرةٍ هو ميسي، أي مقدمِ برامجٍ هو الرأيُ العام، كلُ من كتبَ كلمتين هو مفكرٌ، كلُ من أطالَ ذقنَه هو شيخٌ وحاجٌ، وكلُ من صاحَ صيحتين هو ثائرٌ. 

الجامعةُ جزءٌ من المجتمعِ، من ثقافتِه، فيها كلُ عِلاتِه، من أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ بالجامعاتِ من يُهَيِّضون، يُهَجِصون، لم تمنعهم دراستُهم من الوقوعِ في فخِ التهييض، الدوريات متوسطة المستوى التي تصدرها الكليات يريدون اعتبارُها عالمية حتى لو نَدُرَ قراؤها، يَدَّعون أبحاثًا ومعاملًا واسهاماتٍ. مع الانتخاباتِ في الجامعات، مثل كلِ انتخاباتٍ، يكونُ التهييضُ حرفةً، وسيلةً، لا بدَ من حركاتِ الإنجازاتِ، من تمثيلياتِ الافتتاحاتِ، من الحَليَطةِ للكلِ، من الإنحناءِ للأصغرِ، هكذا تكونُ الثورةُ. من يُهيضُ قد تكونُ على رأسِه بطحةٌ، يُضخمُ ويُفخمُ حجبًا لأخطاءٍ ومزالقٍ. 

مجتمعٌ التهييضُ ركنٌ في حياتِه، يضحكُ على نفسِه، لا على غيرِه، مفهوم ومهروش ومفقوس، للأسف أنه لا يعرفُ،،

Twitter: @albahary