الجمعة، 29 مايو 2009

سوزان تميم..القُتل بالمجانِ


حكَمت المحكمةُ بإعدام هشام طلعت ومحسن السكري، كونَت قناعَتَها وقررَت، المُدانُ الأولُ بالغُ الثراءِ، من كبارِ الحزبِ الوطني الحاكمِ. في انتظارِ رأي المفتي، بدأت حربٌ معلنةٌ، بدون خجلٍ ولا وجلٍ، تبارَت الفضائياتُ وبعض الأرضياتِ في استجلابِ من يُهاجمون حكمِ المحكمةِ والقاضي، دخلوا المناطقِ المحظورةِ، المسألةُ حياةٌ أو موتٌ. محاكمةُ أهلِ السلطةِ والثراءِ غيرُ مألوفةٍ، ووقوفُهم خلفَ القضبانِ يُثيرُ الشكوكَ في الجديةِ والحيدةِ، لم يصلْ المجتمعُ للقناعةِ بأن القانونَ فوقَ الكلِ، وعلي الجميعِ، المجتمعُ ليسَ مصرَ وحدُها، إنه كلُ من لهم فضائياتٌ علي أرضِها.
الفضائياتُ وقودُها الأموالُ، تُحركُها، تصنعُ قضاياها، شركاتُ المُدانِ الأولِ ترعي منها من ترعي بإعلاناتٍ سخيةٍ، من الطبيعي أن تفتحَ وقتَ استوديوهاتِها واسعاً للمحامين والأهلِ، للنقدِ والتهجمِ علي المحكمةِ، انهمرَت الفتاوي للتأثيرِ علي جهازِ المفتي. مذيعو الفضائياتِ، ظاهرةٌ في عالمٍ إعلامي محدودِ النظرةِ والفكرِ، يتصورون في أنفسِهم الألمعيةَ والثقافةَ التي يفتقدُها الجميعُ، يطرحون قضاياً وهميةً، ما يهمُهم الظهورُ، وجلبُ المالِ الذي به تُجدَدُ عقودُهم السخيةُ. مئاتُ القضايا مرَت دون هذا الضجيجِ، أكثرُ تعقيداً وغموضاً، من حظِ أطرافِها أنهم من أهلِ المجهولِ، لا يُسمعُ عنهم إلا بعدِ تنفيذِ الأحكامِ.
أبوابُ بريدِ القراءِ في مجملِها تقفُ مع العدالةِ، يُسيئُها ما يُصيبُ المحكمةِ، لكنها في قليلِها تفضحُ ما بداخلِ المجتمعِ من تفرقةٍ وتمييزٍ وطبقيةٍ. بعضُ القراءِ، من تلقاءِ أنفسهِم أو بدونِه، تعاطفوا مع المدانين، هم من خيرةِ الشبابِ، أخطأوا لكن لو مُنِحوا فرصةً أخري فسيكونوا مواطنين مختلفين، صالحين، أعطوهما وحدَهما حقَ تغييرِ مسارِ حياتِهم. المجني عليها لم تصلْ للدرجةِ التي تجعلُ من الإعدامِ عقابُ قتلِها، آراءٌ حُمِلَت بفتاوىٍ، من عهودٍ ومجتمعاتٍ لا قيمةَ فيها للروحِ البشريةِ.
المالُ يُحاكَمُ في هذه القضيةِ، وكذلك السلطةُ، في مجتمعاتٍ قبليةٍ يختلفُ العقابُ باختلافِ الجاني. الناسُ غيرُ مصدقةٍ أن هذه القضيةَ ستنتهي كغيرِها، بحكمِ المحكمةِ وحدِه؛ معهم الحقُ، من سبقَ وحكمَت محكمةٌ باعدامِه لقتلِ شابتين في مدينةِ السادسِ من أكتوبر يصرخُ بأنه خروفُ الأغنياءِ، هكذا لقَمَه محاموه، يلعبون علي وترِ الطبقيةِ ولو علي حسابِ ضحيتين بريئتين غُدِرَ بهما. محاكمتان فضحتا مرَضَ مجتمعاتٍ، محاكمةُ فقيرٍ غادرٍ، ومحاكمةِ غنيٍ فاجرٍ، القضيتان في منتهي الوضوحِ، حلَهما تقدمُ العلمِ والتكنولوجيا.
العدالةُ لا تعرفُ مراكزاً ولا صفاتاً، في الجاني والمجني عليه، القصاصُ حقٌ للمجتمعِ كلِه، وإلا لكان القتلُ مباحاً مغفوراً، بالمزاجِ، بالمجانِ،،

الثلاثاء، 26 مايو 2009

الهندسةُ الأدبيةُ .. ومحنةُ التعليمِ الحكومي والاستثماري


اجتمعَ مجلسُ الجامعاتِ الخاصةِ برئاسةِ الوزيرِ المسئولِ عن التعليمِ العالي والبحثِ العلمي، تمخضَ الاجتماعُ عن السماحِ لطلابِ الثانويةِ العامةِ من شعبةِ العلمي المتأدبِ بالالتحاقِ بكليات الهندسةِ علي أن يستكملوا ما ينقصُهم من موادِ الرياضياتِ والفيزياءِ خلال العام الجامعي الأول. لماذا؟ لأن نسبةَ "الإشغالِ" لم تتعدْ السبعين في المائة!! هكذا بمنتهي البساطةِ، يكون التغاضي عن أساسياتٍ من أجلِ حفنةِ أموالٍ لابدَ من جمعِها، المشروعُ الاستثماري يجبُ أن يستوفي "إشغالاً" وكأنه فندقٌ أو سوبرماركت، لا تعليمَ ولا غيرَه.
هذه الصورةُ يُكملُها قرارُ الكويت بمنع طلبتِها من الدراسةِ في جامعاتٍ خاصةٍ ترفعُ شعاراتِ الأيزو والجودةِ وغيره وغيره، لكنها واقعاً مجردُ أنديةٍ للترفيه عن الطلبةِ وتفصيلِ المناهجِ علي مقاسِهم ومزاجِهم، وفي النهايةِ بعد أن تنتهي أعوامُ الترفيه تُقام لهم حفلاتُ تَخَرُجٍ، صاخبةٌ راقصةٌ، يحصلون في ختامِها علي شهاداتٍ مُذَهبةٍ ملونةٍ، لا تساوي أكثر من أجرِ من خطَها وتكلفةِ الورقِ. فضيحةٌ، تعامي المسئولون عن التعليمِ العالي و"الجودةِ" عنها، تصوروا أن زفةَ الجودةِ والإعلاناتِ ستعمي الأبصارَ وتزعلُلُها، تغافلوا عن مافيا الجامعات والمعاهدِ والأكاديمياتِ الخاصةِ، لم يُراقبوا ولم يحاسبوا، رضخوا حتي ترتفعُ نسبةُ "الإشعالِ".
آثارُ التعليمِ الاستثماري انتقلَت إلي الجامعاتِ الحكوميةِ، في ظلِ قياداتٍ تولَت مسئوليةِ الكلياتِ بلا كفاءةٍ إداريةٍ ولا فكريةٍ، انتشرَ ما أُطلِقَ عليه التعليمُ المميزُ، بكلِ ما في التعليمِ الاستثماري من مثالبٍ وخطايا، لا أخلاقَ ولا احترامَ للمؤسسةِ التعليميةِ ولأساتذةِ الجامعاتِ، موادٌ مُخففةٌ منزوعةُ الفائدةِ، سهلةُ الهضمِ، قشريةٌ تافهةٌ، الامتحاناتُ تُعادُ وتُعادُ حتي ينجحُ الطلبةُ الباشواتُ، أعمالُ السنةِ تستحوذُ علي النسبةِ الأكبرِ من المجموعِ، لا بدَ من ضمانِ النجاحِ، الفرافيرُ مزاجُهم عالٍ. التعليمُ المميزُ في الكلياتِ لا يُعرفُ موقعُه من الجودةِ، لا يُعرضُ علي مجالسِ الكلياتِ والأقسامِ، يُحركُه العمداءُ من وراءِ أبوابٍ مُغلقةٍ.
وإذا كانت الهندسةُ الأدبيةُ تؤكدُ علي تخريبِ التعليمِ الهندسي، فإن غيابَ الحقيقةِ أدي إلي انتشارِ معلومةٍ لو صحَت فإن مهنة الهندسةِ ستتعرضُ لضررٍ كبيرٍ، فالمخططاتُ تُشعشِعُ فجاةً من بعضِ الأدمغةِ، بمنأي عن جموعِ العاملين في التعليم الهندسي ودون استشارتِهم، طبعاً فأهلِ الخلطةِ السريةِ في وزارةِ التعليمِ العالي و"الجودةِ" هم الأعلمُ والأكثرُ فهماً وعلماً، شأنُهم شأن من أُدخِلوا في اللجانِ العلميةِ للترقياتِ دون مبرراتٍ ومؤهلاتٍ مميزةٍ. أحدثُ التفتقاتُ سرَت بسرعةِ البرقِ في أوساطِ كلياتِ الهندسةِ، الدراسةُ ستكون لأربعِ سنواتٍ لا خمساً!! لماذا؟ حتي تُتاحُ للطلابِ فرصةُ التخصصِ من خلالِ دبلومةِ دراساتِ متخصصةٍ بعد التخرجِ، لا يصحُ بدونِها ممارسةُ المهنةِ. المثلُ عندَ أهلِ التفردِ والأفكارِ في أوروبا وأمريكا، كالعادةِ علينا أن نقلدَ حتي لو افتقدَ الطلابُ عندنا التعليمَ الثانوي الحقيقي، الذي يُعدُهم للجامعاتِ، الذي لا يحشي عقولَهم بغُثاءٍ فوقَ غُثاءٍ. المرحلةُ الإعداديةُ في كلياتِ الهندسةِ تستكملُ ما نقصَ في المرحلةِ الثانويةِ وتجهزُ الطالبَ بنهجٍ مختلِفٍ. في ظلِ غيابِ الحقيقةِ أتمني أن يكون ما تسرَبَ علي غيرِ صوابٍ، كفانا تقليداً أعمي، كفانا انغلاقاً علي أفكارٍ تدبرُ في جنحِ الليلِ.
خرجَت جامعاتُنا من قائمةِ الخمسمائة جامعةِ الأهمِ، بأي أمارةٍ ندخلُها؟ ولو رتبوا أيضاً الخمسة آلاف. هل يتحولُ القردُ دون جواناً إذا ارتدي بدلةً سموكنج وصيديري؟ إذا نجحَ فسنفلحُ في الجودةِ وفي كلِ ما ينبثقُ وينبلجُ من تجلياتٍ وتنحنحاتٍ وإلهاماتٍ،،