الجمعة، 18 أكتوبر 2019

‏... في التاريخ


الأعلى،الأكبر ، صيغُ تفضيلٍ شاعَت دون أن تستندَ في أحيانٍ كثيرةٍ على حقيقةٍ. الفيلمُ الفلاني حققَ أكبرَ إيراداتٍ في التاريخ. لو عَلَمنا أن تذكرةَ أفخرِ دارِ سينما كانت جنيه واحد عام ١٩٨٠، بينما سعرُها الأن ٨٠ جنيه، لتَيقَنا من قدرِ المُخادعةِ بعد أن زادَ سعرُ التذكرةِ ثمانين ضِعفًا. مائة ألف مشاهد عام ١٩٨٠ لن يتعدى إيرادُ تذاكرهم ١٠٠،٠٠٠ جنيه، بينما الآن ١،٢٥٠ مشاهدًا فقط يحققون نفسَ الإيراد!! أي أن عددًا أقلَ من المشاهدين على الرغمِ من زيادةِ عددِ السكانِ يحققُ نفسَ الإيرادِ!! ولو كانت التذكرةُ قبل التعويمِ بعشرين جنيها فإن ١٠٠،٠٠٠ مشاهدًا كانوا يحققون إيرادًا قدرُه ٢ مليون جنيه، وهو ما يحققه الآن عددُ ٢٥،٠٠٠ مشاهدًا فقط!!

المبالغةُ إذن فيها من الاِستخفافِ الشئُ الكثيرُ. لحسابِ الإيرادِ حقًا لابدَ من اِعتبارِ انخفاضِ سعرِ العملةِ مع الزمنِ إما بنبستِها للدولارِ أو للذهبِ. أما مُجردُ الحسابِ بأرقامٍ مطلقةٍ فلا معنى له، بل أنه من العَيبِ أن يكونَ نهجَ تفكيرٍ. ولو كانَ عددُ المشاهدين هو المعيارُ، لا إيرادَ التذاكرِ، فإنه لابدَ أيضًا من نسبتِه لعددِ السكانِ؛ مائة ألف مشاهد من ٤٠ مليون مواطن عام ١٩٨٠ غير مائة ألف مشاهد من ١٠٠ مليون مواطن اليوم. مائة ألف مشاهد عام ١٩٨٠ تناظر ٢٥٠،٠٠٠ مشاهد اليوم، أو بمعنى آخر لو شاهد الفيلم ١٠٠،٠٠٠ مشاهد اليوم فإن ذلك يناظر ٤٠،٠٠٠ مشاهد فقط عام ١٩٨٠

المواطنُ واعٍ ومُدركٌ، ينتقي مصادرَ المعلوماتِ ويصنُفها، يستبعدُ ويقاطعُ المفبركاتية. لكن هناك من لا يُقدِرون ذكاءه ويستسهِلون باعتبارِهم خبراءٌ في دهان الهوا. اللافتُ أن الأكبرَ والأعلى في التاريخ أصبحَ أسلوبًا لعددٍ كبيرٍ من المسؤولين ووسائلِ الإعلام. اِكتشافُ الحقيقةِ ليسَ بالعسيرِ في زمن الإنترنت الذي لا يَنسى ولا يُخدَعُ، هل يَعون؟ 

لست ضد السينما ولا ضد أي إنجازٍ حقيقي

اُتركوا التاريخَ في حالِه، الكبير كبير ...


اللهم اللهم لوجهِك نكتبُ علمًا بأن السكوتَ أجلبُ للراحةِ والجوائزِ،،


نُشِرَت بجريدة السبورة يوم السبت ٢٤ أغسطس ٢٠١٩ 

Twitter: @albahary

الخميس، 17 أكتوبر 2019

مؤلف داعشي …


نشرَت مطربةٌ معروفةٌ أغنيةً لها على يوتيوب جاءَ من ضمنِ كلماتِها " بعد ما الموضوع دبحها". يريدُ المؤلفُ التعبيرَ عن قدرِ كبيرٍ من الأذى يتجاوزُ الجرحَ، لكن أليس من الأفضلِ أن يضغطَ على نفسِه ويستخدمُ كلمةً أخفَ من الذبح؟ هل من الضروري أن يعيشَ الدورِ لهذه الدرجةِ؟ هل أصبحَت الأغنياتُ العاطفيةُ محلًا للعنفِ بدلًا من الرقةِ؟ وهل غابَ عن الملحنِ والمطربةِ قدرُ الفجاجةِ والافتعالِ في اللفظِ؟ ألا تكفي أفلامُ البلطجةِ والعنفِ التي تتبارى في تحقيقِ أعلى الإيراداتِ من خلالِ إظهارِ البراعةِ في البذاءاتِ واستخدامِ السنجِ والمطاوي؟ 

هل اِنحدرَ الذوقُ العامُ لدرجةِ التألُفِ مع سلوكياتِ العنفِ واِعتبارِها مكونًا للحياةِ اليوميةِ؟ لا غرابةَ إذن في قيامِ بعضُ التلاميذِ بتَسلُقِ سورِ مدرسةٍ، وإحراقِ حجرةِ المدرسين. لماذا؟ تعبيرًا عن غضبِهم منهم وتأديبًا للمدرسةِ ككلِ!! ولا غرابةَ في دفاعِ أهلِهم عنهم بحجةِ أن المدرسين اِضطهدوهم واِستفزوهم ثم في اِستغاثتهم بهيئاتِ الدفاعِ عن الطفولةِ حمايةً لهؤلاءِ الملائكةِ من العقابِ!!

أبو سنجة قُدوةٌ وإلهام، يا عيني ع الصبر!! العيبُ تجاوزَ حمو بيكا وشاكوش وحنجرة، على الأقل اِستخدموا ألفاظًا على قدرِ تعليمِهم


الشعرُ الرقيقُ أصبحَ "نكتة بايخة"،،


Twitter: @albahary

للكَذبِ أرجلٌ وأيادي ...


جِلسةٌ رسميةٌ أو غيرُ رسميةٍ، فإذا بمن ينبري للكلامِ عن نشرٍ علميِ في مجلةٍ دوليةٍ جيدةِ المستوى، له أو لأحدِ المسجلين معه للماجستير أو الدكتوراه. النشرُ العلمي في المجلاتِ الدوليةِ المرموقةِ شرفٌ كبيرٌ، لكنه ليس بالكلامِ والإدعاءِ، خاصةٍ وأن الغالبيةَ العظمى من الرسائلِ العلميةِ متواضعةِ المستوى لأسبابٍ عدةٍ، مثل عدمِ تفرغِ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ والطلابِ. الأعجبُ عدمُ خجلِ البعضِ من الإعلانِ عن مجردِ تقديمِ بحثٍ لمجلةٍ علميةٍ وكأنه إنجازٌ قائمٌ بذاتِه!!  وماذا عن عدمِ قبولِ البحثِ لضعفِ مستواه؟! لايهمُ، المهمُ الكلامُ، الكَذبُ

هناك من يدعي تنظيمَ مؤتمرٍ علميٍ عالِ المستوى؛ كيف وهو بدون تحكيمِ حقيقي للأبحاثِ؟ كيف والمؤتمراتُ المحليةُ تغلُبُ عليها المنظرةُ والعلاقاتُ العامةُ والورنشةُ والولهُ بالظهورِ، لعل وعسى. حسنًا فعلت قواعدُ الترقياتِ بتقليلِ وزن أبحاثِ المؤتمراتِ المسماةِ تجاوزًا علميةً. الغريبُ أن إدعاءَ تميُّزِ المؤتمرِ يكون على الملأِ عيني عينك!!

الكَذبُ أفةٌ شاعَت، أصبحَ ملازمًا لحبِ الظهورِ بالأونطة، للتكويش، للصعودِ على كرسي بالخداعِ. لكن، هل العيبُ على الكذابِ؟ قطعًا، لا. من الضروري الحذرُ وإبعادُ كلِ كذابٍ، من الضروري مراجعةُ كلِ ما يُقالُ؛ تصريحاتٌ مثل تَقَدُمِ ترتيبِ الجامعاتِ ودورياتِها لابدَ أن تُراجعَ وتوضعَ في إطارِها الحقيقي. يجبُ عدمُ الارتكانِ على إدعاءاتِ الفتوحاتِ العلميةِ واختراعاتِ الطلابِ من أجهزةٍ وأدويةٍ؛ هناك من يُرَوِجون لها باعتبارِها تلميعًا لهم، وكأنهم يشجعون البحثَ العلمي والشبابِ!!



المجالُ العلمي كاشفٌ، لا يمكنُ فيه الكَذبُ، لكن عندنا من يفعلون وما أخطرَهم لما يُمَكَنون



الكَذبُ أصبحَ بلا خجلٍ، وأمامَ الجميعِ، وبيقينٍ غريبٍ بعدمِ القدرةِ على تبين الحقيقةِ!! 



الكَذبُ ببجاحةٍ وكلاحةٍ شاعَ، وفُتِحَت أمامَه طرقٌ وممراتٌ ودهاليزٌ. لذا، شخصيةُ الكَذابِ مثيرةٌ للاهتمامِ، فهي تعطي مثلًا، في أحيانٍ


نُشِرَت بجريدة الأخبار يوم الحمعة ٢٥ أكتوبر ٢٠١٩ 






Twitter: @albahary


الثلاثاء، 15 أكتوبر 2019

الشرشوحة ست جيرانها

"عند أم ترتر" مَثلٌ شعبيٌ، فما قصتُه؟ وراءَ هذا المثلِ الشعبي قصةٌ قد تكون حقيقيةً في أحدِ حواري الإسكندرية بمنطقة كرموزكانت أمُ ترتر سيدةً مشهورٌ عنها طولُ اللسانِ والقوةُ، وأطلقَ عليها أهالي المنطقة "الشرشوحة ست جيرانها" لأنها كانت تتسترُ على سوءِ أفعالِها بالصوت العالي والبذاءةِ والبلطجة. استخدامُ مَثل "عند أم ترتر" شاعَ عند فقدانِ شئٍ سرقَته أم ترتر من جيرانِها وأخفَته وأصبحَ الحصولُ عليه مستحيلًا لطولِ لسانِها وبجاحتَها وصوتِها العالي

مع الوقت أصبحَت الشرشحة، ولا مؤاخذة، مهنةً، إذ يتمُ تحريضُ بعضِ النسوةِ للتطاولِ على شخصٍ لأسبابٍ سياسيةٍ، أو اجتماعيةٍ، أو ماليةٍ. تقومُ النسوةُ بتجريسِ الشخصِ المستهدفِ أمام منزلِه ومكانٍ عملِه حتى يجدُ صعوبةً في رفعِ رأسِه من فظاعةِ ما نالَه من إهاناتٍ واتهاماتٍولما كانت المنافسةُ قائمةً، فقد التحقَ رجالٌ بهذه المهنةِ

في زمنِنا هذا شاعَت الشرشحةُ والسرسعة وأصبحَت أم ترتر ست جيرانها على مواقعِ التفسخِ الاجتماعي بالبذاءاتِ والإدعاءاتِ. أم ترتر موجودةٌ أيضًا في أشخاصٍ تنتسبُ للإعلامِ والرياضةِ ولا تجدُ مهارتَها إلا في التهديدِ والوعيدِ والتطاولِ وتوزيعِ الاتهاماتِ. فقدَت مؤسساتٌ وفضائياتٌ إعلاميةٌ ورياضيةٍ كلَ مصداقيةٍ باللجوءِ لتلاميذِ مدرسةِ أم ترتر واعتبارِهم واجهاتِها


حتى المؤسساتِِ الجامعيةِِ فيها أم ترتر!! هناك من لا يستحون من الإدعاءِ بالصوتِ العالي عن انجازاتِهم العلميةِ، يسطون على تعبِ غيرِهم وكأن الصوتَ العالي والبجاحةَ والأونطة لغةُ هذا الزمنِ

أم ترتر بالشرشحة أصبحت ست جيرانها لأنهم سكتوا؛ آثروا البعدَ عن المتاعبِ يأسًا، لغيابِ القانونِ واِنعدامِ تحَري الصوابِ فيما يُقالُ ويُفعلُ، فطفى على كلِ سطحٍ العديدُ من خريجي مدرسةِ أم ترتر






اللهم لوجهِك نكتبُ علمًا بأن السكوتَ أجلبُ للراحةِ والجوائزِ،،


Twitter: @albahary