الاثنين، 30 يوليو 2012

أردوغان ليس إخوانيًا ...

رجب طيب أردوغان هو رئيس وزراء تركيا منذ 14 مارس 2003، ورئيس حزب العدالة والتنمية الذي يملكُ غالبيةَ مقاعدِ البرلمان التركي. وقد خَدَمَ قبلها كعمدةٍ لمدينة أسطنبول في الفترة من 1994 إلى 1998 التي شهدت خلالها ازدهارًا سياحيًا واقتصاديًافي عام 1998 سُجِن لاتهامِه بالتحريض على الكراهية الدينية ومُنِع من العمل في وظائف حكومية ومنها الترشُح للانتخابات العامة.

أنشأ أردوغان عام 2001  حزب العدالة والتنمية وأكدَ أنه سيحافظُ على أسس النظام الجمهوري ولن يدخل في صراعات مع القوات المسلحة التركية، وقال "سنتَبِع سياسةً واضحةً ونشِطةً من أجل الوصول إلى الهدف الذي رسمَه أتاتورك لإقامةِ المجتمعِ المتحضرِ والمعاصرِ في إطار القيم الإسلامية التي يؤمن بها 99% من مواطني تركيا".  حاول  دومًا إمساك العصا من منتصفِها مقُدمًا شكلًا جديدًا من الوسطية التي كانت سبباً في فوزِ حزبِه بالأغلبيةِ في انتخاباتِ عام 2002، الأمرُ الذي جعلَه يُشكلُ الحكومةَ منفردًا برئاسة عبد الله غُل بدلًا منه حيث كان خاضعًا للمنع القانونيبعد شهورٍ تَمَ تعديل الدستور التركي للسماح بتولي زعيم الحزب مَنصب رئاسة الوزارة، وهو ما استفادَ منه أردوغان الذي استمرَ مؤكِدًا خلال ولايته نهجَه الوسطي، فكان يُصرحُ بأن حزبَه "ليس حزبا دينيًا بل حزبًا أوروبيًا محافظًا"، كما أنه دأبَ على انتقادِ ما قال إنه استغلالُ الدين وتوظيفُه في السياسة، وأكد أنه لا ينوي الدخول في مواجهة مع العلمانيين المتشددين أو حتى استفزازهم.

خارجيًا، حاول أردوغان طويلًا، ولا يزالُ، الانضمامَ إلى الاتحاد الأوروبي، لكنه لم ينجحْ بسبب عدم اتباعِ تركيا للعديد من المعايير القانونية والاجتماعية التي تتبناها دول الاتحاد الأوروبي. وتُعتبرُ تركيا من أهم حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية ومن الدولِ الأعضاء في حلفِ شمال الأطلنطي. ولدراية أردوغان  بالتركيبةِ النفسيةِ  للدولِ العربيةِ فقد انتهجَ لهجةً شديدةً تجاه اسرائيل على الرغم من علاقات تركيا القوية بها عسكريًا واقتصاديًا، وأخِذًا في الاعتبارِ أن علاقاتِ تركيا باسرائيل من أهم أسسِ وإلزاماتِ الدعمِ الأمريكي والأوروبي لتركيا. ومن مواقفِ أردوغان، التي أكسبَته أعجابًا في الشارعِ العربي،  مغادرته في 29 يناير 2009 منصةَ مؤتمر دافوس احتجاجًا على عدم إعطائه الوقت الكافي للرد على الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بشأن الحرب على غزة. وتدهورت العلاقات بين تركيا واسرائيل عقب حادثة السفينة مرمرة التي منعتها اسرائيل بالقوة في 31 مايو 2010  من دخول غزة، وقُتِلَ خلال اقتحامِ السفينةِ اثنا عشر تركيًا

لم يتخلْ أردوغان عن النَعرة التركية العثمانية المُتعالية على العربِ، دائمًا يأتي واعظًا بلسانِه أو عن لسانِ غيرِه، لم ينسْ أبدًا الاحتلالَ التركي لمناطق من جنوب أوروبا وشمال أفريقيا وغرب المتوسط؛ مئاتِ السنين ذاقَت فيها الشعوبُ المُحتلةُ كلَ أنواعِ الذلِ والاستعبادِ والقهرِ والتمييزِ.  سقَطَت الدولةُ العثمانيةُ التي امتدت منذ عام 1301م حتى عام 1922م، وأعطَت نموذجًا لما لا يجبُ أن يكون عليه الحكمُ. حولَت الهزيمةُ الكاسحةُ تركيا من دولةٍ عثمانيةٍ دينيةٍ إلى دولةٍ علمانيةٍ تفصلُ الدين عن السياسةِ.  


أحَبَ الشارعُ العربي أردوغان، وسَمى البعضُ مواليدَهم باسمِه، لأنه فهمَهم، لكنهم لم يفهموا دهاءه، لا سياسيين ولا شارع.  أردوغان فهمَ السياسةَ وألاعيبَها، يتكلمُ أمام كلٍ بما يُرضيه، لكنه يعرفًُ حدودَه وزيادة، يَعي تمامًا أن العين لا تعلو حاجبَها، وأن روسيا الرهيبة جارتُه، وأن في الولايات المتحدة الأمريكية أمانهُ وقوتُه، وأن في أوروبا نموذجُه وقُدوتُه، وأن في زعلِ اسرائيل ما لا طاقةَ له به.

منَحَت السعودية أردوغان جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام لعام 2010 م - 1430 هـ، ومنِحَته جامعة أم القرى بمكة عام 2011م - 1431هـ  شهادة دكتوراة فخرية  في مجال خدمة الإسلام. كما تَسَلمَ  أردوغان يوم الإثنين 29 نوفمبر 2010 جائزة القذافي لحقوق الإنسان

 لم يَدَعْ أردوغان  أن حزبَ العدالة والتنمية هو كل الشعب التركي، لم ينضو تحت أي تنظيم دولي بمسمياتٍ دينيةٍ  ولم يتسامحَ مع جيرانِه على حسابِ بلدِه، لم يُكَوِن ميليشيات ولم يهدد القضاة والمعارضين، لم يُهاجم الصحفيين والإعلامَ والفنون،  لم يستحوزْ ولم يُكَوشْ؛ الديمقراطية التي به آتت قادرةٌ على إزاحتِه، العبرةُ برفاهيةِ الشعبِ كلِه، باحترامِ حريتِه الشخصيةِ والفكريةِ والعقائديةِ

اللعبةُ وقواعدُها واضحةٌ تمامًا في دماغ أردوغان، مُدتُه في السُلطةِ قاربَت على نهايتِها، كُلُه في النورِ،  لا سكر ولا زيت ولا ليمون، والأهم لا أميةَ ولا نِقمةَ على الحالِ والبشرِ،،


Twitter: @albahary