الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

أنا قلقان ...


أول ما وضعتُ رأسي على الفراشِ، لم أستطعْ إغلاقَ عيناي، اللمبة السهاري لم تأت بالنومِ، ولا حتى الظُلمة، لا النومُ على الجنب اليمين نَفعَ، ولا النومُ على الجنبِ الشمالِ، النومُ بعيدٌ، تَقضيةُ واجبٍ لأن ميعادَه حانَ وفاضَ، الساعةُ الآن الثانية صباحًا. هناك من لا ينامون عندما يقلقون، وهناك من ينامون حينما يقلقون، أنا لا أنام. شغلتني الفضائياتُ طوال اليومِ، وبتركيزٍ قاسٍ خلال ساعاتِ حَظرِ التجوالِ، الأنباءُ كثيرةٌ، من الداخلِ ومن الخارجِ، وانتظارُ المجهولِ الذي لم تأتي به الأنباء بعد يأخذ الدماغ ويعبثُ بالسَكينةِ. ماذا أتوقعُ؟ وماذا تُخبئ كلُ لحظةٍ؟ أتهربُ من وقوعِ البلاءِ وأكره انتظارِه، يارب ما يكون هناك بلاء. أحيانًا أدَعي أن بإمكاني مشاهدةِ فيلم، يُبعدني ساعتين عن جو القلق والتوتر، التَنشَنة، أبدأُ فيه بلا متابعةٍ ولا مشاهدةٍ، وبعد دقائقٍ أعودُ لمحطات أكلِ الأعصابِ، الحالُ لا يَحتملُ الابتعادَ، وقعدةُ البيت من السابعةِ مساءًا طويلةٌ، بطيئةٌ، ضاغطةٌ. 

فترةُ حظرِ التجوالِ فيها فوائدٌ كما فيها توترٌ، فيها التقاربُ الأسري، والتشاركُ في القلقِ، فيها نقاشاتٌ في لحظاتِ الهروبِ من الفضائياتِ والأنباءِ والتحليلاتِ، فيها توفيرُ بنزين، فيها البعدُ عن ضوضاءِ الشارعِ والسلالمِ. حاجة غريبة، أبحثُ عن شئ أقولُ أنه جميل، إنها طبيعةُ الإنسانِ أن يتعايشَ مع واقعِه، حتى لو كان باردًا، اختيارُ الكلماتِ صعبٌ، يبدو أنني تأثرَت بكلامِ أهلِ وزارةِ الخارجيةِ. فترةُ حظرِ التجوالِ فيها التفكيرُ أيضًا، لا مفرَ منه، أتعشم الخيرَ دون أن أراه، أسأل نفسي لماذا يتلون فلان؟ ولماذا يخون فلان؟ ولماذا يهربُ فلان؟ أحاول فهم مواقف الدول، من هو الصديق؟ من هو العدو؟ كيف؟ فترةٌ فيها تساؤلاتٌ، بإجاباتٍ كثيرةٍ لنفسِ التساؤلِ، وقد تكونُ بلا إجاباتٍ، مقنعةٍ على الأقلِ، فترةٌ فيها أمنياتٌ بالصمودِ والبصيرةِ وحسن الرؤية لمن يتصدون لحمايةِ البلدِ. في فتراتِ التوترِ تُسترجعُ السَكينةُ، يُجترَ الماضي، ولو بَعُدَ. 

قلقان على مصر، وعلى أسرتي وبناتي، القلقُ على البلد يطولُ كلَ من تُحِب. الكتابةُ تعبيرٌ عن الخاصِ، الذي يشعرُ به كثيرون. أنا أكتبُ وأنا جالسٌ، على الفراشِ، سأحاول النوم، نوم كشغل الموظفين، من غير زعل، شر البليةِ أحيانًا يُضحك، الساعة تجاوزَت الثالثة فجرًا، متى سأستيقظُ، مش مهم،،

وأنا قلقان، أقولُ مصر كفيلةٌ بأعدائها بمعونةِ أصدقائها، ولو أن الدنيا والسياسة لا أمانَ فيهما،، 

Twitter: @albahary

بقاءُ الدول ليس بالتاريخِ ولا بالجغرافيا ...


للتاريخِ ذاكرةٌ حديديةٌ لا خطأ فيها ولا غشَ، فيها الفهمُ والعظةُ لمن يريدُ، بصدقٍ.  لقد علمنا التاريخُ أن الدولَ تبقى بالقوةِ، الإجتماعيةِ والعلميةِ والإقتصاديةِ والعسكريةِ، يستحيلُ أن تستمرَ دولةٌ بدون أي منها. الدولُ التي تمزقُها الصراعاتُ الطائفيةُ والدينيةُ والطبقيةُ يستحيلُ أن يكونَ لها مكاناً في خريطةِ الكرةِ الأرضيةِ. الفقيرُ الضعيفُ على مستوى الدولِ كما هو في البشرِ مُحتقرٌ مَنبوذٌ مُقادٌ.  الإنقراضُ مصيرُ كلِ كائنٍ عجَزَ عن التأقلمِ مع الحياةِ المحيطةِ، حتى لو كَبُرَ حجمُه وتضَخَم.  لا استثناءَ من الفناءِ أو التمزقِ، لكلِ من ضاعَت منه مقوماتُ الوجودِ، هكذا قالَ التاريخُ بوضوحٍ، لم يحكمْ ببقاءِ كيانٍ أيًا كان لو تلاشَت أسبابُ وجودِه. 

انقَرَضَت الديناصوراتُ على جبروتِها، وتلاشَت ممالكٌ ودولٌ، قديمًا وحديثًا، ما كان لها من شفاعةٍ ولا أمارةٍ تسمحُ باستمرارِها. بادَت دولُ الأمويين والعباسيين والبيزنطيين والمغول والفرس والرومان والعثمانيين، وانكمشَت الإمبراطوريات الأسبانية والبرتغالية واليابانية والفرنسية والروسية وأيضًا البريطانية التي لم تكنْ تغربُ عنها شمسٌ. الأسبابُ تجتمعُ في غيابِ العدالةِ والتمييزِ على أساسِ الدينِ والعرقِ والجنسِ، اختلَفَ الزمنُ ولم تتغيرْ الأسبابُ. 

لا عصمةَ لدولةٍ أو كيانٍ من الاندثارِ، للاستمرارِ في الوجودِ أسبابٌ، من قوةٍ اجتماعيةٍ وعلميةٍ واقتصاديةٍ وعسكريةٍ، في آنٍ واحدٍ، مُجتمعةٍ، العالمُ دومًا لا يعترفُ إلا بالأقوى، الأقدرُ. مصُر محفوظةٌ، قالبٌ يُردَدُ كثيرًا، ليته يتحققُ على مَرِ الزمنِ، لكن كيف والزمنُ لا يعترفُ إلا بالقُوى التي تفرضُ ما تريدُ. لم تَبقْ يوغوسلافيا ولا العراق ولا السودان، لم تُعصَمْ رغمًا عنها، الواقعٌ أكبرُ منها. مصرُ محفوظةٌ يُردِدُها البعضُ من بابِ التخاذلِ والتواكلِ، لا يُحافظون عليها، لا يُخلِصون لها، يُغَلِبون مصالحَهم المذهبيةَ، التي ما أبقَت، على مرِ التاريخِ،  دُولًا و أنظمةً أكبر.  

الزوالُ هو سُنةُ الحياةِ، قد يكونُ ميلادًا لجديدٍ، أو بدايةً لنهايةٍ، ما يبدو هو القوةُ على مستوى الدولِ والكياناتِ الاقتصاديةِ والسياسيةِ، لكن إذا استمرَت في الحاضرِ هل يكونُ المستقبلُ لها؟ التاريخُ لم يقضْ ببقاءِ قوةٍ إلى الأبدِ، على الأقلِ حتى الآن،،

مصرُ في خطرٍ عظيمٍ، هل يَعون؟ أشُك،،

Twitter: @albahary