الأحد، 19 يونيو 2011

اِحترموا أنفسكم بَقَى …


"احترموا أنفسكم بقى، بَطَلوا قلة أدب، صَبَرنا عليكم كثير"، هكذا صرخ طالب بالسنة الأخيرة في أحد أساتذة إدارة الامتحانات بالكلية لما حاول تهدئته بسبب غموض في أسئلة إحدي المواد، طبعاً مع الخبط والرزع على طاولة الامتحان! من الآخر هذا هو حال مصر الآن، إدارات مرتعشة في كل مكان، وتطاول وتجاوز وانفلات طالما أن الحسابَ بعيدٌ. تمرُ مصر الآن بحالةٍ من الانفلاتِ حولتَها إلى الفوضى التامة، الشوارعُ امتلكَها البلطجيةُ، منادو السيارات، سائقو الميكروباص، الباعة الجائلون، وطبعاً أصحابُ السياراتِ الملاكي. من السهلِ جداً الآن حرق محطاتِ السكك الحديديةِ وتعطيل الطرق والتهديد بقطعِ الكهرباءِ عن البلدِ، عادي جداً إجراءُ انتخاباتٍ في الجامعاتِ بلا سندٍ من قانون أو منطق، لوضعُ طرابيش علي الكراسي بدلاً من الطراطير. المضحكٌ أن هناك من أصبحوا ثوراً بعد أن وصلوا للأستاذيةِ في جامعاتهم واطمأن قلبُهم على الترقيةِ، على كِبَرٍ يعني، ومنهم من انفتحَ صدرُهم بعد أن كان مقفولاً خوفاً وجبناً وإيثاراً للسلامةِ، لكن الآن الأوكازيون الأكبر، قل ما يحلو لك، اِدع لتفتيت مؤسسات الدولة وجامعاتها، واعمل ما يحلو لك، لا توجد حكومة ولا دولة، المهم فرض الرأى والاستيلاء على أقصى ما يمكن الوصول إليه، هى الثورة كده!!

من هم الذين حازوا ثورةً شعبيةً لم يكن لها ملاكٌ؟ مسمياتٌ ظهرَت، ائتلافُ شبابِ الثورةِ، ائتلافُ أعضاءِ هيئات التدريسِ بالجامعاتِ، ائتلاف عمال، ائتلاف مفكرين، ائتلاف حقوق انسان، ائتلاف لتربية مليون لحية، ائتلاف للعمل، ائتلاف لتعطيل العمل، المهم أن تكون الصحفُ والفضائياتُ بكل لغاتِها موجودةٌ، صوت وصورة. من شكلَ هذه الائتلافات وكيف؟ هل أصبحَ مبدأ وضع اليد والصوت العالي والسباب وتشويه سمعةِ المخالفين عنواناً لهذه الفترة من تاريخ مصر؟ إذا كان إعمالُ القانونِ من مبادئ ما بعد الخامس والعشرين من يناير، أليس من الواجبِ كشفُ هُويةِ وماضي أصحابِ تلك الإئتلافات، على الأقلِ حتى نضمنَ لمصر مستقبلاً نطمئن إليه؟ من المؤكدِ أن المخلصين كُثرُ، لكن من الطبيعي أن يكونَ بينهم الانتهازيون والمنتفعون والمنافقون والوصوليون والانتقاميون، هم أسُ البلاءِ والخرابِ والخطرِ، بهم سقَطَت أنظمةٌ ودولٌ.

مع كلِ الأسفِ والقلقِ، فقد ظهرَ من بعضِ ملاكِ مصر الجُدُدِ ما لا يُبشرُ بخيرٍ، فمنهم من يتباهى على هواءِ فضائياتٍ بالتطاولِ على وزراءٍ، ومنهم من يجدُ بلا أمارةٍ بابَ رئيسِ الوزراءِ مفتوحاً، ومنهم من جعلَ الشارعَ بيتَه وبرلمانَ مصر الجديد، حتى رئاسةِ الجمهوريةِ طمعَ فيها من هم بلا قبولٍ ولا سماحةٍ ولا رؤيةٍ. إذا كان بعض من يسمون أنفسَهم أصحابَ ائتلافاتٍ هم موجهو مصر الجديدة، غصباً عن الأغلبيةِ لأدبِها في صمتِها مع استيائها، فلماذا لا تُمارسُ، بنفسِ أدبِها، حقها في معرفةِ حقيقةِ كلٍ منهم، كيف كانوا ومازالوا وظيفياً ودراسياً واجتماعياً؟ كيف كانت ذمتُهم وطهارةُ يدِهم؟ لماذا لا يُحاسبُ منهم من يسبُ علناً ويتطاولُ؟ هل الاحتماءُ بالخامسِ والعشرين من يناير مبررٌ لسوءِ السلوكِ والانفلاتِ؟ هل التغييرُ هو محاسبةُ نظامٍ هوى لخطاياه مع التغاضي عن أخطاءِ بعض من نسبوا أنفسَهم لما بعد الخامس والعشرين من يناير؟ هل نستبدلُ فسادَ وضعٍ جَدَ بفسادِ حالٍ سَقَطَ بعد أن أورَثَ مصر بلايا في الداخلِ والخارجِ؟ هل تجبُ محاكمةُ من قتلوا المتظاهرين وسرقوا الشعب ولا تجوزُ لمن حرضوا على الفتنةِ الطائفيةِ والبلطجةِ؟

هل من النهوضِ بمصر أن تتولى أمورَها وزارةٌ مكسورةُ العينِ والخاطرِ؟ كيف تسيرُ الأمورُ إلى الأفضلِ مع كل هذه الانفلاتاتَ في السلوكِ والأفعالِ وردودِ الأفعالِ؟ هل من يطلبُ بغوغائيةٍ يُجابُ درءً لشرِه؟ لقد فهم الكلُ أن الحكومةَ غلبانة، وأنها ترتجفُ من الاعتصاماتِ وقطعِ الطرقِ، بسيطة! من المؤسفِ أن يظهرَ في مصر جيلٌ يتشبعُ بهذه الأخلاقياتِ، ينجحُ في الامتحاناتِ بالبلطجةِ، يتطاولُ على الأساتذةِ والمؤسسةِ التعليميةِ، يجدُ من الأساتذةِ من يشجعُه ويدفعُه ويستغلُه، عادي طالما أن المساءلةَ ضاعَت، للأساتذةِ والطلابِ. ليس بمستغربٍ أن نرى اعتصاماً من طلبةِ الابتدائية لمساواة شهادتِهم بالبكالوريوس! ولا بعجيبٍ أن يلطشَ إبنٌ أباه بالقلمِ، ولا أن يُخرشمَ مرؤوسٌٌ رئيسَه!

يستحيلُ سنُ قانونٍ سويٍ تحت ضغطِ البلطجةِ والانفلاتِ والغوغائية وطول اللسان. أصحابُ الائتلافاتِ، أليس من حقِ الجميعِ أن يعرفَهم ويكشفَهم؟ ألم ينقضي زمنُ سحبِ الأغلبيةِ من قفاها؟ ألم ينتهي زمنُ سرقةِ حقِها في التعبيرِ عما تريدُ؟ هل تخرجُ مصر من ظلامٍ لظلامٍ؟ في هذا الزمنِ لا وقتَ للخطأ، ما فاتَ لا يعودُ، ما يُفقَدُ من أرضٍ ومكانةٍ لا يُسترَدُ، إنه قانونُ الحياةُ الجديدةُ. إذا كانت الثورةُ الفرنسيةُ قد استغرَقَت عشرات السنوات لتأتي بفرنسا النور، فإن مقياس هذا العصر يتعاملُ بوحدةِ زمنٍ أخرى، الثانية لا السنة، الشعوبُ الحرةُ تتسابقُ باليوم والشهر، على أكثرِ تقديرٍ، من يريدون لمصر انتظارَ عشرات السنين لتستقرَ ما يريدون إلا خرابَها، إن كانوا يَعقِلون، ويُخلِصون.

الصراحة، حاجة تقرف. المهم أن التعجب ينتابني عندما أقرأ مقالةً تدعو من طفوا على السطحِ لإعمالِ العقلِ، للحفاظِ عى البلدِ، عقل إيه يا عالم، هم آخر انبساط واسترزاق، بلد إيه وبتاع إيه، الصومال قدوتُهم، أما العالمُ المتقدمُ فخائبٌ وكافرٌ وابن ستين في سبعين. لأى سلوكياتٍ تَتَجهُ مصر؟ للاحترامِ والصراحةِ والتفهمِ، أم للكراهيةِ والمخادعةِ والانتهازيةِ والتهبيشِ؟ من مزايا الخامس والعشرين من يناير أنه أوضحَ للجميعِ أن الخداعَ لا يدومُ، وأنه ما من حدودٍ ولا موانعٍ أمام رفضَِ الخداعِ والظلمِ والتفرقةِ والتمييزِ. من المحزنِ أن يغلبَ اليأسُ مصر، بعد أن حَلَمَت وصبرَت وباتَت الليالي من أجلِ التغييرِ.

Twitter: @albahary