الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009

فاروق حسني...وما نيلُ المطالبِ بالتمني


خسرَ فاروق حسني انتخاباتِ منصبِ المديرِ العامِ لمنظمةِ اليونسكو، عشنا حلمَ الفوزِ أولَ ثلاثةِ جولاتٍ، تَوقعنا الخسارةَ في الرابعةِ، وتأكدنا منها في الخامسةِ. الأملُ راودَنا رغم الواقعِ الذي لا يقفُ في صفِ المرشحِ المصري، وفعلاً انتصرَ الواقعُ، بلا عواطفٍ ولا أوهامٍ، إنها السياسةُ وأعمالُنا، والكبير كبير. لو فاز فاروق حسني لكنا في عصرِ المعجزاتِ، كلُ المعطياتِ تصبُ في صفِ خسارتِه، بل خسارةِ مصر وعالمٍ منقسمٍ تنتمي إليه لم يؤيده وتمني خسارتَه؛ حتي مواطنيه تشفوا فيه، تارةً لما نُسِبَ إليه عن الحجابِ، وتارةً لما يُري تدخلاً في جوائزِ الدولةِ. دخلَ فاروق حسني الانتخاباتِ بشعاراتِ الريادةِ والحضارةِ والدورِ المِحوري والعلاقاتِ المتميزةِ، لم تجدْ أبداً أُذناً لها، لا من مواطنيه ولا من غيرِهم، هجص، فشنك.
فوزُ فاروق حسني في انتخاباتِ اليونسكو المسئولةِ عن ثقافةِ العالمِ يعني التأييدَ لسياسةِ دولتِه ولثقافةِ منطقتِه، وهو ما يستحيلُ أن يقبلَ به الغربُ ومشايعوه. كيف يسمحُ عالمُ اليومِ بقبولِ سياسةٍ فيها كتمِ المعارضين والمخالفين في أقلِ الفروضِ؟ كيف يقبلُ مرشحاً لهذا المنصبِ وقد ترعرعَ في أجواءِ تسخيرِ إعلامِ الحكومةِ المكتوبِ والمرئي للدعايةِ للنظامِ الحاكمِ ليلَ نهار؟ كيف يُسمح لمن تَشَرَبَ سياسةَ الانتخاباتِ المُفبركةِ أن يترأسَ أعلي منظمةٍ ثقافيةٍ في العالمِ؟ كيف يُفتحُ الطريقُ لمن ينتمي لمجتمعاتٍ ترفضُ الآخرَ المختلفَ ديناً وجنساً وفكراً؟ كيف يتولي هذا المنصبَ من تَرَبي لعقودٍ علي تلك السياسةِ وهذه الثقافةِ؟ قبولُ مديرٍ بتلك الخلفيةِ يعني تأييداً ودعايةً لدولتِه ومنطقتِه وتقافتِها، وهو ما لا يُمكنُ اليومَ ولا غداً.
غرِقنا في الأحلامِ وتمنينا، أخَفَقنا كثيراً وآمَلْنا، نسينا الحقيقةَ وتوهمنا. سيُعاودنا الإخفاقُ إذا لم نفهمْ لغةَ هذا الزمان، لا مَفرَ من احترامِ الشعوبِ، توعيتِها، حلِ مشاكلِها دون شغلِها حتي لا تلتفتُ هنا أو هناك؛ سيعاودُنا الإخفاقُ إذا لم تتقبلُ المجتمعاتُ العربيةُ والإسلاميةُ الآخرَ، إذا لم تحققْ العدالةَ لكلِ مواطنٍ، اياً كان جنسُه ولونُه ودينُه ومعتقدُه وفكرُه. الجاياتُ كثيرةٌ، لكننا مع الأسفِ علي حالِنا، علي كِبرِنا، تعديلُ مجلسِ الأمنِ أهمُها، سَنخسَرُ كرسيه أيضاً، لن تُقبَلُ دولةً، أياً كانت، إذا كانت بلا ديمقراطيةٍ، إذا كانت لا تحترمُ مواطنيها؛ اقصاؤها رفضٌ لمسلكِها السياسي والاجتماعي والثقافي، يستحيلُ إتاحةُ مكانٍ لها والدعايةُ لنظامِها.
الدنيا تتغيرُ، العيبُ ليس في فاروق حسني، علي الأقلِ حاولَ بشجاعةٍ، الدرسُ قاسٍ، هو في الواجهةِ، من تَلَقوه هم المقصودون، حكاماً ومحكومين.
هل يمكن نشرُ مقالتي تلك في صحيفةٍ حكوميةٍ؟ في الإجابةِ أسبابُ ضياعِ كرسي اليونسكو. إيييييه، تمنينا، من حقِنا، لا أكثرَ،،

الاثنين، 21 سبتمبر 2009

الاستقواءُ بالدين...




المعاملاتُ الإنسانيةُ السويةُ لا تقومُ بغيرِ صراحةٍ وأدبٍ ولسانٍ عزبٍ وبالضرورةِ أمانةٍ لا فصالَ فيها. المفروضُ شئ والواقعُ غيرُه، تماماً، خاصةً عندما تكون الفظاظةُ والتبجحُ والتعدي والمغالطاتُ من الذين يرون في أنفسِهم تديناً غابَ عن غيرِهم، منغلقين علي أنفسِهم في ثيابٍ قصيرةٍ ولحيٍ كثةٍ أو في مجردِ تصورٍ أنهم الأخيرُ وأنهم علي حقٍ وأنهم الأحقُ.

باسمِِ الدين أصبحَ مُباحاً التدخلُ في شئون الآخرين، رجالاً ونساءً، وباسمه تَخطئتُهم، في كلِ الأمورِ ولو كانت شخصيةً. ولقد حكي لي صديقٌ أنه في صالةِ الجيم بأحدِِ أكبرِ أنديةِ مصر الجديدةِ، اشتدَ الصخبُ فما كان من أحدِ جُهلاءِ هذا الزمانِ إلا أن رفعَ القرآن من محمولِه بأعلي صوتٍ، لماذا؟ حتي يسكتُ الناسُ عندما يسمعون القرآن! لم يراعْ أنه في مكانٍ صاخبٌ بطبيعتِه، وأن للقرآنِ قدسيتُه وخشوعُه، تماماً مثل من يقرأون القرآن في وسائل النقلِ العامةِ مُطالبين الناسِ بالسكوتِ. حتي المصلين لم يسلَموا في المساجدِ والزوايا من التدخلاتِ في سجودِهم وركوعِهم وأدعيتِهم وملبسِهم، ولقد خرجَ مُصلياً غاضباً من صلاةِ التراوييح لأن أحدَهم أفتي ببطلانِ صلاتِه.

مسلكٌ يقومُ علي التبجحِ في أقلِ الفروضِ وتوهمِ أن مجردِ التمسحِ في الدين يعطي الحقَ في كل ما يضايقُ الغيرَ ويتعدي علي حريتِهم. تحت هذا الفهمِ تعلو الميكروفوناتُ في وقتِ الصلاةِ وفي غيره وعند افتتاحِ المحالِ، وهكذا تُحتلُ الشوارعُ أيامُ الجُمَعِ وتُغلقُ، وبه يتجرأ البعضُ علي الصالونات المزدحمةِ في المبني الاجتماعي بالأنديةِ محتلين أجزاءٍ منها لصلاةِ الجماعةِ مُتكاسلين عن التَوجهِ لمسجدِ النادي. يندرجُ تحت هذه الِاستباحةِ القَسريةِ، بوضعِ اليدِ، قيادةُ السياراتِ بالنقابِ مع ما في ذلك من خطورةٍ علي المارةِ والسائقةِ.

بنفسِ توهمِ ِ امتلاكِ الحقِ والحقيقةِ تنهمرُ البذاءاتُ علي كُتابِ المقالاتِ الذين يفكرون ويجتهدون، التمَحُكُ في الدين يعفي مُعلقين وما شابه من فَهمِهم، لا داعي عندهم لمناقشةِ فِكرٍٍ مُخالفٍ، الصوابٍُ تلقائيٌ في صفِهم، ولو جَهِلوا، السِبابُ إذاً من حقِهم، حتي لو غَمِي عليهم التَبَصرُ، حتي لو أساؤوا التأويلَ. الفكرُ يُزعجُ من تقولبوا وتقوقعوا وتَشَرنَقوا. حتي التسولِ أدخلوا الدينَ فيه، أدعيةٌ وأحاديثٌ وعظاتٌ تُرمي علي حجورِ ركابِ وسائلِ النقلِ العامِ، عطورٌ سَموها إسلاميةً وما عاشوا عصورَها.

الكلُ في الاستقواءِ بالدينِ سواءٌ، حكوماتٌ ومعارضون، وأفرادٌ، من نالوا من التعليمِ ومن عنهم شحَ وغابَ، لأغراضٍِ شخصيةِ فجةِ يرتدون عباءةَ الدين، يتكلمون ويعتدون وينتهكون باسمه. غابَت كلُ حريةٍ وانكمَشَ كلُ ابداعٍ بفعلِ من جعلَوا من الدينِ سبوبةً ووسيلةِ ظهورٍ ومغانمٍ. الفضائياتُ ربحَت الملايين من تجارةِ التحرَيمِ والتحَلَيلِ وجاراها أئمةٌ يفتعلون الغيرةَ والحميةَ، الحكايةُ سابَت وليتنافس المتنافسون.

من فرطِ الانغماسِ في الذاتِ نسوا أنفسَهم، تصوروا أن من حقِهم الاستقواءُ بالدين في بلدانٍ غيرِ بلدانِهم، آوتهم وأطعمَتهم، انقلبوا عليها، هم الفئةُ المؤمنةُ المُصلحةُ في عالمٍ جاهلٍ، هم النورُ في ظلماتِ حضارةٍ مدنيةٍ ولو طالت الأرضَ والسماءَ، أوهامُهم اصطدَمَت بواقعٍ أقوي منهم، تباكوا علي ضياعِ الحرياتِ، حرامٌ علي غيرِهم حلالٌ لهم القتلُ والتنكيلُ والسجنُ والتعذيبُ، ألا يستقوون بالدين.

لطالما كان التحرشُ بالنساءِ جريمةً، مُضايقتُهم بقولٍ أو فعلٍ، العقوبةُ نصَ عليها القانونُ، لكن ماذا عن التحرشِ بالنساءِ والرجالِ أيضاً تحت مسمي الإصلاحِ، الأمرُ بالمعروفِ، أم أنه بالاستقواءِ بالدين يغدو ما يُجَرَمُ مُباحاً، أعلي من سلطةِ الدولةِ، خارجَها؟!

سكك حديد مصر ... خيبة بالويبة





































توجهت من الاسكندرية إلي القاهرة يوم الأحد ٢٠/٩/٢٠٠٩ في قطار ١٩١٢، وكان مقعدي في العربة الأولي برقم ٣٣. المفروض أنه قطار أسباني ممتاز مباشر، لكن علي عكس الإعلانات اليومية بالملايين صُدمنا من حالة القطار الأسباني الممتاز المباشر الذي تجاوزت تذكرته الخمسين جنيهاً. قذارة غير عادية، رائحة عطانة وكأنه مخزن فسيخ أو عشة فراخ، كراسي مخلعة، ستائر النوافذ تلفانة، تكييف مخنوق، فاضل إيه؟!

رئيس القطار أجاب باستخفاف علي غضب الركاب، شعري لم يقع من شوية، عندما تصلوا محطة مصر اشتكوا كما تريدون!! نشتكي من لمن؟! الشكوي زي قلتها مع قلة الحياء، أكيد لا متابعة ولا غيره، يبدو الإعلانات بالملايين نومت الحكومة، ويقولوا تقدم وتطوير وتطور!!

القطار وصل القاهرة في ميعاده، لكن لم تزل الغَصة من المعاملة غير الأدمية، ما أقسي الشعور بالاستغفال، تري ما الاختلاف بين عربات هذا القطار وعربات نقل المواشي؟!