الاثنين، 21 سبتمبر 2009

الاستقواءُ بالدين...




المعاملاتُ الإنسانيةُ السويةُ لا تقومُ بغيرِ صراحةٍ وأدبٍ ولسانٍ عزبٍ وبالضرورةِ أمانةٍ لا فصالَ فيها. المفروضُ شئ والواقعُ غيرُه، تماماً، خاصةً عندما تكون الفظاظةُ والتبجحُ والتعدي والمغالطاتُ من الذين يرون في أنفسِهم تديناً غابَ عن غيرِهم، منغلقين علي أنفسِهم في ثيابٍ قصيرةٍ ولحيٍ كثةٍ أو في مجردِ تصورٍ أنهم الأخيرُ وأنهم علي حقٍ وأنهم الأحقُ.

باسمِِ الدين أصبحَ مُباحاً التدخلُ في شئون الآخرين، رجالاً ونساءً، وباسمه تَخطئتُهم، في كلِ الأمورِ ولو كانت شخصيةً. ولقد حكي لي صديقٌ أنه في صالةِ الجيم بأحدِِ أكبرِ أنديةِ مصر الجديدةِ، اشتدَ الصخبُ فما كان من أحدِ جُهلاءِ هذا الزمانِ إلا أن رفعَ القرآن من محمولِه بأعلي صوتٍ، لماذا؟ حتي يسكتُ الناسُ عندما يسمعون القرآن! لم يراعْ أنه في مكانٍ صاخبٌ بطبيعتِه، وأن للقرآنِ قدسيتُه وخشوعُه، تماماً مثل من يقرأون القرآن في وسائل النقلِ العامةِ مُطالبين الناسِ بالسكوتِ. حتي المصلين لم يسلَموا في المساجدِ والزوايا من التدخلاتِ في سجودِهم وركوعِهم وأدعيتِهم وملبسِهم، ولقد خرجَ مُصلياً غاضباً من صلاةِ التراوييح لأن أحدَهم أفتي ببطلانِ صلاتِه.

مسلكٌ يقومُ علي التبجحِ في أقلِ الفروضِ وتوهمِ أن مجردِ التمسحِ في الدين يعطي الحقَ في كل ما يضايقُ الغيرَ ويتعدي علي حريتِهم. تحت هذا الفهمِ تعلو الميكروفوناتُ في وقتِ الصلاةِ وفي غيره وعند افتتاحِ المحالِ، وهكذا تُحتلُ الشوارعُ أيامُ الجُمَعِ وتُغلقُ، وبه يتجرأ البعضُ علي الصالونات المزدحمةِ في المبني الاجتماعي بالأنديةِ محتلين أجزاءٍ منها لصلاةِ الجماعةِ مُتكاسلين عن التَوجهِ لمسجدِ النادي. يندرجُ تحت هذه الِاستباحةِ القَسريةِ، بوضعِ اليدِ، قيادةُ السياراتِ بالنقابِ مع ما في ذلك من خطورةٍ علي المارةِ والسائقةِ.

بنفسِ توهمِ ِ امتلاكِ الحقِ والحقيقةِ تنهمرُ البذاءاتُ علي كُتابِ المقالاتِ الذين يفكرون ويجتهدون، التمَحُكُ في الدين يعفي مُعلقين وما شابه من فَهمِهم، لا داعي عندهم لمناقشةِ فِكرٍٍ مُخالفٍ، الصوابٍُ تلقائيٌ في صفِهم، ولو جَهِلوا، السِبابُ إذاً من حقِهم، حتي لو غَمِي عليهم التَبَصرُ، حتي لو أساؤوا التأويلَ. الفكرُ يُزعجُ من تقولبوا وتقوقعوا وتَشَرنَقوا. حتي التسولِ أدخلوا الدينَ فيه، أدعيةٌ وأحاديثٌ وعظاتٌ تُرمي علي حجورِ ركابِ وسائلِ النقلِ العامِ، عطورٌ سَموها إسلاميةً وما عاشوا عصورَها.

الكلُ في الاستقواءِ بالدينِ سواءٌ، حكوماتٌ ومعارضون، وأفرادٌ، من نالوا من التعليمِ ومن عنهم شحَ وغابَ، لأغراضٍِ شخصيةِ فجةِ يرتدون عباءةَ الدين، يتكلمون ويعتدون وينتهكون باسمه. غابَت كلُ حريةٍ وانكمَشَ كلُ ابداعٍ بفعلِ من جعلَوا من الدينِ سبوبةً ووسيلةِ ظهورٍ ومغانمٍ. الفضائياتُ ربحَت الملايين من تجارةِ التحرَيمِ والتحَلَيلِ وجاراها أئمةٌ يفتعلون الغيرةَ والحميةَ، الحكايةُ سابَت وليتنافس المتنافسون.

من فرطِ الانغماسِ في الذاتِ نسوا أنفسَهم، تصوروا أن من حقِهم الاستقواءُ بالدين في بلدانٍ غيرِ بلدانِهم، آوتهم وأطعمَتهم، انقلبوا عليها، هم الفئةُ المؤمنةُ المُصلحةُ في عالمٍ جاهلٍ، هم النورُ في ظلماتِ حضارةٍ مدنيةٍ ولو طالت الأرضَ والسماءَ، أوهامُهم اصطدَمَت بواقعٍ أقوي منهم، تباكوا علي ضياعِ الحرياتِ، حرامٌ علي غيرِهم حلالٌ لهم القتلُ والتنكيلُ والسجنُ والتعذيبُ، ألا يستقوون بالدين.

لطالما كان التحرشُ بالنساءِ جريمةً، مُضايقتُهم بقولٍ أو فعلٍ، العقوبةُ نصَ عليها القانونُ، لكن ماذا عن التحرشِ بالنساءِ والرجالِ أيضاً تحت مسمي الإصلاحِ، الأمرُ بالمعروفِ، أم أنه بالاستقواءِ بالدين يغدو ما يُجَرَمُ مُباحاً، أعلي من سلطةِ الدولةِ، خارجَها؟!

ليست هناك تعليقات: