الاثنين، 13 أكتوبر 2014

صحفُ الحكومةِ لمن؟

من المفترضِ أن صحفَ الحكومةِ همزةُ لوصلِ الشعبِ بحكومتِه، تنقلُ الهمومَ العامةَ وتفسرُ السياساتِ وتنتقدُ الحاكمَ إذا انتقدَه الشعبُ، ابتغاءً للصالحِ العامِ، لمصلحةِ الحاكمِ والمحكوم على حدٍ سواء.  هذا ما يجبُ، لكن هل هو ما يحدثُ فعلًا؟

لنستعرضُ أولًا ما كانَ في فترةٍ طالَت لحسني مبارك وفي فترةٍ قَصُرَت لمحمد مرسي. في فترةٍ طالَت واستهلَكَت سنينًا من أعمار الجميع انصرَفَ القارئ عن صحفِ الحكومةِ وما أصبَحَت إلا قلمًا بإسمِها ولمصلحتِها، تكتبُ بنفاقٍ وخداعٍ، المهمُ المدُ لرؤساءِ التحريرِ وقبلهم رؤساءِ مجالسِ الإداراتِ، على حسابِ الحقيقةِ، فعُزِلَت وتكومَت على الأرصفةِ وبيعَت بالوزنِ عند باعة الروبابكيا. عَزَلَت  ما بين الحاكمُ  والشعبِ، فحلَت الكراهيةُ بين الحاكمِ والمحكومِ، الحاكمُ تصورَ نفسَه مُخلَدًا منزهًا، ذكًيا والشعبُ رأى في حكامِه لصوصًا مُغتصبين. صحافةٌ بحَثَت عن منفعتِها فقط، فأسقَطَت نظامًا تصورَت أن فيه أكلَ عيشِها ومعه تأكدَ سقوطُها. 

لما جاءَ مرسي، أزيحَ رؤساءُ تحريرٍ واستبدِلَت بهم وجوهًا، ليست للإصلاحِ إنما لتغيير بوصلةِ النفاقِ والخداعِ والارتزاقِ.  نفسُ النهجِ، المدرسةُ واحدةٌ، غُيِّبَ الشعبُ واِفتُرِضَ فيه الغباءُ.  حقائقٌ مُزيفةٌ، تاريخٌ يُفبرَكُ ومناسباتٌ تُمحى وأخرى تُختلقُ، بطولاتٌ كاذبةٌ وصفاتٌ شخصيةٌ في مرسي وبطانتِه وكأنهم من أهلِ الحظوةِ، وكأن الشعبَ مجموعةٌ من الدراويشِ، حي حي حي.  أين المصلحةُ العامةُ؟ ضاعَت كما أضاعَها حسني مبارك لسنين طالَت بما يفوقُ طاقةَ الاحتمالِ عند الجمادِ قبل البشرِ.  

والآن ما الحالُ بمختلفٍ، وجوهٌ عادَت من بعد إبعادٍ، بنفسِ المنطقِ، من نفسِ المدرسةِ، مصلحتي أولًا؛ صحفُ الحكومةِ تُدارُ لمصلحةِ رئيس التحريرِ، الموضوعاتُ حسبما يرى، ومن يكتبون لا بدَ أن يُسَبِحوا بحمدِه ويشكروا عبقريتَه وألمعيتَه، من يكتبون عنده وزراءٌ فاقدوا الصلاحيةِ الوظيفيةِ منذ سنوات، أقلامُهم ركيكةٌ وأفكارُهم خيبانة، القلمُ في أيادٍ بالكادِ تفكُ اللغةَ، لا يهمُ، طالما رئيسُ التحريرِ راضٍ وشبكةُ علاقاتِه في توسِعٍ. صحفُ لا تطرَحُ ما يهمُ المواطنَ لكن ما يرى رئيسُ التحريرِ، هو الذكي الألمعي الفذُ الشابُ المُتفتحُ المُنفتحُ. صحفُ الحكومةِ سائبةٌ مثل مالِها. 

من يراقبُ آداءَ صحفِ الحكومةِ الآن، ومن يُنفِقُ عليها؟ هل مالُها على عادتِها سائبًا ولماذا لا يزالُ رؤساءُ تحريرِها على مصالحِهم موجَهين؟ تساؤلاتٌ في كلِ جِلسةٍ والجرائدُ الحكوميةُ على حالِها عند باعةِ الصحفِ أكوامًا. 

من مسؤوليةِ نظامِ الحُكمِ أن يتعِظَ مما فاتَ، من رؤساءِ تحريرٍ يجعلون من الفسيخ شربات، يمجدون الحاكمِ وينفخون فيه من كل الأكاذيبِ حتى يتجبرُ ويغترُ وتدورُ به دوائرٌ غاصَ فيها من قبلَه. 

Twitter:@albahary