الأربعاء، 20 أغسطس 2008

مصر في بكين..


حياة مُغمي عليها، مُمدةٌ علي الأرض، شخصٌ يحاولُ إفاقتها، صورةٌ تصدرت صحفاً عدة، قيل أنها لاعبةُ مصارعة مصرية، ترتدي مثل المصارعين، من الواضح أنها أُدخلت مسابقةً لم يُعملْ حسابُها كما ينبغي، لم تُعرف قيمةُ المنافسين، خرجت من المنافسة بعد دقيقتين، صوروا لها أن المكسبَ يكون بالسبعة آلاف سنة حضارة وبالريادة وبالمصريين أهمة!! حياة هي مصر، "مسخسخة" "مسورقة" ، لكن في لحظات الفوقان تتصور أنها الكل في الكل وأنها فوق الكل، هلوسةٌ.
مصر في محنة، بمن يحكموها وبمن يُحكمون، سقوط حياة بين الحياة والموت يلخص الحال، يشخصه، بصراحة غائبة عن الجميع، بوضوح غام تحت خزعبلات من تصريحات مخادعة وأوهام عن انتصارات وتفوق، بلا اساس من علم أو واقع. من يتولون المسئولية من علي كراسي السلطة لا يبتكرون إلا في اختراع شعارات ومفردات لامعة، أيسرُ لاستمرارهم فوق، لا تخطيط ولا إعداد، الفشلُ يُنسي بعد حين، يُعتادُ عليه باعتباره أساسُ حياة، ركنٌ أساسيٌ فيها، ليس بمستغرب أن تكون الاخفاقات يومية، سياسة واقتصاد واجتماع، صناعة وزراعة، تعليم وصحة، من كل لون ونوع، قبل بكين وبعدها، العضويةُ الدائمةُ بمجلس الأمن قادمةٌ متوعدةٌ. في ظل غياب نظام يقوم علي محاسبة من يحكمون تسير الأمور في اتجاه واحد، كيف يكون الاستمرار في السلطة. المحاكمة الشعبية والإعلامية غير مطروحة، غير واردة، السياسات الوحيدة تدور حول التأكيد علي البقاء، لأطول مدة. من يُعينون لا يُشترط فيهم سوي عشق الكرسي، الكفاءةُ والرؤيةُ والأخلاقيات لا محل لها في مسوغات التعيين، لا غرابة في الخناقات علي الأسفار والبدلات وترتيب الجلوس علي الموائد وفي القاعات، لا عجب من التصرفات العنترية وفلتان اللسان، كله حلو طالما انشغل الجميع، طالما اتسعت قاعدةُ الانشغال، الإلهاءُ العامُ.
المحكومون ليسوا بأفضل حال، شركاءٌ هم في مُعاناة مصر، يستأهلون ما يتعرضون له، يُلدغون من نفس الجحر مرة بعد المرة، لا يتعظون ولا يتعقلون، شركات توظيف الأموال بمسميات دينية تناوبت عليهم، امتصتهم وعصرتهم، تماماً مثل حكومات سُلطت عليهم. إنهم يحصرون أملهم في الخلاص، أي خلاص، في الدعاء واللعنات، لا عمل ولا جهد ولا مشقة، قيمُ العمل واتقانُه من النوادر، حلت الفهلوة محل التفكير واعمال العقل، أزاح الغشُ الأمانة في سائر التعاملات، اللبانُ أصبح من العملات، صورةٌ من صور الاستغلال اليومي؛ لقد غلبهم اليأسُ، دفعهم إلي الانتحار غرقاً، إلي الانجراف خلف شعارات تعود بهم إلي كهوف تطرف لا يرحم ولا يتسامح، فيه هلاكهم، دمار مصر. لو كان في العمل اتقانٌ وتفان وعرقٌ ما سخسخت حياة من أول مسكة، ما كانت نكتة مبكية في عالم الكبار. شعبٌ يستخف به حاكموه، يرون أنه سببُ كل اخفاق، أنه يتوالدُ بلا وعي، أنه غير واع، لا يدركُ صالحه، يستهترون به، يستحقُ ما يتعرض له، طالما لم يسع لتغيير واقعه المر.
بكين، عالمُ اليوم، واسعٌ، طاحنٌ، لا مكان فيه لضعيف، فهلوي، فتك، متواكل، مُغيب، لحياة نزلت في مضمار ليس لها، لمن ألقوها في التهلكة بجهل وأنانية، للأسف ورطة حياة فضحت ورطة أكبر، بكثير، جداً جداً جداً،،