الجمعة، 15 يناير 2010

عادل إمام ونجع حمادي ...


ليسا ببعيدين، وجهان لنفس المحنةِ، حقيقةُ ما تتعرضُ له مصر، ما يُدبرُ لها؛ تهجمَ أحدُ أثرياءِ مفتيي الفضائياتِ علي عادل إمام، أُطلِقَت النيران علي أقباطِ نجع حمادي، أقباط مصر، في يوم عيدِهم. من الفاعل؟ من يريدون السيطرةَ علي مصر، إخضاعِها، كلٌ بطرِيقتِه.

التهجمُ علي عادل إمام وجدَ تبريرَه في أفلامٍ قدَمَها منذ فترةٍ، إنه يَسخرُ من الدعاةِ، لا بدَ من فتحِ الدفاترِ القديمةِ، تأديبِه، تمهيدٌ وإعدادٌ لزمنٍ يرُونه آتٍ، يسودُ فيه من سيحكمون، باسم الدين، من لن تُرَدُ لهم كلمةٌ، لا مكانَ لفكرٍ غيرِ فكرِهم ولا رأيَ غيرَ رأيهِم، هم الكلُ في الكلِ، السادةُ، الملوكُ، المفكرون، المقدسون، المنزهون، الأثرياءُ. في الدولةِ التي يريدونها لا فنَ ولا فكرَ ولا اختلافَ إلا فيما يسمحون به، القيودُ والسجونُ والعِصي لمن يُخالفُهم، من لا يرضون عنه في دنياهِم الموعودةٍ، في دولتِهم، التي لابدَ وأن تتوسعَ وتنتشرَ في العالمِ، القريبِ والبعيدِ.

إطلاقُ النيرانَ علي أقباطٍ في يوم عيدِهم، أمامَ كنيستِهم، ليسَ عشوائياً، ولا بفعلِ مجرمٍ مُنفعلٍ غاضبٍ، الفعلُ كلُه لمناخٍ عامٍ تشَكَلَ في اتجاهٍ الأُحاديةِ، رفضُِ الآخرين، عقيدةً، ديانةً، مذهباً، لوناً. الدولةُ الموعودةُ لا تعرفُ إلا ديناً واحداً، بتصورٍ واحدٍ، من لا يسايرُه أو يدخلًه سيكونُ في المرتبةِ الدنيا، عبداً أعجمياً، مُستباحاً ذليلاً، المواطنةُ مفهومٌ غربيٌ، لا وجودَ لها ولا للديمقراطيةِ، المثلُ عندهم في الماضي، يُجَملونه، يُزيفونه، يُغفلون فشلَه واندثارَه، بفعلِه، بعنصريتِه، بظلمِه، بِقَبليتِه.

لماذا انحدَرَت مصر؟ لماذا تَرَدَت؟ لماذا يرونها سَهلةً مُستباحةً؟ الأسبابُ عديدةٌ، في النظامِ، الشعبِ، الجيرانِ، العالمِ. النظامُ غارِقٌ في قضاياه الخاصةِ، كيف يستمرُ، يبقي، تجَمدَ، شاخَ، مماراساتُه مُتَوقعةٌ ولو تصورها مُفاجئةً، سَخَرَ إعلامَه لغُثاءٍ، تفاهاتٍ، سطحياتٍ، نفاقٍ، تدليسٍ، احتكَرَ كلَ الفرصِ، الوظائفُ لمن يتَفَنَنون في الإلهاءِ، في شَغلِ النفوسِ، تهييجِها بعيداً عنه. نظامٌ فقدَ ثقةَ شعبِه حتي لو كان علي صوابٍ، مصيبةٌ، محنةٌ، أين عقلاؤه؟ هل هم موجودون؟ فاتَ الوقتُ.

الشعبُ تغِلُه العصبياتُ في الفكرِ والتصرفاتِ، التَقاتُلُ من أجلِ مباراةِ كرةٍ، لحادثةِ مرورٍ، لمشاجرةِ أطفالٍ، يُصدِقُ من يهاجمُ النظامَ، من بابِ التشفي أحياناً، مُعاندةٌ في أحيانٍ أخري، وأيضاً كراهيةٌ. سوءُ الحالِ أدي الاختناقِ، سوءِ الخلقِ، الهجرةِ إلي سرابِ حالٍ أفضلٍ، وراءَ البحارِ، في الكيفِ، في الانقيادِ وراءَ من سيخلصون باسمِ الدينِ، ولو كانت النهايةُ علي أيديهم.

أما الجيرانُ، يكرهون مصر، من الشرقِ للغربِ، لنظامِها وشعبِها، يستبيحونها، إعلامُ البترولُ يسبُها من أرضِها، ما لا يقدرُ عليه في صحاريهم يستطيعه في مصر، عقودُ العملِ هي الرِقُ بعينِه، هي فَرضُ ثقافةِ الصحراءِ، العتامةُ، القَيظُ، الغِلظةُ، الجَفافُ، اللِحي المُحناةُ، الجلاليبُ القصيرةُ، الثيابُ الداكنةُ، الشَباشِبُ، الحياةُ المُزدوجةُ، ظاهرُها غيرُ باطنِها، قناعُ فضيلةٍ ومعيشةُ فُجرٍ.

وإلي العالمِ، الحروبٌ تَغلبُه في أفغانستان وباكستان والعراق والصومال واليمن، دخلَتها المجتمعاتُ كلُها قبلَ الجيوشِ، تفجيراتٌ في مواصلاتٍ عامةٍ في بريطانيا، ضابطٌ أردني يطلقُ النارَ علي زملاءٍ له في معسكرٍ أمريكي، متفجراتٌ في ملابسِ نيجيري علي طائرةٍ أمريكيةٍ، صومالي يحاولُ قتلَ رسامٍ دانماركي، منعٌ للمآذنِ، قيودٌ في المطاراتِ والسفرِ. المزاجُ العامُ في العالمِ معبأٌ ضد ما هو مسلمٌ، الكراهيةُ عيني عينك، هنا وهناك.

ما تُعانيه مصرُ مؤكدٌ، واضحٌ، لما في داخلِها ومن خارجِها، الأقباطُ وكذلك عادل إمام وكلُ فكرٍ، ليسوا جزءاً من حكمٍ يُرادُ إقامتُه ونشرُه، التخلصُ منهم بكلِ وسيلةٍ مباحٌ، مُحَلَلٌ. في الصومال مثالٌ له، لفاتورةٍ ستدفعُها الدولُ الضعيفةُ، الهَشةُ، من وجودِها، من استمرارِها، هل تنجو منها مصر؟