الأربعاء، 18 فبراير 2009

مصر مُضرِبةٌ..


أحدثُ الإضراباتِ، من سائقي مقطوراتِ النقلِ والصيادلةِ، تساوي من حصلوا علي قسطٍ وافرٍ من التعليم مع من لم ينولوا منه الكثيرَ، اختلفوا في الطبقةِ الاجتماعيةِ واتفقوا علي الرفضِ وضرورةِ التعبيرِ عنه. اضراباتٌ تليها اضراباتٌ، اعتصاماتٌ وغضبٌ وتذمرٌ، نظامٌ في وادٍ والشعبُ في آخرٍ. اتسَعَت الفجوةُ بين النظامِ الحاكمِ بكلِ مفراداتِه من سياساتٍ وأشخاصٍ وبين الشعبِ، اصبحَ للنفورِ القولُ الفصلُ، نفورٌ متبادلٌ بين الشعبِ وحاكميه.
أشخاصُ النظامِ فقدوا القدرةَ علي الاحساسِ بالمتاعبِ العامةِ، تسلطَت عليهم أوهامُ الفهمِ المطلقِ ورجاحةِ العقلِ، إنهم يرون ما يعجزُ عنه شعبٌ كسولٌ خاملٌ، أقلُ بفراسخٍ من مستوي عبقريتِهم وألمعيتهم؛ من فرطِ غرقِهم في ذاتِهم تمادوا في تجاهلِ الآلامِ والأوجاعِ والأنينِ، تخيلوا في ممارساتِهم دواءً مراً لا بدَ منه، توهموا أن ما يدبرونه بليلٍ ينطلي ويخدعُ، منتهي البؤسِ. الشعبُ أنصحُ من إدراكِهم، لاعبَهم بطريقتِه، أنكرَهم، قاطعَهم، كذَبَ كل ما يفعلون ويقولون، شمَتَ في اِخفاقاتِهم، وقفَ لهم بالمرصادِ علي كلِ هفوةٍ، أضرَبَ واعتصمَ مع كلِ كبوةٍ.
علاقةُ الشعبِ بحاكميه مَرَضيةٌ، أساسُها الكراهيةُ المتبادلةُ، من يحكمون فقدوا الاقناعَ والمصداقيةَ، ما أمامهم إلا العنادُ والمكابرةُ، الحكمةُ ليست للشعبِ، إنها لخارجِ الحدودِ. الإعلامُ في حالٍ مؤسيٍ من الجمودِ وفقدانِ المنطقِ، صحفُ الحكومةِ علي الأرصفةِ حتي المساءِ، الإذاعةُ والتليفزيون يبغبغان للهواءِ، المسئولون لا يهدفون إلا استمرارَ مغانمِهم؛ كلُ ما يُنسَبُ للنظامِ بلا أرضيةٍ، مترنحٌ مرتعشٌ مهتزٌ. الشعبُ يقاومُ، تارةً بأسلوبِ غاندي مع الانجليز، تارةً بالخروجِ للشوارع؛ يُقاطعُ كل ما يمثلُ النظامَ من أشخاصٍ وسياساتٍ وإعلامٍ، يُتلفِ بلا وجلٍ الممتلكاتِ العامةِ، يمتنعُ عن العملِ تباطأً في المؤسساتِ والمصانعِ ثم اضراباً واعتصاماً.
كلُ الفئاتِ جَرَبَت الاضرابات، القضاةُ، أعضاءُ هيئات التدريسِ بالجامعاتِ، المدرسون، عمالُ المصانعِ، الموظفون، السائقون، المهنيون، التجارُ، الطلابُ. حالٌ شائكٌ منفجرٌ مدمرٌ، علي الجميعِ، العقلُ صمَت، تراجَعَ، لا صوتَ إلا للعنفِ.
مصرُ كلها أضربَت، لم يتبقْ إلا الرُضَعُ، ماذا يدبرون؟!