الخميس، 5 فبراير 2009

تسييسُ مجمعِ اللغةِ العربيةِ ..


جرَت الشهر الماضي انتخاباتُ العضويةِ بمجمعِ اللغةِ العربيةِ، وطبعاً شأنُها شأنُ كل الانتخابات لا مفرَ من التربيطاتِ، كلٌ يُجمِعُ من يزيدونه نفوذاً داخلَ المجمعِ. المرشحون أيضاً يرون في عضويتِه مركزاً أدبياً ولو كانت عندهم منها تُخمةٌ، ولو كان وقتُهم لن يسمحُ لأنشطةِ المجمعِ بالاستفادةِ منهم.
مجمعُ اللغةِ العربيةِ بعيدٌ عن تدخلاتِ الحكومةِ، لذا فإنه ساحةٌ للتيارِ المتشحِ بشعاراتٍ دينيةٍ، لإثباتِ الوجودِ ولو في غير مكانِه، وقد تجلي ذلك واضحاً من الفائزِ الوحيدِ في انتخاباتِ هذا العامِ وقد عُرِفَ بانتشارِه في إحدي الفضائياتِ السعوديةِ علي الأرضِ المصريةِ وفي ما يناهضُ النظامَ من ورقياتٍ. من المؤكدِ أن هناك العشراتَ الذين يمكنهم إفادةَ اللغةِ العربيةِ لاتساعِ وقتِهم ولبعدِهم عن السياسةِ، لكن زهدُهم وبعدُ الأضواءِ عنهم رغم معرفةِ المتخصصين بهم ألقاهم جانباً مفسحاً مقعداً لمن لم يُساهم في أي نشاطٍ بالمجمعِ.
يُفترضُ أن مجمعَ اللغةِ العربيةِ يهدفُ للنهوضِ باللغةِ العربيةِ وتقريبِها من الناسِ بدلاً من أن تنكمشُ من فرطِ الإنغراقِ في شعاراتِ الحفاظِ عليها وهي واقعاً دعواتٌ لمزيدٍ من عَزلِها سواءَ بمصطلحاتٍ يستحيلُ أن يتقبلُها الوسطُ العلمي والشعبي خاصةً في مجالات العلومِ، والحاسباتُ علي رأسِها، أو بالبعدِ عن مجالاتِ العلومِ الحديثةِ لصالحِ الانغماسِ في الجِدالاتِ اللغويةِ التي لم ولن تُقدمُ. وتحضُرُني هنا ترجمةُ بالمجمعِ لمصطلحِ "مودم" بكلمةِ "فاكٌ ضامٌ "، وهو ما يُذكرني بترجمةِ نجمِ الكوميديا فؤاد المهندس لكلمةِ "كافتيريا" بكلمةِ "قهويشا". لقد استوعبَت اللغاتُ المنتشرةُ في عالمِ اليومِ، بامتدادِ اسهاماتِها الحضاريةِ علماً وفكراً، العديدَ من المصطلحاتِ الانجليزيةِ دون حساسياتٍ وذلك حتي يستمرُ ازدهارُها؛ وعلي سبيل المثال بعيداً عن الحصرِ فإن كلماتٌ مثل Modem و PC وEmail وFormat وFile و WindowsوIphone وغيرها وغيرها قد دخلت اللغات الفرنسية والألمانية واليابانية فزادتها بهاءً.
وإذا كان البعضُ يري مثلاً يُردُده عن التجربةِ السوريةِ لتعريبِ العلومِ، فهو قولٌ يفتقرُ للدقةِ، علي أقلِ تقديرٍ، فلا المراجعُ العلميةُ ولا المؤتمراتُ العلميةُ تذكرُ اسهاماً سورياً إما في صورةِ بحثٍ أو اكتشافٍ، وازدادَ انعزالُ المعاهدِ العلميةِ السوريةِ عن التطورِ لعدمِ القدرةِ علي فهمِ المصطلحاتِ الحديثةِ والتجاوبِ معها. وإذا كانت التجربةُ السوريةُ في التعريبِ مثارُ ذكرٍ فهو في إطارِ تسييسِ اللغةِ ولو كان علي حسابِ العلمِ وفهمِه والتجاوبِ معه.
انجرافُ مجمعِ اللغةِ العربيةِ وراءَ التجمعاتِ التي تهدِفُ مصلحتَها لا يصبُ في منفعتِه، فالأولياتُ مختلفةٌ، والتكتلاتُ محتومةٌ، ومن الطبيعي أن يُبعَدُ عن أنشطتِه من يستطيعون لكن لا ينضوون تحت جناحٍ ما، ولو أعطوا في المجمعِ وخارجَه.
من أسفٍ أن يهبِطَ علي الكراسي من لا يُعرفون إلا بشعاراتٍ ومن أسفٍ أن مجمعَ اللغةِ العربيةِ بعراقتِه سيرجعُ لجِدالاتِ قرونٍ ولَت ولن تعودُ إلا علي منصاتِه، وَحدُه،