السبت، 21 يونيو 2008

عندما يُحرَضُ الطالبُ علي المؤسسةِ التعليميةِ



التعليمُ تربيةٌ، ليس مجرد كتبٍ يُحشرُ بها عقلُ الطالبِ، في مرحلة المدرسة أو الجامعة. التربية أساسُها احترام المؤسسة التعليمية، القائمين عليها، نظمها، قيودها، ممنوعاتها. بقدر ما يحترم الطالب المؤسسة التعليمية تسمو أخلاق المجتمع. مقدمة تقليدية يفترض أنها من البديهيات، لكن أين ومتي؟
في مجتمع فقد هويته، وفي زمن ساد فيه من لا يؤتمنون، تكون البديهيات التربوية مما يجهل في معظمه وينكر أغلبه. الطالب يتعدي علي أساتذته بمباركة من بيئة محيطة في الأسرة والمجتمع والنظام ولو كان العكس هو ما يدعي، ولو كان التباكي علي الأخلاق بدموع التماسيح يُسيُلها أنهاراً. الطالب يتعدي علي المؤسسة التعليمية بما ترمز له من احترام للأكبر وتوافق مع النظام العام، التشاتم والتشاجر يصيرا اللغة الرسمية في التعاملات، في السياسة، التجارة، الإعلام، الرياضة، المدارس والجامعات.
الطالب يُحرم من ممارسة حقوقه السياسية، من التعبير عن رأيه، يُقمع، لكن في المقابل يكون التزلف إليه، كسب وده، علي حساب الأخلاقيات الواجبة في المؤسسات التعليمية، خطأه يكون طيشاً ولا بد من مراعاة سنه، نفس السن التي يبطش به فيها لو تجرأ في السياسة، علي أهل السلطة والحكم!! ومع شغل الكراسي بمن يبدون الولاء ولو كان زائفاً ومن ينافقون بكل نفس فيهم، تهون كثيرٌ من الأخلاقيات، هم يقفون مع الطالب ومن يساندونه علي المؤسسة التعليمية، مصلحتهم الهم الأعظم، الأخلاقيات ليست شاغلهم، هدم المجتمع لا مكان له في مساحة همومهم.
يستحيل أن يتقدم مجتمع والبقاء علي الكراسي بكل السبل هوالشغل الشاغل، في كل المجالات، علي كل المستويات؛ من يستحوذ عليه الكرسي لا تشغله أخلاقيات. نظامٌ يريدُ إدامةَ الاستمرارِ لن ينتقي إلا من يحققون غاياته، أياً كانت خلفياتهم وسوابقهم، ولو داسوا علي اساسيات التربية في المؤسسات التعليمية، ولو حرضوا علي انتهاكها وتباهوا،،

هل تنجسُ المرآةُ المسبحَ؟



أحد عناوين الصفحة الدينية بمجلة أكتوبر الأسبوعية، سؤال يطلب الفتوي، من نوعية الأسئلة التي جدت، والفتوي قطعاً جاهزة، والستر من ربنا إذا شطحت وجمحت وشطت. الحضارةُ الحديثةُ يسرت الاتصال، أخذَ عنها العالمُ العربي والإسلامي كيف يسألُ وكيف يُروجُ الفتاوي، لم يجاريها، انغمسَ في بركِ السفسطةِ والجدلِ، بكلِ السخونةِ والحرارةِ.
تحيا المنطقةُ العربيةُ والإسلاميةُ صراعاتٍ عاشَتها منذ مئات السنين، كأنَ الحياةُ توقفَت عقاربُها عندَ زمنٍ فاتَ ومضي لكنها لم تتخطاه، نفسُ النزاعاتِ، نفسُ الجدلِ، نفسُ أسلوبِ الحياةِ، زياً ومظهراً ومأكلاً وتحركاً؛ أصبحَ الماضي ملجأً ونموذجاً، موضوعاً للخطبِ الناريةِ في الزوايا وعلي المنابرِ. الحياةُ الحديثةُ مرفوضةٌ مكروهةٌ إلا فيما يُوفي مصالحاً محددةً ضيقةً، السلاحُ المتطورُ للقتالِ، الفضائياتُ للترويجِ، الإنترنت لإذاعةِ البياناتِ الناريةِ. الدعاءُ في معظمِه استجداءٌ للسحقِ والمحقِ، نادراً ما يكونُ طلباً للرزقِ والمغفرةِ والسدادِ، كأن اللهُ برحمتِه قد خلقَ الكونَ والبشرَ ليدمرُهم وأنزلَ دياناتِ ليلغيها بدلاً من أن تتكاملَ.
لم يَعُد ممكناً تمييزُ الجاهلِ من المثقفِ، من فرطِ التسطيحِ في طرحِ القضايا وإهمالِ الآراءِ، أُلغيت العقولُ وحلَ محلَها ما يراه أهلُ الفتاوي، اِحتكروا الحقَ في التفكيرِ، لما يبثونه آذانٌ ولو جافي المنطقَ القويمَ، من يُفكرُ مرزولٌ، مُهددٌ، مشتومٌ. في أيامِ الجمعةِ تُفرشُ الحصرُ علي الطرقِ العامةِ، تسُدَها، توقفٌ تامٌ، ماذا عن حياةٍ تعجزُ عن اللحاقِ بها سيارةُ إسعافٍ أو مطافئ؟ هل بعلمِ الهيئةِ المسئولةِ تتوقفُ بعضُ مركباتِ النقلِ العامِ؟ أم أنه فرضٌ لأمرٍ واقعٍ لا نقاشَ فيه؟ هل من الإيمانِ أن تُشلُ الحياةُ تماماً؟
أمةٌ كَبُرَ حجمُها وصَغُرَ عقلُها واضمَحَلَ، ثَقُلَت حركتُها، ترهلَت، بَرَكت، تلاشَت إِسهاماتُها في الحضارةِ الحديثةِ، الأخطارُ حولَها، لا تراها، لا تشعرُ بها، كأن الماضي لا يحملُ دروساً وعظاتٍ. فاتَ زمنُ تعويضِ ما فاتَ، من فرطِ التخلفِ، من إدمانِه، من الرغبةِ فيه.
أصحابُ الفتاوي، وحدُهم أصحابُ المعرفةِ، ولو جَهِلوا، علي الجميعِ السمعِ والطاعةِ، ولو كان التقدمُ للخلفِ، ولو توقفَت الحياةُ،،

المدير الزغنن




مديرٌ في منتصفِ الأربعينات، العينُ عليه، أُجلسَ علي كرسي كبير، القيادةُ للشبابِ، بعضُهم، لا بدَ أن تسلطَ عليهم الأضواءُ، دليلٌ علي فترةٍ زمنيةٍ، انجازُهم خارجَ الضرورياتِ. هكذا بمنتهي البساطةِ وضعَ كثيرٌ من الزغننين في العلالي، بأكثرِ مما تستوعبُ امكاناتُهم الإداريةُ والشخصيةُ والنفسيةُ. بكشفِ ما قدموا، لم تتحققَ علي أياديهم الناعمةِ ما أخفقَ فيه من هم أكبر سناً. المراجعةُ تؤكدُ أنهم مجردُ واجهاتٍ، لافتاتٌ لا تستهدفُهم إنما غرضُها الأوحدُ الدعايةُ لحالٍ سياسي طالَ أمدُه بأكثرِ مما يمكنُ تحملُه، الإيحاءُ بأنه قادرٌ علي التجددِ، صراعٌ مع سنةِ الحياةٍ، مع التغييرِ، نظامٌ يفردُ وجهَه بعملياتٍ تجميليةٍ، بالشدِ والفردِ والمساحيقِ، بالمديرين الزغننين.
المديرُ الزغنن، طفا علي السطحِ، علي حسابِ من هم أكبر سناً، من أضاعَت عملياتُ التجميلِ السياسيةِ فرصتَهم الطبيعيةَ في إثباتِ كفاءتِهم، اختفَت أجيالٌ بسببِ طولِ فترةِ بقاءِ النظامِ السياسي، باحتكارِه كلِ المناصبِ وبوضعِ الأصغر سناً علي الكراسي الكبيرةِ. في الدولِ الديمقراطيةِ تولي الأصغرُ سناً كراسي رئاسةِ الوزارةِ والوزراتِ باختيارِ الشعبِ، لم يحتلوها عنوةً، لم تختف أجيالٌ، لم تضع حياتُها هباءً، الفرصُ متاحةٌ للجميعِ، الكلُ شركاءٌ في المسئوليةِ، الاحترامُ للجميعِ.
المديرُ الزغنن، عندنا، لا بدَ أن يظهرَ العينَ الحمراءَ، لا بدَ أن يشخطَ، أن يبطشَ، وإلا لن يكون مديراً، و لا زغنوناً. إذا كان من الممكنِ تعيينُ مديرٍ زغنن في القطاعِ الخاصِ الذي تحكمُه اعتباراتُ سيطرةِ صاحبِ المالِ، فإنه من المستحيلِ أن تقبلَه علاقاتُ العملِ في الجامعاتِ والشركاتِ العامةِِ، يستحيلُ فيها أن يقومَ عملٌ يترأسُ فيه التلميدُ أستاذَه ما دامَ في الخدمةِ. المديرُ الزغنن في هذه الأماكن لن يعني إلا أننا في مجتمعٍ لا يحترمُ كبارَه، لا جدوي إذاً من خلقِ مدارسٍ علميةٍ، و لا حتي من تنشئةِ الطلابِ علي تبجيلِ الأكبرِ؛ النظامُ يمعنُ في إجلاسِ المديرين الزغننين لأغراضِه، لا للتعليمِ ولا للتربيةِ ولا للأخلاقِ.
الغايةُ تبررُ الوسيلةَ، الجلوسُ لأكبرِ فترةٍ ممكنةٍ رغبةٌ جامحةٌ، بادعاءِ الشبابِ، بعمليةٍ تجميليةٍ تُسمي المديرَ الزغنن. أخشي أن يستمرَ مسلسلُ المديرِ الزغنن حتي يصلُ إلي المديرِ الكتكوتِ، المديرِ الطفلِ، المديرِ في اللفةِ، حلقاتك برجالاتك، ماما زمانها جاية، من يرفض فالبحرُ واسعٌ، في انتظارِ المزيدِ،،



نُشِرَت بجريدة المصري اليوم يوم الثلاثاء ٥ فبراير ٢٠٠٨

لو لم يكن في مصر قضاءٌ



تعرَضَ القضاءُ لطعناتٍ بظهرِه بهدفِ التأثيرِ علي صورتِه وعلي مصداقيتِه، مطالبُ القضاةِ بالعدالةِ فيما يخصُهم ويخصُ مجتمعِهم رُدَت إليهم بما أدماهم، لكن القضاءَ رسالةٌ قبل أن يكون سبوبةً، أمانةٌ قبل أن يكونَ وظيفةً، يحملُها حراسٌ للعدالةِ ولو كانت قلوبُهم باكيةً. أعضاءُ هيئاتِ التدريسِ بالجامعاتِ لا يقلون عنهم حسرةً لما آلَ إليه الحالُ، تردَت أوضاعُهم بما لم يحدثُ قبلاً، الكلمةُ أصبحت لمن هم دونهم خلقاً وعلماً ومكانةً. أقولُ هذا قبل أن أعرضُ تجربةً توضحُ كمَ التردي الذي آل إليه مجتمعُنا، كمَ الإنهيارِ الذي أصابَه وضربَ المؤسسةَ التعليميةَ في العمقِ.
أُعلِنت نتيجةُ المادةِ التي أتولي تدريسَها، وكالعادةِ لا بدَ وأن يكون هناك ناجحون وراسبون، وكانت نسبةُ النجاحِ حوالي 89%، مئاتُ النتائجِ أقلُ منها في مختلفِ المراحلِ والكلياتِ والمدارسِ. أين التجربةُ إذن؟ حالاً، إن فيها الردُُ علي بعضِ المذيعين وأهلِ الإعلامِ الذي يُنصِبون أنفسَهم أوصياءً علي المجتمعِ، يدَعون الدفاعَ عنه بالتهجمِ علي أعضاءِ هيئاتِ التدريس بالجامعاتِ باعتبارِهم الحائطَ المائلَ في مجتمعٍ فقدَ تماماً احترامَه للأكبرِ، للعلمِ، يسعون للشهرةِ علي حسابِ أخلاقياتِ فُقدِت وذهبت إلي غيرِ رجعةٍ ومانشاهده من انفلاتٍ في كلِ مجالٍ خيرِ شاهدٍ. إن في هذه التجربةِ الإجابةُ علي من طرحوا بجهلٍ أو بِغِلٍ لماذا لا تُرفعُ الدعوة المباشرةُ من الطلابِ علي أعضاء هيئاتِ التدريسِ بالجامعاتِ.
فوجئت يوماً بإدارةِ الكليةِ تخبرني منزعجةً بأن هناك قضيةً مرفوعةٌ من أحد الطلابِ الراسبين بالمادةِ التي أشرت إليها وأنه يتضرر من نتيجتِها، وأن بها خطأً في التصحيحِ أدي إلي رسوبِه، وأن تقريرَ الخبيرِ المرفقِ مع أوراقِ الدعوي يؤكدُ حصولَه علي 80% من مجموعِ الدرجاتِ بينما تصحيحي لورقتِه لم يعطه أكثر من 16%!! اطلعت علي الأوراقِ ووجدت أن محامي الطالبِ حصلَ علي صورةٍ من كراسةِ الإجابةِ من كنترول الكليةِ بأمرِ المحكمةِ وأعطاها لمعيدِ المادةِ ليصحُحها، وأنه هو الذي قدر له 80% ادخالاً للشكِ في عقيدةِ المحكمةِ حتي تأمر بإعادةِ التصحيحِ!! لم تنطل الحيلةِ علي قاضٍ واعٍ، فالمعيدُ ليس من ذوي الخبرةِ حتي يصححُ كراسةِ الإجابةِ، كما أن ركن السريةِ انتفي بتصحيحه إجابةِ طالبٍ اتضحت له شخصيتُه وكذلك نواياه.
لكن ماذا لو لا قدرَ الله كانت القضيةُ لمصلحةِ الطالبِ؟ ستكونُ السابقةُ القانونيةُ التي تهِدُ أركانَ العمليةِ التعليميةِ وسيستغلُها كلُ ضعافِ النفوسِ للكيدِ لأساتذتِهم علي كافة المستوياتِ، من الابتدائيةِ وحتي الدكتوراة. التجربةُ لا تقفُ عندَ حدودِ السابقةِ القانونيةِ التي بحمدِ اللهِ ما كانت، لكنها تمتدُ إلي المعيدِ الذي شهدَ زوراً باتفاقِه مع الطالبِ وادعائه حصولِه علي 80% ، وإلي أسرةِ الطالبِ التي لم تتابعه ولم تراجعه بل شجعته وسلمته للمجتمعِ مليئاً بالحقدِ والكراهيةِ. تخيلوا من حسنِ نيتي طلبتُ من المعيدِ أن يستمر معي في تدريسِ المادةِ، لكنه اعتذرَ، سالته لماذا؟ أريدُ مادةً أخري، لم يخطر ببالي أنه غدرَ وخانَ وكذبَ.
واقعةٌ لم تشهد لها جامعاتُ ومحاكمُ مصر نظيراً، فيها كل ما يُعري مجتمعاً ضاعت فيه الأخلاقُ في الأسرةِ أولاً، ولولا القضاءُ لاختفي الشرفاءُ والمدافعون عن الحقِ، إيثاراً للسلامةِ، إنها أمام عقلِ كلِ أمينٍ علي هذا البلدِ في كلِ مجالٍ، فيها أوضحُ مثالٍ علي كمِ المعاناةِ التي يُقاسيها أعضاءُ هيئاتِ التدريسِ بالجامعاتِ ومع ذلك لا يلقون إلا التجاهلَ والتهجمَ أولاً ممن يُحسبون عليهم ومنهم.
قضاءُ مصر، شكراً شكراً شكراً، لا تضعفوا، نحن في مركبِ واحدٍ،،

الثلاثاء، 17 يونيو 2008

تَحَجبي تَتَزوجي

أُريدُ عروساً متدينةً، جملةٌ تتكررُ في إعلاناتِ الزواجِ، طلباً للعرائسِ، المفهومُ هنا أن التدينَ يظهرُ في الملبسِ، قبل ما هو غيرُ مرئي وغيرُ ظاهرٍ، كالأخلاقِ ودرجةِ التعليمِ والتدينِ الحقيقي. جملةٌ أصبحت عنواناً لمرحلةٍ نمرُ بها في مصر، أكثرُ من أي بلدٍ آخرٍ في هذه المنطقةِ أو في غيرِها، تتوازي مع حالةِ جدبٍ سياسي واقتصادي واجتماعي طالَ بها الأمدُ. اِنحسرَ الفكرُ والتمعنُ في الأمورِ وحلَت مكانَهم النظرةُ إلي ما يطفو علي السطحِ ولو أخفي القاعُ كلَ الرواسبِ والتعفنِ، أُودِعَت العقولُ لدي مفتيي الفضائياتِ يملئونها بما يحلو لهم وبما ينفخُ جيوبَهم دولاراتاً ويجعلُ من دنياهم نعيماً وحوراً حساناً.
في متابعةِ صفحاتِ الحوادثِ من العبراتِ والعظاتِ ما يكفي للدلالةِ علي ما تردي إليه مجتمعٌ تقوده القشورُ والمظهريةُ وتُرتكبُ فيه الجرائمُ بمختلفِ أنواعِها من الذين استوفوا شكلاً يبدو إلي الدين منتسباً لطالما بالغوا فيه طمعاً في المزيدِ من مغانمٍ لأنفسِهم استحلوها. الأمرُ تجاوزَ حدودَ إعمالِ العقلِ والإقناعِ وأصبحَ محصوراً في الإكراهِ استغلالاً لحالةِ اختناقٍ شحَ فيها الرزقُ وتلاشَت معها فرصُ الحياةِ الأدميةِ والعملُ والمسكنُ والمأكلُ والزواجُ من أهم مقوماتِها. مع النُدرةِ يكونُ استغلالُ الحاجةِ، لي الأذرعِ، الضغطُ المعنوي والمادي، وسيلةُ من يريدون السلطةِ للترويجِ لأفكارِهم لا تقدمَ المجتمعِ صناعياً واقتصادياً واجتماعياً.
مطلوبُ فتياتٍ محجباتٍ للوظائفِ، مطلوبُ فتاةٍ متدينةٍ للزواجِ، تعبرُ عن مرحلةِ أزمةٍ خانقةٍ وعن استغلالِها، ربطٌ بلا رابطٍ، لا ارتباطَ بين مظهرِ التدينِ وبين حسنِ أداءِ العملِ أو مقوماتِ التوفيقِ في الزواجِ، إكراهٌ هو لإثباتِ الوجودِ والكثرةِ والغلبةِ، كثرةٌ مكسورةٌ، لا يهمُ، غلبةٌ في حروبٍ لا يعلو فيها إلا الصوتُ وتنعدمُ معها الآمالُ في التقدمِ والرقي في عالمٍ لا يرحمُ متخلفاً بفعلِه.
مظاهرٌ تستهدفُ أكثرَ ما تستهدفُ المرأةَ، كأنها الحائطُ المائلُ لمجتمعٍ يتراجعُ وتخبو فيه الثقافةُ والحوارُ وتقبلُ الآخرِ سواء كان من نفسِ الديانةِ أو من دياناتٍ أخري. مجتمعٌ أُصيبَ بانفصامِ الشخصيةِ، حجابُ أعلي رأسِه يتناقضُ مع ما تحته، لحيةٌ وجلبابٌ مع تحايلٍ وتلاعبٍ وقسمٌ مُغلظٌ بالباطلِ كلِه، التعاملاتُ فيها كلُ الغشِ. صفحاتُ الحوادثِ وبريدُ القراءِ لا تكذبُ، ليست كلامَ أفلامٍ ومسلسلاتٍ ولا كلامَ محدودي رؤيةٍ، ليست مؤامراتٍ ولا غيرةً ولا عُقَدً.
العالمُ الذي يتفقُ داخلُه مع ظاهرِه وصلَ إلي المريخِ، مجتمعُنا المأزومُ تزدادُ عِللُه، لكن وماله، المهمُ أن تبدو متدينةً حتي تتزوجُ وتعملُ، أما الرجلُ فلو كانت فيه عبرُ الدنيا ومواعظُها فليس مخاطباً بحكايةِ التدينِ، سواءَ جلسَ علي كرسي السلطةِ رافعاً شعاراتِ الحلولِ أو كان دونَه في أي مكانٍ.
بيننا وبين العالمِ المتقدمِ فراسخٌ، بيننا وبين السفسطةِ والحروبِ مع طواحينِ الهواءِ كلُ الودِ والمحبةِ،،

الأحد، 15 يونيو 2008

البحث العلمي في الجامعات .. حقيقة أم خيال؟



البحث العلمي يشغل حيزاً كبيراً من أحاديث هذه الأيام خاصة في الندوات التي يعقدها مجلس الشوري. وإذا كان التقرير الذي نُشر بالصين عن أفضل 500 جامعة علي مستوي العالم مستبعداً أي جامعة مصرية وعربية قد تسبب في صدمة مضافة لتلك التي أصابتنا بعد صفر المونديال، أشهر صفر في العالم، فإنه من الضروري أن نشارك في الندوات المثارة برأي لا ينتمي إلا لصاحبه لا مدفوعاً بمكافأة أو برغبة في الجلوس علي كرسي أو الاستمرار في شغله:
1. منذ صدور تقرير ترتيب أفضل 500 جامعة علي مستوي العالم والمسئولون المصريون يحاولون تبرئة ذمتهم وتحليل كرسيهم، تارة بالتشكيك في التقرير وتارة بادعاء أن الأمور ليست علي هذه الدرجة من السوء. ردودهم مرسلة بلا واقع يساندها وبلا دعم من أراء أساتذة الجامعات المصرية المبعدين تماماً عن الندوات والجلسات بكل أشكالها؛ انحصرت الوجوه والآراء في أشخاص معروفين بمناصبهم أو بطموحاتهم.
2. يستحيل أن ينهض البحث العلمي أو أن تقوم للجامعات راية والإنفاق عليها بعيد تماماً عن قائمة الأولويات، فالكليات خالية من أعضاء هيئات التدريس لانشغالهم وراء لقمة العيش في الجامعات الخاصة، وفي مكاتبهم وعياداتهم. كيف يقوم بحث علمي وأعضاء هيئات التدريس بالجامعات مستنزفون في الجري وراء لقمة عيش شحيحة؟ أيهم أولي، حياتهم ومتطلبات أسرهم أم البحث العلمي والتدريس الحكومي؟ إذا تخلت عنهم الدولة وضعتهم في آخر الاهتمامات هل بامكانهم إصلاح أحوال مالت وآلت للسقوط؟ هل يقف ما مال بأكتافهم وحدها في دولة ناصبتهم الجفاء، علي أقل الفروض، ولم تتوان عن إظهاره؟ أما الطلاب فغائبون إما لعمل يسندهم أو يشغلون فيه مكاناً لما بعد التخرج وقت أن يعز العمل، وإما جالسون في كافتيريا أو مقهي؛ نسب حضور المحاضرات لا تزيد عن 50% في أحسن الأحوال.
3. يُقال أن الجامعات المصرية تضم نخبة من الأساتذة الكبار بعلمهم، وهذا قول صحيح في ظاهره لا واقعه، لذا فمن اللازم ألا يمر مرور الكرام، إذ أن هؤلاء الأساتذة بزغوا بكدهم وعملهم، لا فضل للجامعات المصرية فيما أنفقوا من جيوبهم وعرقهم. جامعات بلا مكتبات ولا معامل لا يُرجي منها لا بحث علمي ولا تدريس. من ناحية أخري، لابد من التمييز بين الدراسات العلمية النظرية كالإنسانيات والدراسات العلمية العملية، ففي الدراسات العلمية النظرية يمكن للأستاذ الجامعي أن يقف، إلي حد ما، علي قدميه بمجهوده الفردي، لكن في الدراسات العلمية العملية تعجز القدرات الفردية لأعضاء هيئات التدريس، فالمعامل والأجهزة هائلة التكاليف والمكتبات والدوريات العلمية تفوق طاقتهم المادية بمراحل. ومن هنا يتضح لنا مدي التدهور العلمي الذي نرزح فيه رغم تقارير نفي التردي التي يصدرها الجالسون علي الكراسي ومستشاروهم وأعوانهم.
4. يقال ضمن ما يقال في الندوات أن التقارير التي تصف أحوالنا فيها الهوي والغرض وأن نشرها يضر بالجامعات في عالم جديد ويسئ لسمعة أعضاء هيئات التدريس بالجامعات ويحط من معنوياتهم، وهي مقولات لا تثير إلا العجب. هل ظلمنا صفر المونديال؟! هل من وضعوه التفتوا لكل ما قُدم لهم من أنواع وصنوف الطبل والزمر والتعهدات الغليظة بتوفير أفضل مونديال في التاريخ؟! إن العالم علي دراية بحالنا ويقومنا بالعلم والمنطق، لكن الكرسي عندنا يغشي معظم جالسيه فلا يروا ما يسيئهم ويهدد طول جلستهم عليه، إنهم مسئولون عن التدهور مشاركون فيه بالصمت والسلبية ونوازع أنفس أمارة بكل سوء، إنهم لا يرون ما يراه غيرهم بحق، أساتذة الجامعات المبعدون المنسيون، عمداً، يرون لكن لمن؟
5. أدي نظام تعيين عمداء الكليات إلي انفصال تام بين الكليات والدولة الرسمية، فلم يعد العمداء المعينون همزة الوصل بين أعضاء هيئات التدريس والسلطات المختلفة في الدولة، أخذت الأحوال بالتالي في الانهيار المتراكم دون أحساس حقيقي بها، لم تنقل الصورة بالحق لأن نقلها ليس من صالح عمداء يهمهم في المقام الأول الاستمرار في الجلوس أو الصعود.
6. تعيين الوزراء والمسئولين يجعل منهم تابعين لمن عينهم لا أصحاب رأي أو فكر، غير مطلوبين منهم أصلاً، وهو ما يجعلهم مهتزين مشدودين لكرسي لجم ألسنتهم. وتتكرر ذات الدورة عندما يوظفوا مستشاريهم ومعاونيهم، أشخاص من ذوي التطلعات البائدة أو المستقبلة، ماضيهم الوظيفي الحقيقي يُسأل عنه زملاؤهم قبل أي ملصقات أو حفلات برعوا في إظهار أنفسهم من خلالها، تقاريرهم غالباً ما تكون إما لإرضاء صاحب الكرسي أو لتصفية حسابات قديمة ترجع إلي أيام وظيفة شغلوها ولا تزال في أذهانهم أو لكرسي يطمعون فيه. نظام كهذا يستحيل أن يبني رأياً أو فكراً أو تطويراً، إنما إلقاء تهم أو تجميل لواقع مرير يستحيل تجميله.
7. لا يمكن أن نغفل أن جزءاً هاماً من تدهور الأحوال يرجع إلي أعضاء هيئات التدريس ذاتهم بعد أن تراجع بفعل ظروف المجتمع وفعلهم دور الجامعة التربوي والتعليمي، لا هم قادرون علي التدريس بأمانة و لا هم قادرون علي البحث العلمي أو وضع خطط للأبحاث العلمية، فتحكم فيهم طلاب الدراسات العليا، وأصبحوا هم الذين يُشَرِفون عضو هيئة التدريس بالتسجيل له لا معه!! يختارون المواد السهلة لا المرتبطة بالبحث والمشرف الذي لا يقرأ ولا يراجع!! لما وجع الدماغ في مجتمع لا يحترم العلم هان فيه أعضاء هيئات تدريس وهانوا أيضاً علي أنفسهم؟!
8. نظرة إلي المدرجات والمعامل خاصة في الجامعات البعيدة عن العين، تكشف ما تنفيه التقارير الرسمية أو الشبه رسمية، المدرجات متربة، دخولها لا يكون إلا بالعفريتة، المناديل الورقية والمخلفات ملقاة في كل مكان، الجرادل والمقشات ترصع الأركان، الكراسي والمناضد في حالة سيئة، الإضاءة ضعيفة، النوافذ بلا زجاج أو لا يمكن إغلاقها، أما المعامل فحالها ليس بالأفضل، وبالطبع فإن دورات المياه لا تصلح للدخول الأدمي. جزء كبير من هذا الحال يرجع إلي سلوكيات لا منتمية ولا واعية من الطلاب، لكن جزء آخر يرجع إلي عدم اهتمام الإدارت أو عجزها.
9. نظرة أخري إلي العمالة تظهر ما يؤسي، فقد نقلت عشوائيات حياتها إلي الجامعات بدلاً من أن يرتقي بها محل العمل!! بيع البسكويت والمناديل الورقية والمشروبات علي أبواب المدرجات والمعامل، تنادي وشجار بأصوات مرتفعة، ملابس رثة المظهر والرائحة، أحياناً ما تفرض سطوتها ببيع لوازم المعامل؛ نست مهمتها الأصلية، لم تعد تمسك بالمقشة والجردل إلا للضرورة!!

أليس من الطبيعي بعد كل ما سردنا أن تتمحور أقاويل الرد علي أي تقارير تكشفنا حول مهاجمتها بلا أسانيد حقيقية، إنها عقد اضطهاد مستمرة تلازم من رحل عنهم عالم جديد في كل مفرداته، لم يتمكنوا من اللحاق به فجلسوا بجوار الحائط يلعنونه. ما نراه علي ساحة الندوات والردود المرسلة لم يغدُ إلا شهادة يغلفها تساؤل أساسي، هل هي حقاً من أهل الجامعة والبحث العلمي؟ أهل الجامعة الحقيقيون في واد آخر، أُبعدوا إليه وشُغِلوا فيه بما لا يؤدي إلا إلي المزيد من تدهور الأحوال. إنها ضجة مثيرة للرمال والأتربة، اختنق فيها الهواء النقي,
اللهم لوجهك نكتب، مرارة ما نكتب هي الواقع مع الأسف، من الزيف أن نحليه، لو حاكينا غيرنا فلا خير فينا،،