الأحد، 15 يونيو 2008

البحث العلمي في الجامعات .. حقيقة أم خيال؟



البحث العلمي يشغل حيزاً كبيراً من أحاديث هذه الأيام خاصة في الندوات التي يعقدها مجلس الشوري. وإذا كان التقرير الذي نُشر بالصين عن أفضل 500 جامعة علي مستوي العالم مستبعداً أي جامعة مصرية وعربية قد تسبب في صدمة مضافة لتلك التي أصابتنا بعد صفر المونديال، أشهر صفر في العالم، فإنه من الضروري أن نشارك في الندوات المثارة برأي لا ينتمي إلا لصاحبه لا مدفوعاً بمكافأة أو برغبة في الجلوس علي كرسي أو الاستمرار في شغله:
1. منذ صدور تقرير ترتيب أفضل 500 جامعة علي مستوي العالم والمسئولون المصريون يحاولون تبرئة ذمتهم وتحليل كرسيهم، تارة بالتشكيك في التقرير وتارة بادعاء أن الأمور ليست علي هذه الدرجة من السوء. ردودهم مرسلة بلا واقع يساندها وبلا دعم من أراء أساتذة الجامعات المصرية المبعدين تماماً عن الندوات والجلسات بكل أشكالها؛ انحصرت الوجوه والآراء في أشخاص معروفين بمناصبهم أو بطموحاتهم.
2. يستحيل أن ينهض البحث العلمي أو أن تقوم للجامعات راية والإنفاق عليها بعيد تماماً عن قائمة الأولويات، فالكليات خالية من أعضاء هيئات التدريس لانشغالهم وراء لقمة العيش في الجامعات الخاصة، وفي مكاتبهم وعياداتهم. كيف يقوم بحث علمي وأعضاء هيئات التدريس بالجامعات مستنزفون في الجري وراء لقمة عيش شحيحة؟ أيهم أولي، حياتهم ومتطلبات أسرهم أم البحث العلمي والتدريس الحكومي؟ إذا تخلت عنهم الدولة وضعتهم في آخر الاهتمامات هل بامكانهم إصلاح أحوال مالت وآلت للسقوط؟ هل يقف ما مال بأكتافهم وحدها في دولة ناصبتهم الجفاء، علي أقل الفروض، ولم تتوان عن إظهاره؟ أما الطلاب فغائبون إما لعمل يسندهم أو يشغلون فيه مكاناً لما بعد التخرج وقت أن يعز العمل، وإما جالسون في كافتيريا أو مقهي؛ نسب حضور المحاضرات لا تزيد عن 50% في أحسن الأحوال.
3. يُقال أن الجامعات المصرية تضم نخبة من الأساتذة الكبار بعلمهم، وهذا قول صحيح في ظاهره لا واقعه، لذا فمن اللازم ألا يمر مرور الكرام، إذ أن هؤلاء الأساتذة بزغوا بكدهم وعملهم، لا فضل للجامعات المصرية فيما أنفقوا من جيوبهم وعرقهم. جامعات بلا مكتبات ولا معامل لا يُرجي منها لا بحث علمي ولا تدريس. من ناحية أخري، لابد من التمييز بين الدراسات العلمية النظرية كالإنسانيات والدراسات العلمية العملية، ففي الدراسات العلمية النظرية يمكن للأستاذ الجامعي أن يقف، إلي حد ما، علي قدميه بمجهوده الفردي، لكن في الدراسات العلمية العملية تعجز القدرات الفردية لأعضاء هيئات التدريس، فالمعامل والأجهزة هائلة التكاليف والمكتبات والدوريات العلمية تفوق طاقتهم المادية بمراحل. ومن هنا يتضح لنا مدي التدهور العلمي الذي نرزح فيه رغم تقارير نفي التردي التي يصدرها الجالسون علي الكراسي ومستشاروهم وأعوانهم.
4. يقال ضمن ما يقال في الندوات أن التقارير التي تصف أحوالنا فيها الهوي والغرض وأن نشرها يضر بالجامعات في عالم جديد ويسئ لسمعة أعضاء هيئات التدريس بالجامعات ويحط من معنوياتهم، وهي مقولات لا تثير إلا العجب. هل ظلمنا صفر المونديال؟! هل من وضعوه التفتوا لكل ما قُدم لهم من أنواع وصنوف الطبل والزمر والتعهدات الغليظة بتوفير أفضل مونديال في التاريخ؟! إن العالم علي دراية بحالنا ويقومنا بالعلم والمنطق، لكن الكرسي عندنا يغشي معظم جالسيه فلا يروا ما يسيئهم ويهدد طول جلستهم عليه، إنهم مسئولون عن التدهور مشاركون فيه بالصمت والسلبية ونوازع أنفس أمارة بكل سوء، إنهم لا يرون ما يراه غيرهم بحق، أساتذة الجامعات المبعدون المنسيون، عمداً، يرون لكن لمن؟
5. أدي نظام تعيين عمداء الكليات إلي انفصال تام بين الكليات والدولة الرسمية، فلم يعد العمداء المعينون همزة الوصل بين أعضاء هيئات التدريس والسلطات المختلفة في الدولة، أخذت الأحوال بالتالي في الانهيار المتراكم دون أحساس حقيقي بها، لم تنقل الصورة بالحق لأن نقلها ليس من صالح عمداء يهمهم في المقام الأول الاستمرار في الجلوس أو الصعود.
6. تعيين الوزراء والمسئولين يجعل منهم تابعين لمن عينهم لا أصحاب رأي أو فكر، غير مطلوبين منهم أصلاً، وهو ما يجعلهم مهتزين مشدودين لكرسي لجم ألسنتهم. وتتكرر ذات الدورة عندما يوظفوا مستشاريهم ومعاونيهم، أشخاص من ذوي التطلعات البائدة أو المستقبلة، ماضيهم الوظيفي الحقيقي يُسأل عنه زملاؤهم قبل أي ملصقات أو حفلات برعوا في إظهار أنفسهم من خلالها، تقاريرهم غالباً ما تكون إما لإرضاء صاحب الكرسي أو لتصفية حسابات قديمة ترجع إلي أيام وظيفة شغلوها ولا تزال في أذهانهم أو لكرسي يطمعون فيه. نظام كهذا يستحيل أن يبني رأياً أو فكراً أو تطويراً، إنما إلقاء تهم أو تجميل لواقع مرير يستحيل تجميله.
7. لا يمكن أن نغفل أن جزءاً هاماً من تدهور الأحوال يرجع إلي أعضاء هيئات التدريس ذاتهم بعد أن تراجع بفعل ظروف المجتمع وفعلهم دور الجامعة التربوي والتعليمي، لا هم قادرون علي التدريس بأمانة و لا هم قادرون علي البحث العلمي أو وضع خطط للأبحاث العلمية، فتحكم فيهم طلاب الدراسات العليا، وأصبحوا هم الذين يُشَرِفون عضو هيئة التدريس بالتسجيل له لا معه!! يختارون المواد السهلة لا المرتبطة بالبحث والمشرف الذي لا يقرأ ولا يراجع!! لما وجع الدماغ في مجتمع لا يحترم العلم هان فيه أعضاء هيئات تدريس وهانوا أيضاً علي أنفسهم؟!
8. نظرة إلي المدرجات والمعامل خاصة في الجامعات البعيدة عن العين، تكشف ما تنفيه التقارير الرسمية أو الشبه رسمية، المدرجات متربة، دخولها لا يكون إلا بالعفريتة، المناديل الورقية والمخلفات ملقاة في كل مكان، الجرادل والمقشات ترصع الأركان، الكراسي والمناضد في حالة سيئة، الإضاءة ضعيفة، النوافذ بلا زجاج أو لا يمكن إغلاقها، أما المعامل فحالها ليس بالأفضل، وبالطبع فإن دورات المياه لا تصلح للدخول الأدمي. جزء كبير من هذا الحال يرجع إلي سلوكيات لا منتمية ولا واعية من الطلاب، لكن جزء آخر يرجع إلي عدم اهتمام الإدارت أو عجزها.
9. نظرة أخري إلي العمالة تظهر ما يؤسي، فقد نقلت عشوائيات حياتها إلي الجامعات بدلاً من أن يرتقي بها محل العمل!! بيع البسكويت والمناديل الورقية والمشروبات علي أبواب المدرجات والمعامل، تنادي وشجار بأصوات مرتفعة، ملابس رثة المظهر والرائحة، أحياناً ما تفرض سطوتها ببيع لوازم المعامل؛ نست مهمتها الأصلية، لم تعد تمسك بالمقشة والجردل إلا للضرورة!!

أليس من الطبيعي بعد كل ما سردنا أن تتمحور أقاويل الرد علي أي تقارير تكشفنا حول مهاجمتها بلا أسانيد حقيقية، إنها عقد اضطهاد مستمرة تلازم من رحل عنهم عالم جديد في كل مفرداته، لم يتمكنوا من اللحاق به فجلسوا بجوار الحائط يلعنونه. ما نراه علي ساحة الندوات والردود المرسلة لم يغدُ إلا شهادة يغلفها تساؤل أساسي، هل هي حقاً من أهل الجامعة والبحث العلمي؟ أهل الجامعة الحقيقيون في واد آخر، أُبعدوا إليه وشُغِلوا فيه بما لا يؤدي إلا إلي المزيد من تدهور الأحوال. إنها ضجة مثيرة للرمال والأتربة، اختنق فيها الهواء النقي,
اللهم لوجهك نكتب، مرارة ما نكتب هي الواقع مع الأسف، من الزيف أن نحليه، لو حاكينا غيرنا فلا خير فينا،،

ليست هناك تعليقات: