السبت، 21 يونيو 2008

لو لم يكن في مصر قضاءٌ



تعرَضَ القضاءُ لطعناتٍ بظهرِه بهدفِ التأثيرِ علي صورتِه وعلي مصداقيتِه، مطالبُ القضاةِ بالعدالةِ فيما يخصُهم ويخصُ مجتمعِهم رُدَت إليهم بما أدماهم، لكن القضاءَ رسالةٌ قبل أن يكون سبوبةً، أمانةٌ قبل أن يكونَ وظيفةً، يحملُها حراسٌ للعدالةِ ولو كانت قلوبُهم باكيةً. أعضاءُ هيئاتِ التدريسِ بالجامعاتِ لا يقلون عنهم حسرةً لما آلَ إليه الحالُ، تردَت أوضاعُهم بما لم يحدثُ قبلاً، الكلمةُ أصبحت لمن هم دونهم خلقاً وعلماً ومكانةً. أقولُ هذا قبل أن أعرضُ تجربةً توضحُ كمَ التردي الذي آل إليه مجتمعُنا، كمَ الإنهيارِ الذي أصابَه وضربَ المؤسسةَ التعليميةَ في العمقِ.
أُعلِنت نتيجةُ المادةِ التي أتولي تدريسَها، وكالعادةِ لا بدَ وأن يكون هناك ناجحون وراسبون، وكانت نسبةُ النجاحِ حوالي 89%، مئاتُ النتائجِ أقلُ منها في مختلفِ المراحلِ والكلياتِ والمدارسِ. أين التجربةُ إذن؟ حالاً، إن فيها الردُُ علي بعضِ المذيعين وأهلِ الإعلامِ الذي يُنصِبون أنفسَهم أوصياءً علي المجتمعِ، يدَعون الدفاعَ عنه بالتهجمِ علي أعضاءِ هيئاتِ التدريس بالجامعاتِ باعتبارِهم الحائطَ المائلَ في مجتمعٍ فقدَ تماماً احترامَه للأكبرِ، للعلمِ، يسعون للشهرةِ علي حسابِ أخلاقياتِ فُقدِت وذهبت إلي غيرِ رجعةٍ ومانشاهده من انفلاتٍ في كلِ مجالٍ خيرِ شاهدٍ. إن في هذه التجربةِ الإجابةُ علي من طرحوا بجهلٍ أو بِغِلٍ لماذا لا تُرفعُ الدعوة المباشرةُ من الطلابِ علي أعضاء هيئاتِ التدريسِ بالجامعاتِ.
فوجئت يوماً بإدارةِ الكليةِ تخبرني منزعجةً بأن هناك قضيةً مرفوعةٌ من أحد الطلابِ الراسبين بالمادةِ التي أشرت إليها وأنه يتضرر من نتيجتِها، وأن بها خطأً في التصحيحِ أدي إلي رسوبِه، وأن تقريرَ الخبيرِ المرفقِ مع أوراقِ الدعوي يؤكدُ حصولَه علي 80% من مجموعِ الدرجاتِ بينما تصحيحي لورقتِه لم يعطه أكثر من 16%!! اطلعت علي الأوراقِ ووجدت أن محامي الطالبِ حصلَ علي صورةٍ من كراسةِ الإجابةِ من كنترول الكليةِ بأمرِ المحكمةِ وأعطاها لمعيدِ المادةِ ليصحُحها، وأنه هو الذي قدر له 80% ادخالاً للشكِ في عقيدةِ المحكمةِ حتي تأمر بإعادةِ التصحيحِ!! لم تنطل الحيلةِ علي قاضٍ واعٍ، فالمعيدُ ليس من ذوي الخبرةِ حتي يصححُ كراسةِ الإجابةِ، كما أن ركن السريةِ انتفي بتصحيحه إجابةِ طالبٍ اتضحت له شخصيتُه وكذلك نواياه.
لكن ماذا لو لا قدرَ الله كانت القضيةُ لمصلحةِ الطالبِ؟ ستكونُ السابقةُ القانونيةُ التي تهِدُ أركانَ العمليةِ التعليميةِ وسيستغلُها كلُ ضعافِ النفوسِ للكيدِ لأساتذتِهم علي كافة المستوياتِ، من الابتدائيةِ وحتي الدكتوراة. التجربةُ لا تقفُ عندَ حدودِ السابقةِ القانونيةِ التي بحمدِ اللهِ ما كانت، لكنها تمتدُ إلي المعيدِ الذي شهدَ زوراً باتفاقِه مع الطالبِ وادعائه حصولِه علي 80% ، وإلي أسرةِ الطالبِ التي لم تتابعه ولم تراجعه بل شجعته وسلمته للمجتمعِ مليئاً بالحقدِ والكراهيةِ. تخيلوا من حسنِ نيتي طلبتُ من المعيدِ أن يستمر معي في تدريسِ المادةِ، لكنه اعتذرَ، سالته لماذا؟ أريدُ مادةً أخري، لم يخطر ببالي أنه غدرَ وخانَ وكذبَ.
واقعةٌ لم تشهد لها جامعاتُ ومحاكمُ مصر نظيراً، فيها كل ما يُعري مجتمعاً ضاعت فيه الأخلاقُ في الأسرةِ أولاً، ولولا القضاءُ لاختفي الشرفاءُ والمدافعون عن الحقِ، إيثاراً للسلامةِ، إنها أمام عقلِ كلِ أمينٍ علي هذا البلدِ في كلِ مجالٍ، فيها أوضحُ مثالٍ علي كمِ المعاناةِ التي يُقاسيها أعضاءُ هيئاتِ التدريسِ بالجامعاتِ ومع ذلك لا يلقون إلا التجاهلَ والتهجمَ أولاً ممن يُحسبون عليهم ومنهم.
قضاءُ مصر، شكراً شكراً شكراً، لا تضعفوا، نحن في مركبِ واحدٍ،،

ليست هناك تعليقات: