السبت، 21 يونيو 2008

هل تنجسُ المرآةُ المسبحَ؟



أحد عناوين الصفحة الدينية بمجلة أكتوبر الأسبوعية، سؤال يطلب الفتوي، من نوعية الأسئلة التي جدت، والفتوي قطعاً جاهزة، والستر من ربنا إذا شطحت وجمحت وشطت. الحضارةُ الحديثةُ يسرت الاتصال، أخذَ عنها العالمُ العربي والإسلامي كيف يسألُ وكيف يُروجُ الفتاوي، لم يجاريها، انغمسَ في بركِ السفسطةِ والجدلِ، بكلِ السخونةِ والحرارةِ.
تحيا المنطقةُ العربيةُ والإسلاميةُ صراعاتٍ عاشَتها منذ مئات السنين، كأنَ الحياةُ توقفَت عقاربُها عندَ زمنٍ فاتَ ومضي لكنها لم تتخطاه، نفسُ النزاعاتِ، نفسُ الجدلِ، نفسُ أسلوبِ الحياةِ، زياً ومظهراً ومأكلاً وتحركاً؛ أصبحَ الماضي ملجأً ونموذجاً، موضوعاً للخطبِ الناريةِ في الزوايا وعلي المنابرِ. الحياةُ الحديثةُ مرفوضةٌ مكروهةٌ إلا فيما يُوفي مصالحاً محددةً ضيقةً، السلاحُ المتطورُ للقتالِ، الفضائياتُ للترويجِ، الإنترنت لإذاعةِ البياناتِ الناريةِ. الدعاءُ في معظمِه استجداءٌ للسحقِ والمحقِ، نادراً ما يكونُ طلباً للرزقِ والمغفرةِ والسدادِ، كأن اللهُ برحمتِه قد خلقَ الكونَ والبشرَ ليدمرُهم وأنزلَ دياناتِ ليلغيها بدلاً من أن تتكاملَ.
لم يَعُد ممكناً تمييزُ الجاهلِ من المثقفِ، من فرطِ التسطيحِ في طرحِ القضايا وإهمالِ الآراءِ، أُلغيت العقولُ وحلَ محلَها ما يراه أهلُ الفتاوي، اِحتكروا الحقَ في التفكيرِ، لما يبثونه آذانٌ ولو جافي المنطقَ القويمَ، من يُفكرُ مرزولٌ، مُهددٌ، مشتومٌ. في أيامِ الجمعةِ تُفرشُ الحصرُ علي الطرقِ العامةِ، تسُدَها، توقفٌ تامٌ، ماذا عن حياةٍ تعجزُ عن اللحاقِ بها سيارةُ إسعافٍ أو مطافئ؟ هل بعلمِ الهيئةِ المسئولةِ تتوقفُ بعضُ مركباتِ النقلِ العامِ؟ أم أنه فرضٌ لأمرٍ واقعٍ لا نقاشَ فيه؟ هل من الإيمانِ أن تُشلُ الحياةُ تماماً؟
أمةٌ كَبُرَ حجمُها وصَغُرَ عقلُها واضمَحَلَ، ثَقُلَت حركتُها، ترهلَت، بَرَكت، تلاشَت إِسهاماتُها في الحضارةِ الحديثةِ، الأخطارُ حولَها، لا تراها، لا تشعرُ بها، كأن الماضي لا يحملُ دروساً وعظاتٍ. فاتَ زمنُ تعويضِ ما فاتَ، من فرطِ التخلفِ، من إدمانِه، من الرغبةِ فيه.
أصحابُ الفتاوي، وحدُهم أصحابُ المعرفةِ، ولو جَهِلوا، علي الجميعِ السمعِ والطاعةِ، ولو كان التقدمُ للخلفِ، ولو توقفَت الحياةُ،،

ليست هناك تعليقات: