الثلاثاء، 17 يونيو 2008

تَحَجبي تَتَزوجي

أُريدُ عروساً متدينةً، جملةٌ تتكررُ في إعلاناتِ الزواجِ، طلباً للعرائسِ، المفهومُ هنا أن التدينَ يظهرُ في الملبسِ، قبل ما هو غيرُ مرئي وغيرُ ظاهرٍ، كالأخلاقِ ودرجةِ التعليمِ والتدينِ الحقيقي. جملةٌ أصبحت عنواناً لمرحلةٍ نمرُ بها في مصر، أكثرُ من أي بلدٍ آخرٍ في هذه المنطقةِ أو في غيرِها، تتوازي مع حالةِ جدبٍ سياسي واقتصادي واجتماعي طالَ بها الأمدُ. اِنحسرَ الفكرُ والتمعنُ في الأمورِ وحلَت مكانَهم النظرةُ إلي ما يطفو علي السطحِ ولو أخفي القاعُ كلَ الرواسبِ والتعفنِ، أُودِعَت العقولُ لدي مفتيي الفضائياتِ يملئونها بما يحلو لهم وبما ينفخُ جيوبَهم دولاراتاً ويجعلُ من دنياهم نعيماً وحوراً حساناً.
في متابعةِ صفحاتِ الحوادثِ من العبراتِ والعظاتِ ما يكفي للدلالةِ علي ما تردي إليه مجتمعٌ تقوده القشورُ والمظهريةُ وتُرتكبُ فيه الجرائمُ بمختلفِ أنواعِها من الذين استوفوا شكلاً يبدو إلي الدين منتسباً لطالما بالغوا فيه طمعاً في المزيدِ من مغانمٍ لأنفسِهم استحلوها. الأمرُ تجاوزَ حدودَ إعمالِ العقلِ والإقناعِ وأصبحَ محصوراً في الإكراهِ استغلالاً لحالةِ اختناقٍ شحَ فيها الرزقُ وتلاشَت معها فرصُ الحياةِ الأدميةِ والعملُ والمسكنُ والمأكلُ والزواجُ من أهم مقوماتِها. مع النُدرةِ يكونُ استغلالُ الحاجةِ، لي الأذرعِ، الضغطُ المعنوي والمادي، وسيلةُ من يريدون السلطةِ للترويجِ لأفكارِهم لا تقدمَ المجتمعِ صناعياً واقتصادياً واجتماعياً.
مطلوبُ فتياتٍ محجباتٍ للوظائفِ، مطلوبُ فتاةٍ متدينةٍ للزواجِ، تعبرُ عن مرحلةِ أزمةٍ خانقةٍ وعن استغلالِها، ربطٌ بلا رابطٍ، لا ارتباطَ بين مظهرِ التدينِ وبين حسنِ أداءِ العملِ أو مقوماتِ التوفيقِ في الزواجِ، إكراهٌ هو لإثباتِ الوجودِ والكثرةِ والغلبةِ، كثرةٌ مكسورةٌ، لا يهمُ، غلبةٌ في حروبٍ لا يعلو فيها إلا الصوتُ وتنعدمُ معها الآمالُ في التقدمِ والرقي في عالمٍ لا يرحمُ متخلفاً بفعلِه.
مظاهرٌ تستهدفُ أكثرَ ما تستهدفُ المرأةَ، كأنها الحائطُ المائلُ لمجتمعٍ يتراجعُ وتخبو فيه الثقافةُ والحوارُ وتقبلُ الآخرِ سواء كان من نفسِ الديانةِ أو من دياناتٍ أخري. مجتمعٌ أُصيبَ بانفصامِ الشخصيةِ، حجابُ أعلي رأسِه يتناقضُ مع ما تحته، لحيةٌ وجلبابٌ مع تحايلٍ وتلاعبٍ وقسمٌ مُغلظٌ بالباطلِ كلِه، التعاملاتُ فيها كلُ الغشِ. صفحاتُ الحوادثِ وبريدُ القراءِ لا تكذبُ، ليست كلامَ أفلامٍ ومسلسلاتٍ ولا كلامَ محدودي رؤيةٍ، ليست مؤامراتٍ ولا غيرةً ولا عُقَدً.
العالمُ الذي يتفقُ داخلُه مع ظاهرِه وصلَ إلي المريخِ، مجتمعُنا المأزومُ تزدادُ عِللُه، لكن وماله، المهمُ أن تبدو متدينةً حتي تتزوجُ وتعملُ، أما الرجلُ فلو كانت فيه عبرُ الدنيا ومواعظُها فليس مخاطباً بحكايةِ التدينِ، سواءَ جلسَ علي كرسي السلطةِ رافعاً شعاراتِ الحلولِ أو كان دونَه في أي مكانٍ.
بيننا وبين العالمِ المتقدمِ فراسخٌ، بيننا وبين السفسطةِ والحروبِ مع طواحينِ الهواءِ كلُ الودِ والمحبةِ،،

ليست هناك تعليقات: