الجمعة، 10 يوليو 2009

جرائمُ الجيرةُ ...



قَتلَ متعصبٌ عاطلٌ صيدلانيةً مصريةً، في ألمانيا، في قلب أوروبا، في محكمةٍ التَمَسَت فيها حقَها، جريمةٌ أثارَت السخطَ وأطلَقَت المظاهراتِ غاضبةً في الاسكندرية بمصر. هذه النوعيةُ من الجرائمِ تعكسُ بوضوحٍ ما تخفيه الصدورُ ولا تنطِقُه الألسِنةُ، ما يدورُ خلفَ أبواب مغلقةٍ لا ما تُعلنُه المؤتمراتُ ووسائلُ الإعلامِ والرسمياتُ، إنها حقيقةُ المجتمعِ، أي مجتمعٍ. صمتَت ألمانيا فترةً، ثَقلَ لسانُها، ثم اعترفَت بعنصريةِ الجريمةِ واعتذرَت.
جرائمُ الجيرةِ تعكسُ واقعَ المجتمعِ، عنصريٍ كان أو طائفي أو طبقي أو قَبَلي، لا تمحوها دعاياتٌ إعلاميةٌ أو سياسيةٌ، إنها في دواخلِ النفوسِ والعقولِ. وقوعُها في المانيا، في أوروبا، سلَطَ عليها الضوءَ، من المفترضِ أنها مواطنُ الحريةِ والديمقراطيةِ وحقوقِ الإنسانِ. الغَضَبُ في الشارعِ المصري لم يتفقْ معه غضبٌ في الشارعِ العربي والإسلامي، الفُرقةُ أعلي من مشاعرِ الحزنِ ولو علي روحٍ إنسانيةٍ ضاعَت ومعها أملُ أسرةٍ.
من المعتادِ في المجتمعاتِ العربيةِ والإسلاميةِ أن تقعَ جرائمُ الجيرةِ، بسببِ لِعبِ الأطفالِ أو مشاجرةٍ علي زجاجةِ مياه غازية أوحتي مزاحٍ ثقيلٍ، يندلعُ القتالُ بين الأسرِ، المصيبةُ لو أن أحدَ أطرافِ المشاجرةِ مختلفٌ في الديانةِ، ساعتُها سيكون إحراقُ المحالِ والمساكنِ ودورِ العبادةِ؛ القُري والأحياءُ التي يُفرَضُ عليها حظرُ التجولِ شاهدةٌ علي ما آلَ إليه المجتمعِ من ضيقٍ في الصدورِ والعقولِ. تثورُ المظاهراتُ إذا كان الخطأُ في الخارجِ ولا يهتزُ جفنٌ عندما تُفقَدُ الحياةُ والرزقُ لجرائمِ جيرةٍ تتكررُ دوماً.
في ألمانيا خَجَلوا واعترفوا بعنصريةِ الجاني، من المؤكدِ أن يُحاكمَ، عندنا هناك من يعتبرون جرائمَ الجيرةِ جهاداً، ووكثيراً ما تري الحكومةُ مرتكبيها مختلين عقلياً، نادراً ما تُحاكمهم مُكتفيةً بمجالسِ صلحٍ وهميةٍ وقبلاتٍ لا تَخفي حقداً كَمَنَ في الصدورِ. المجتمعاتُ العربيةُ والإسلاميةُ تتصرفُ دوماً بعقليةِ المجني عليه، المضطهدِ، من يُحارَبَ في دينِه، تتغافلُ دوماً عن فهمِ الآخرين وتَقَبلِهم، تري أنها الأخيَرُ، لم تثُرْ لمقتلِ سياحٍ أجانب أو خطفِهم، لم تخجلْ، بل وجدَت من يبررُ ويؤيدُ، من الطبيعي أن تكونَ ردودُ الأفعالِ في الصدورِ الأوروبيةِ والغربيةِ وغيرها وغيرِها، حادةٌ غاضبةٌ مُستَنفرةٌ لأي حدثٍ ولو كان خفيفاً من جارٍ مسلِمٍ.
يُسافرُ المسلمون والعربُ إلي الغربِ وغيرِه وفي معتقدِهم أن يغيروه لا أن يتعايشوا معه، يتعدون علي طرُقاتِه بحجةِ الصلاةِ تماماً كما يفعلون بوضعِ اليدِ في مجتمعاتِهم، يذبحون أضاحيهم علناً وكأنهم علي أرضِهم، يرون في نسائه لحوماً مكشوفةً، يعيشون مكاناً ليس لهم بعقليتِهم فيخطئونه مُتخيلين أنفسَهم فاتحين لا طالبي رزقٍ وعلمٍ فارين من جحيمِ مجتمعاتِهم. العالمُ، خارجَ المجتمعاتِ العربيةِ والإسلاميةِ، لا يريدُ أن يكون موطئاً لأفكارِهم، يرفضهم بعد أن رأي قدرَ ما هم فيه من تعاسةٍ وتناحرٍ وتخلفٍ، سياسيٍ واجتماعيٍ وفكريٍ وحضاريٍ.
جرائمُ الجيرةِ يستحيلُ منعُها، هي حقيقةُ المجتمعاتِ، هي همجيتُها، بلا مزايداتٍ ولا معايراتٍ، الهمُ طالَ الجميعَ،،