الأحد، 8 مايو 2011

فى عبراتِ سقوطِ الدولةِ العثمانيةِ ...

بعدما كانت قوة عظمى، بدأ فى عام 1800 سقوطُ الإمبراطوريةِ العثمانيةِ بسبب مزيجٍ من الانحطاطِ الداخلي والضغوط الخارجية. فَقدت حيويتَها الاقتصاديةَ بعدما أخَذَت الدولُ الأوروبيةُ الكبرى فى الدوران حول أفريقيا للتجارةِ واعتمَدت على الأمريكتين بدلا من الوسيط العثمانى، أيضاً تجاوزَت أوروبا الصناعية التقاليدَ العثمانيةَ التي عفا عليها زمنُ الثورةِ الفكريةِ والصناعيةِ. كما أدى ضعفُ نظامِ السلطنةِ إلى فقدانِ السيطرةِ المركزيةِ للدولةِ العثمانيةِ ثم الانهيارِ في نهايةِ المطافِ بعد تحالفِها مع ألمانيا في الحرب العالمية الأولى.
من القرن السادس عشر وحتى القرن الثامن عشر، أخذَت أوروبا طريقَ التقدمِ في جميع مجالات الحياة بأفكارٍ جديدةٍ وضَعَت تحدياً للقديمِ وأحدَثَت تغييراتٍ جِذريةٍ فى المجتمعِ تُناقضُ مع تأسسَت عليه الدولةُ العثمانيةُ التقليديةُ. غيَرَت الثورةُ العلميةُ التي حدَثَت في القرنِ السادسِ عشر الطريقةَ التي ينظرُ بها الأوروبيون إلى الحياةِ ككلِ، وتمحوَرَت ثورةُ الفكرِ على أساسياتٍ ثلاثة، الحرية والحقوق والمساواة، وغُلِبَ العقلُ على القوالبِ التقليديةِ كلِها.

وإذا عدنا إلى بدايةِ القرنِ الرابع عشر، فقد أنشأ عثمان الأول الدولة العثمانية، التي كانت متجهةً لتصبحُ واحدةً من إمبراطورياتِ التاريخِ القويةِ التى سيطرَت في أوجِها على منطقةٍ واسعةٍ شَمَلَت بلداناً في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ وشمالِ أفريقيا، وأوروبا. وقد كان عثمان الأول، الأول في سلسلةٍ طويلةٍ من السلاطين الذين حكموا الإمبراطوريةَ العثمانية التى دامت لأكثرِ من 700 سنة، من عام 1301 لعام 1922، صعَدَت خلالها حتى سقَطَت بغيرِ رجعةٍ.
كان تراجعُ نظامِ السلطنةِ أحدَ الأسبابِ الرئيسيةِ المسؤولةِ عن سقوط الإمبراطورية العثمانيةِ. في الأصلِ كانت السلطنةُ مؤسسةً قويةً، يختارُ فيها السلطانُ خليفةً له من بين العديِدِ من أبنائه (وكان لبعضِ السلاطينِ أكثرُ من خمسمائةِ إبنٍ). وقد بدأ ضَعفُ السلطنةِ في عهد سليمان الفاتحِ على الرغم من أن حكمَه شهَدَ العصرَ الذهبى للإمبراطوريةِ العثمانيةِ، إلا أنه في السنوات الأخيرة من حياتِه أصبحَ أقلَ نشاطاً فى الاهتمامِ بشؤونِ الدولةِ، إلى أن دَبَرَ ضدَه إثنان من خلفائه المحتملين فأعدَمَهم. تلى ذلك، تَوَلى سليم الثاني السلطنةِ على الرغمِ من حقيقةِ أنه كان يعيشُ حياةً منعزلةً في القصرِ وبلا خبرةٍ في الحكمِ ولا كفاءةٍ، وقد كان ولَعُه المُفرِطُ والوحيدُ بالمُتعِ الجَسَديةِ. من بعده، واصلَت السلطنةُ الهبوطَ والتراجعَ، لانشغالِ الخلفاءِ المُحتملين بالحريمِ، ولهَجَرِ السلاطينِ تقليدِ تدريبِ أبنائهم على إدارةِ السلطنةِ والحكمِ. وقد أدى تراجعُ نظامِ السلطنةِ إلى ضَعفِ سيطرةِ الحكومةِ المركزيةِ على أنحاءِ الإمبراطورية، فأخَذَت قطاعاتٌ كبيرةٌ من الإمبراطوريةِ فى الانفصالِ، فى شمال أفريقيا عام 1808 وفى اليونان عام 1826.

وشهَدَت الإمبراطوريةُ العثمانيةُ ركوداً اقتصادياً لأنها فَشَلَت في التَكَيُفِ مع التَغَيُراتِ التي طرأت على العالمِ من حولها. لفترةٍ طويلةٍ خَدَمَت الإمبراطوريةُ العثمانيةُ كبوابةٍ للشرقِ، لأنها جَلَسَت على مفترقِ الطرقِ بين أوروبا وآسيا. وبالتالي، شكَلَت الإيراداتُ من طُرقِ التجارةِ جُزءً أساسياً من اقتصادِها. إلا أن الأوروبيين طَوَروا طُرقَ التجارةِ الجديدةِ التي تجاوزَت الإمبراطوريةَ العثمانيةَ، مما ضَرَبَها بشدةٍ. ثم، خلالُ القرنِ الثامن عشر، فَشلَ العثمانيون في التصنيعِ وتخلَفوا تماماً عن الدولِ الأوروبيةِ المحيطةِ بهم، وبطبيعةِ الحالِ خابَت بضاعتُهم فى المنافسةِ وهو ما جعَلَ الركودَ الاقتصادى يخنقُهم ويُوهِنُ إمبراطوريتَهم.

أيضاً، كان التحولُ في ميزان القوى الدولي عاملاً فاعلاً في سقوط العثمانيين. فقد شَكَلَ أورخان، السلطان العثماني الثاني، شعبةً من الجيشِ سماها الإنكشارية، ظَلَت أشرس قوة قتالية في أوروبا لأعوامٍ كثيرة. في عهدِ سليمان أصبَحَت الإمبراطورية العثمانية أقوى دولة في العالم، وفي عام 1529 وصلَ سليمان أبوابَ فيينا. مع مرورِ الوقت، تقادَمَت الإنكشارية وتمرَدَت وعجزَت عن ملاحقةِ الثورةِ الصناعيةِ، ولم يعدْ العثمانيون قوةً. وعلاوةً على ذلك، أضعَفَتهم الحروبُ العديدةُ مع روسيا خلال الفترةِ 1806-1812، وكذلك فى القِرم 1853-1856، وأنهَكَتُهم حركاتُ التمردِ في منطقة البلقان. في عام 1839، حارَبَ العثمانيون ضد محمد علي، حاكم مصر، وهو ما أسفَرَ عن خروجِ مصر من الامبراطورية العثمانية. كما لم تكنْ علاقاتُ العثمانيين بجيرانِهم جيدةً، وارتكبوا فى 1915-1918 مذبحةَ تطهيرٍ عرقيٍ راحَ ضحيتها مليونٌ والنصفُ مليونٍ من الأرمن. في آخرِ المطافِ، تحالفَ العثمانيون في الحربِ العالميةِ الأولى مع ألمانيا، ومع نهايتها، كانت الإمبراطوريةُ العثمانيةُ قد مُزِقَت ولم يبقْ منها إلا تركيا الحاليةُ.

وفي الختامِ، اِنهارَت الإمبراطوريةُ العثمانيةُ بعدةِ عواملٍ داخليةٍ وخارجيةٍ، أدَت في خاتمةِ مطافِها إلى عزلةٍ عن التاريخِ والجغرافيا أسقطتها بلا رحمةٍ. سَجَنَت الإمبراطوريةُ العثمانيةُ نفسَها فى العصورِ الوسطى بكلِ مَظالِمِها، بينما الكلُ من حولِها يسبقُها وهى غافلةٌ، لدرجةِ أن العثمانيين كانوا يتصورون الجنودَ الأوروبيين حريماً لشعورِهم الطويلةِ إلى أن فوجئوا بهم رجالاً غازين منتصرين. تسبَبَ الفسادُ في مؤسسةِ الامبراطوريةِ العثمانية والحكومةِ، ورفضِها التقدمِ الاجتماعى والثقافى والسياسى والاقتصادى والعلمى فى تفتتِها ووقوعِها بسهولةٍ فى أيدى إمبراطورياتٍ جديدةٍ تسيطرُ على العالمِ بعقولٍ مُنفتحةٍ، حَقَقَت للإنسان حريتَه وكرامتَه.

Twitter: @albahary

ليست هناك تعليقات: