الاثنين، 7 أبريل 2014

الخِنيسُ والفيسبوك ...


خَنَسَ في اللغةِ تَعني تأخرَ أو اِختَفى، والخِنيسُ هو من يَتأخرُ أو يَختَفي.  في اللغةِ الشائعةِ الدارجةِ الخِنيسُ ليست إذن بالصفةِ الجيدةِ، هي تَدُلُ على الشخصِ الذي يَخفي مَظهرُه الُمخادِعُ ما يُبطنُ من شرورٍ. الخنيسُ يَكذبُ ويُضلِلُ ويَغِشُ ويُدبرُ المكائدَ ويَتَصيدُ ما ليس له، يجري على كلِ شئ جري الوحوشِ، كلُه تحت قناعٍ من الأدبِ والحكمةِ والهدوءِ. أما فيسبوك فقد أصبحَ الوسيلةَ الأمثلَ للغشِ الاجتماعي والسياسي والمهني، تَحَولَ من تقريبِ من طالَت عليهم المسافاتُ إلى أداةٍ لمن يَخْنِسون، خاصةً على من لا يَرونَهم ولا يَعرِفون حَقيقَتِهم.  

فيسبوك لم يُغَيِرْ شعرةً في الولايات المتحدةِ الأمريكيةِ وأوروبا وأسيا، حافظًا لمركزِه وحدودِه، لكنه في الدولِ المُنغَلِقةِ ظَهَرَ كبديلٍ عن التواصلِ الحقيقي، أصبحَ لسانَ من  يَعجَزُ عن المواجهةِ، ومن يريدُ إخفاءَ حقيقتِه. كم من فتياتٍ وفتيانٍ انضَحَكَ عليه من خِنيسي فيسبوك، وكم من سياسيين َركَبوا فيسبوك وظهروا مُصلحين وُعاظًا، ناصِحين وآمِرين ناهين، انخَدَعَ فيهم الملايين واِنجَروا.  في كلِ مجالٍ هناك خِنيسون، في العملِ والإعلامِ والسياسةِ والرياضةِ والمجتمعِ، مَهتُهم أسهلُ وأيسرُ مع فيسبوك وتويتر وغيرها من مواقعِ الخِداعِ الاجتماعي والوظيفي والسياسي، وما من واقٍ من غِشِهم إلا بالحذرِ والتيقنِ، وبالتجمعاتِ الموثوقةِ، ما هي على فيسبوك وما هي بالاتصالِ الحقيقي وهو الأهم.    

بعد ٢٥ يناير ٢٠١١ أظهَرَ الإعلامُ وفيسبوك وتويتر وجوهًا، لم تكن مَعروفةً، اِستفادَت من الاِضطرابِ السياسي، واستخدَمَت كلَ ما هو متاحٌ لها، بإيعازٍ من آخرين أو من تلقاءِ نفسِها، لإحداثِ فورانٍ في الشارعِ. لما نَجَحَ فيسبوك وتويتر والإعلامُ أيقَنَ كثيرون أنهم وسيلةَ انتِشارٍ  ودعايةٍ وتَغلغُلٍ وتعبيرٍ؛ شاعَت كلمةُ تويتة، للدلالةِ على كلمةٍ قصيرةٍ على تويتر لا تزيدُ عن ١٤٠ حرفًا، والتَصَقَت بمن يعجزُ عن التواصلِ الحقيقي فيكتبُ ولا من شافَ ولا من دَرى. هَرَبَ كثيرون أو اختفوا ولم يعدْ من أثرٍ لهم إلا تويتاتٍ وكلامًا على فيسبوك. وبنفسِ منطقِ الهروبِ، الكلامُ في الهواءِ، للخداعِ والظهورِ بمظهرٍ غير المظهرِ وبلسانٍ غيرِ اللسانِ وبأخلاقٍ غيرِ الأخلاقِ.  

الخِنيسُ ظريفٌ جدًا، حَبوب بالقوي، ثَوري نار، فَصحيح لِبلب، لكن واقعَه  عِفِش، ولا مؤاخذة، وحقيقَتَه هباب، برضه ولا مؤاخذة، إنهم كُثرُ، هم ثَعابين هذا الزمن وعَقارِبُه. هل تذكرون فيلم الجبان والحب، ليس كل من يُحِبُ جبانًا، وأيضًا، ليس كلُ من يَدخلُ على فيسبوك وتويتر خِنيسًا، الاحتياطُ واجبٌ، ولا يُلدَغُ مؤمنٌ من ُجحرٍ لُدِغَ منه جارُه أو صديقُه أوقريبُه،،




نُشِرَت بجريدة روز اليوسف يوم الاثنين ٧ إبريل ٢٠١٤










Twitter: @albahary