السبت، 14 يونيو 2008

في اختيارِ أهلِ الكرسي



الكرسي مطمحُ الكثيرين، حلمُ حياتِهم، يهونُ من أجلِه الأهلُ والأصدقاءُ، لا هزلَ في حبِه، لا هوادةَ في الاستمرارِ عليه؛ الكرسي هو الشهرةُ، السلطةُ، المالُ، مفتاحٌ هو لكلِ الأبوابِ. الكرسي في بلادنا غير الكرسي في عالمٍ آخرٍ يحددُ كيف ومتي يكون الجلوسُ عليه. اختيارُ أهلِ الكرسي يعكسُ فلسفةَ حكمٍ، مواصفاتُهم الشخصيةُ ونقاطُ ضعفِهم هي الاعتبارُ الأولُ، الكفاءةُ موجودةٌ في الكثيرين لكن المقدرةَ الشخصيةَ هي الفيصلُ.
ما هي إذن المواصفاتُ الشخصيةُ التي تَفضلُ شخصاً علي آخرٍ عند الاختيارِ، الإجابةُ ليست عسيرةً، العديدُ من أهلِ الكرسي يتصفون بسلاطةِ اللسانِ، بالقدرةِ علي الكيدِ والتحريضِ وتدبيجِ المؤامراتِ، بإرهابِ الزملاءِ والمرؤسين، بلي الحقائقِ، ببلعِ الإهاناتِ في سبيلِ طولِ الجلوسِ، صفاتٌ ليست عشوائيةً إنما متكاملةً، لا تتوفرُ في الكثيرين. لماذا تحديداً هذه المواصفاتُ؟ أصبحَ الكرسي وسيلةً للإلهاءِ العامِ، لشغلِ الناسِ بصراعاتٍ مقصودةٍ مع شاغلِه، إما يكسرَهم فيبقي أو يكسروه فيتم إلقاؤه في أولِ مخزنِ خردةِ؛ صراعاتٌ تلهي عن الالتفاتِ لمتاعبِ حياةٍ ضنكٍ وواقعٍ سياسي تساوي مع العدمِ. الكرسي إذن ليس وسيلةٌ للتقدمِ والارتقاءِ بالمكان، مجردُ أداةِ تشتيتٍ، بدلاً من البحلقةِ والتركيزِ فيما لا يجوزُ.
نقاطُ ضعفِ أهلِ الكرسي تجعلُ قيادَهم سلساً، تنمرُهم علي زملائهم ومرؤوسيهم يقابلُه منتهي الخنوعِ مع من أجلسوهم، صوتُهم العالي وغلظتُهم في مكانِ الكرسي لا يناظران النعومةِ والحنيةِ مع من بيدِهم خلعِهم. من يتوحدُ في الكرسي لا يعرفُ النقاشَ مع من أجلسَه، منتهي الطاعةِ وأكثرُ، لا يعرفُه أيضاً مع زملائه ومرؤوسيه، فقط أوامرٌ وفرماناتٌ، لا يسمع سوي نفسه ولا يُعجب إلا بها. نفسيةُ شاغلِ الكرسي فيها الاستمتاعُ بإيذاء الغيرِ، التلذذ بالتحكم في خلق الله، فيها جنونُ العظمةِ وتصورُ أن عقاربَ الزمنِ أشارَت إليه وحدِه.
شاغلُ الكرسي عادةً ما يكون واجهةٌ، ينفذُ ما يُملي عليه، لا بد أن يستوفي شكلاً، رجلاً، سيدةً، عجوزاً، شاباً، حسبُ الحاجةِ، الاتجاهُ العامِ، الصورةُ أمام العالمِ، المنظرةُ. يا حبذا لو اجتمع الشكلُ مع المواصفاتِ الشخصيةِ التي أوردناها، إن لم يجتمعوا سيعلو الشكلُ فترةً وتتم بعدها الإزاحةَ عنه. الحكايةُ ليست بهذه الجديةِ، الكراسي واجهاتٌ، مسمياتٌ وظيفيةٌ، صورٌ علي الحوائطِ، لا مصلحةَ عامةَ ولا غيرَه.
في دولٍ تحترمُ الوطنَ والمواطنين لا يعتبرُ الكرسي مغنماً إنما خدمةُ تخضعُ للرقابةِ، لا يشغلُه ذي عوجٍ في مسلكِه أو في نفسيتِه، يستقيلُ إذا أخفقَ، إذا طاشَت تصرفاتُه وانفلَت لسانُه، أما في دولٍ دونِها فإنه يبقي ويبقي ويبقي، ما عليه إلا التمادي في الغي والاستمتاعِ به، طالما لم يجد من يزيحه كَرهاً،

ليست هناك تعليقات: