الجمعة، 21 أكتوبر 2011

القذافي .. مفيش غير كده


قُتِلَ القذافي في صباح يوم الخميس ٢٠ أكتوبر، تَعَدَدَت روايات المَشهدِ الآخيرِ، لكن النهايةَ واحدةٌ، يستحيلُ أن تكونَ بصورةٍ أخرى، أقلَ عنفاً أو أكثرَ احتراماً. كلُ المشاهدِ بدءًا من السابعِ عشرة من فبراير اختُزِلَت في مشهدِ الختامِ، بكلِ دراميتِه ومأساويتِه. صفحةٌ من تاريخِ ليبيا طُويت، حَوَت الكثيرَ، وصفحةٌ جديدةٌ على وشك أن تُفتحَ، لا يُعلَمُ كيف ستكونُ ولا إلى ما سَتُفضي. المنطقةُ العربيةُ تمرُ بمرحلةٍ شديدةُ الغموضِ، لم يدرْ بعقلٍ أنها ستزيلُ أنظمةً باطشةً بهذه السرعةِ والإصرارِ. ما يهمُني الآن هو حتميةُ النهايةِ، وانعدامُ البدائلِ، المشاهدُ الكثيرةُ والأحداثُ المتشابكةُ لم تؤدْ إلا إلى خاتمةٍ وحيدةٍ لا مفرَ منها، موتٌ ودمارٌ.

ما يبعثُ على الخوفِ من الغدِ هو عدمُ العملِ من أجلِ تأمينِه، بالفُرقةِ والتناحرِ والأنانيةِ. الحالُ في مصر الآن لا يخرجُ عن محاولةِ الحصولِ على كلِ شئ وأى شئ، على حسابِ الآخرين، بالصوتِ العالي والعافيةِ والعنفِ والبلطجةِ، وكأن القانونَ غيرُ موجودٍ، لم يُكتبْ ولم يُدَرَسْ أو يُدْرَسْ.

مصر الآن في حالةٍ من الفوضى الشاملةِ، تساوى فيها المتعلمُ والجاهلُ، والغني والفقيرِ، اِنعَدَمَت أُسسُ الاحترامِ، بين الأكبرِ والأصغرِ، في المنزلِ والشارعِ والمدرسةِ والجامعةِ، وفي مجالِ العملِ. الإعلامُ يُقدمُ الأمثلةَ علي الانتهازيةَ والجَشعَ، بلا وجلٍ ولا وازعٍ من خوفٍ على بلدٍ في حالٍ شديدِ الهشاشةِ. اللاعبون في السياسةِ كُلُهم من الهواةِ، يتصارعون على بلدٍ وكأنهم فيه بلا شركاءٍ، لا يُراعون اختلافاً في الفكرِ والعقيدةِ والجنسِ، ما يستحوذُ عليهم إلا كيف تكونُ سيطرتُهم، ولو بالمخالفةِ لمنطقِ العصرِ وأوامرِ العالمِ الآن ونواهيه. الشعاراتُ التي صبغَت حقبةَ مضَت يستحيلُ تكرارُها في زمنٍ لا يعترفُ إلا بالأقوى، علماً واقتصاداً، وأيضاً مجتمعياً؛ الصراخُ واستجداءُ الشعوبِ وتسخيرُِها ما عادوا علي مدارِ التاريخِ، قديمُه وحديثْه، إلا بالخرابِ والتقسيمِ ولن يعودوا بغيرِِهما.

منتهى الأنانيةِ وضعفِ الرؤيةِ. تراجعَ التصنيفُ الائتماني لمصر من أثرِ الاعتصاماتِ وقطعِ الطرقِ وتعطيلِ العملِ، وكأن المقيمين فيها في غيبوبةٍ، يريدون المرتبِ آخر الشهرِ ولو لم يجتهدوا سوى في إيقافِ مؤسساتِهم ومصانعِهم. الوحدةُ بين مسلمي مصر ومسيحييها تمرُ بأزمةٍ طاحنةٍ تُهددُ كيانَ الدولةَ، وما تنقطعُ ممارساتُ متطرفيهم في اشعالِ مزيدٍ من النيران منعاً للاقترابِ والتقبلِ المتبادلِ. محاولاتٌ مستميتةٌ للإيقاعِ بين الجيشِ والشعبِ، إساءاتٌ للجيشِ وكأنها بطولةٌ في حدِ ذاتِها. اِنعدَمَ الأمانُ في الطرقِ، تساوى في ذلك النهارُ والليلُ.


من يُشعلُ النيرانَ؟ من لا يريدُ بمصر خيراً؟ هل من إجابة؟ التفاؤلُ بعد الخامسِ والعشرين من يناير غامَ، أخفته غيومٌ قاتمةٌ من القلقِ والخوفِ من الغدِ، المُقدماتُ تؤدى دائماً إلي نهاياتٍ مُتناسبةٍ معها، إنه العلمُ والتاريخُ والسياسةُ والاقتصادُ، لا فهلوةَ ولا فتاكةَ، ولا مفاجآت. هل يستفيقُ كلُ من علي أرضِ مصر؟ هل يقدمُ المثقفون والمتعلمون القدوةَ؟ هل يَقون مصر الفرقةَ والانقسامَ والتدخلات الخارجيةَ؟

نريدُ لمصر مستقبلاً سعيداً متعددُ الخياراتِ، لكلِ مواطنيها؛ لا نريدُها نهايةً حتميةً ومفيش غير كده،،


Twitter: @albahary

ليست هناك تعليقات: